تُعد معاول الهدم الفكري وتهيئة الشاب ليكون إنساناً متطرفاً عقلياً وفكرياً وسلوكياً إحدى وسائل المنظمات والتنظيمات الإرهابية، لاختطاف الشباب لصالح أهدافهم وجرائمهم بحق الإنسانية، وبالتالي كانت الأسرة التي تمثل الحاضن والحامي لهؤلاء الشباب هي السد المنيع والحصن الحصين -بإذن الله- للوقوف في وجه محاولات اختطاف هذه العناصر الشابة الغضة، عندما تكون الأسرة ومكونات المجتمع المعنية بالشباب وحمايته في حالة انتباه دائم، لكن حينما تنشغل عن أبنائها وتجعلهم لقمة سائغة لهذه المنظمات الإرهابية عبر وسائل الاستقطاب وفي مقدمتها وسائل التواصل الاجتماعي وما ينتج عنها، وما ينتج أيضاً عن الفراغ وعدم توفير بيئة العمل لهؤلاء الشباب ولا نقصد من ذلك الفرص الوظيفية فقط، بل أيضاً فتح مجالات ممارسة الأعمال التجارية على مختلف أنواعها، فإن الحالة ستكون مواتية لأعدائنا لاستغلال تلك الثغرات والوصول إلى أبنائنا واستقطابهم ودمجهم في قوافل ضحايا تلك الأعمال الإرهابية، وليكونوا معاول قتل وهدم وتخريب وإفساد في كل اتجاه لم تسلم منهم بلادنا، عند ذلك لا ينفع الندم. تنظيمات مشبوهة تستغل الأحداث لجر الشباب لمستنقع الإرهاب! وينبغي على الآباء متابعة الأبناء واحتضانهم، والتأكد أن هناك من يخطط ليل نهار لاستقطابهم، وأن الخطوة التي يتأخرو فيها يحل محلها خطوة أخرى ليست بصالحه، كذلك عليهم مناقشة الابن وبيان خطورة تلك المنظمات وأن شبابنا مستهدفون، وأن من بني جلدتنا قد جُنّد لتحقيق هذه الأهداف التي يسعى إليها أعداء الوطن، ولا ننسى أن الثقة الزائدة بالأبناء وإهمالهم قد تدفع ثمنها الأسرة، وأن الشدة والقسوة هي الطريق للانحراف والتطرف، خاصةً للمراهقين الباحثين عن الهوية والذين لا يجدونها غالباً في منازلهم فيبحثون عنها عند الآخرين. مؤسسة اجتماعية وقال «د. يوسف الرميح» -أستاذ علم الإجرام ومكافحة الجريمة والإرهاب-: إن الأسرة أهم مؤسسة اجتماعية لتنشئة الشاب إذ منها يستقي أفكاره وتوجهاته وسلوكه، ومنها يعرف الصحيح والخطأ والحلال والحرام، وكذلك المقبول والممنوع، مضيفاً أن الأسرة هي من يساعد -مع عوامل أخرى- في تنشئة مواطن صالح، أو متطرف ثم إرهابي، مبيناً أنه عندما يمارس العنف الشديد على الطفل أو يشاهد عنفاً بدنياً داخل الأسرة يدفعه ذلك للهرب، وفي هذه الحالة يلتصق بأصدقاء جدد يعطونه شخصية اعتبارية، متأسفاً أن بعض هؤلاء أحياناً يحمل أفكارا ورؤى منحرفة، وكذلك تصوراً متطرفاً عن المجتمع، إضافةً إلى عدد من المفاهيم المغلوطة، مشيراً إلى أن أصدقاء السوء في مرحلة المراهقة يبحثون عن الإثارة والمتعة والتحدي، فيتحول الشاب معهم إلى صاحب مشاكل سلوكية كالمخدرات وغيرها وهذه مصيبة، أو قد يتحول للفكر الضال والإرهاب وهنا المصيبة أكبر، مُشدداً على أهمية الانتباه والمراقبة غير المباشرة والاحترام المتبادل ومعرفة أصدقاء الابن. جمع الأموال وأوضح «د. الرميح» أنه من الأمور المهمة التي يجب على الأسرة معرفتها والتحقق منها -وهي علامات خطر- كثرة الحديث عن الموت والاستشهاد وأن الحياة لا قيمة لها، وكذلك عدم الرغبة في إطلاع أسرته على مجرى حياته الجديدة، إضافةً إلى وجود أصدقاء جدد للشاب من أهل الأفكار الضالة يريد الالتقاء بهم بعيداً عن الأسرة، إلى جانب جمع الأموال لأمور سرية لا تعرفها أسرته ومحاولة البحث عن مدخرات أو سلف يأخذها هذا الشاب ولا يُعرف أين تذهب، مضيفاً أنه يلاحظ عليه التحدث عن جبهات القتال والحروب والمعارك وأن لا عزة ولا فخر للشاب إلاّ بميادين المعارك، كذلك الرغبة في تعلم استعمال السلاح، وإحضار أشرطة وكتيبات ومنشورات مشبوهة تتحدث عن الحروب والقتال والمنظمات، والميل إلى السهر المتواصل في أماكن غير معروفة ومع أشخاص مجهولين، مبيناً أن المشكلة تتطور لدى هذا الشاب لتصل إلى مرحلة الرغبة في حصوله على جواز سفر بشكل مفاجئ، أيضاً كثرة الحديث عن الحور العين وانتظارهن والشوق لهن، لافتاً إلى عدم اهتمام الابن بالملابس والمظهر الخارجي؛ لأن المهم في هذه المرحلة الجوهر وليس المظهر كما يرى، وكذلك التأفف والضيق من أي مناسبة وطنية وأن هذا منكر وفساد يجب عدم المشاركة فيه ومن الضروري إنكاره بأي طريقة كانت. وأشار إلى أن الشاب يحاول إنكار المنكر داخل الأسرة بطريقة عنيفة، أيضاً محاولة الجلوس مع الأطفال الصغار وتعليمهم أهمية الجهاد والقتال، كذلك الاستهزاء والسخرية من طرق الأسرة بالترفيه وأن الحياة يجب أن تعلّم الخشونة ولا مكان لغير الجد فيها، إضافةً إلى الميل للنقاشات الحادة في اجتماعات الأسرة والمدرسة عن الجهاد والجبهات والكفر والإيمان، إلى جانب أنه يلاحظ عليه الجلوس لأوقات طويلة على «الإنترنت» بمواقع مشبوهة، والطلب من أسرته -خاصةً صغار السن- مناداته بكنية حركية تعلمها من الإنترنت تبدأ ب»أبو فلان»، وهذه إحدى مترادفات المراهقة المنحرفة والإرهابية. فريسة سهلة وتحدث «د. إبراهيم المشيقح» -محاضر في جامعة القصيم- قائلاً: إننا نجد ونلمس التطرف بين أبناء مجتمعنا بسبب سلبية التربية، والتي بدورها قد تتحول إلى الاستغلال من جهات ومنظمات، ثم يكون فريسة سهلة لتنفيذ أهدافهم، مضيفاً أن المشكلة تكمن في أن هذا الابن قد يتولد لديه ازدواجية من خلال هذه التربية وأفكار سطحية تضر به، مبيناً أن هذا بدوره يؤدي إلى انتكاسة وهذا ما يجعل الكثير من تلك الجهات المتطرفة تستقطب مثل هذه الفئة، ذاكراً أن هناك إشارات واضحة تبدوا على هؤلاء الشباب يجب على الأب والأم وغيرهم أن يلتفتوا إليها ويدركوها جيداً من أجل تلافي مثل هذه الانحرافات واحتضان الأبناء، لكي لا يكونوا فريسة سهلة لأعدائهم، مشيراً إلى أن الخطورة تكمن في أن الأب مشغول وأصبح شبه غائب، والأم كذلك، والمدرسة قد لا تفي بدورها كاملاً، وهذا الفراغ الذي تركه المربون من أب وأم ومدرسة وغيرهم استغله أعدائنا، وبالتالي وجد هؤلاء الأبناء من يستمع إليهم ويغريهم بل ويشجعهم، من أجل أن يلتحقوا بهم، متأسفاً على أنه عندما يحصل ذلك نجد أنه يظهر الأب والأم والأخ والمسؤول عن تربيتهم لمعالجة هذا الخلل، لكن بعد فوات الأوان، وبعد أن أصبح ضحية بأيدي هؤلاء العابثين بحيث لا يستطيع التخلص منهم، ولا تستطيع الأسرة إنقاذ ابنها. متابعة واحتضان ونصح «د. المشيقح» بالحرص على تربية الأبناء ومتابعتهم واحتضانهم والتأكد أن هناك من يخطط ليل نهار لاستقطابهم، وأن الخطوة التي يتأخر فيها الأب يحل محلها خطوة أخرى ليست بصالحه، مُشدداً على أهمية مناقشة الابن وبيان خطورة تلك المنظمات وتلك الأسماء الوهمية وأن شبابنا مستهدفون، وأن من بني جلدتنا قد جند لتحقيق هذه الأهداف التي يسعى إليها أعدائنا، مُنبهاً على أن الثقة الزائدة بالأبناء وإهمالهم قد تدفع ثمنها الأسرة، وأن الشدة والقسوة هي الطريق للانحراف والتطرف، خاصةً للمراهقين الباحثين عن الهوية والذين لا يجدونها غالباً في منازلهم فيبحثون عنها عند آخرين، لافتاً إلى أنه يجب أن لا نغفل دور المدرسة والمجتمع ومؤسساته في تفعيل تربية الأبناء وتحصينهم من تلك الانحرافات الفكرية التي تقودهم إلى التطرف. مُسيّر لا مُخيّر وأكدت «نسرين قواص» -أديبة- على أن ما يحدث من انضمام للجماعات والعنف باسم الدين ونحوه تشعر كأنه داء يصيب الفرد بعقله فيشل تفكيره حتى يسيطر عليه كلياً، فيصبح الشخص كالآلة مُسيّرا لا مُخيّر، مضيفةً أن الأجهزة الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي «قنبلة» موجودة في كل منزل، عملت على توحّد الشخص وعزلته عن العالم أجمع وأصبح يعيش بفكره مع الجهاز، بل ويبتسم مع الأحرف التي يقرأها ويضحك على مشهد أو موقف طرحه غيره، حتى أصبح منعزلاً في كل شيء وهو وسط أهله أو جمعة أقاربه وأصدقائه، مُشددةً على أن الآباء عليهم إدراك مخاطر الانعزال وتوحد الابن عنهم، فيصبح مع الوقت يدرك أهمية الوالدين، بل و يهتم بمسألة كبير العائلة، ويتخلخل لديه الاحترام والعيب والحرام وما يصح قوله أو فعله، وبالتدريج يكون جاهزاً لتلقي الجديد، ثم تصبح أرضية الاستيعاب لديه مجهزة للغزو الفكري والآراء المغايرة، بل ومهيأ لكل تحريض، ثم يصدق عن ظهر قلب وبكل سهولة أي معلومة تقع على مسمعه أو أمام عينيه عبر الأجهزة «الموقوتة». إدراك الخطر وذكرت «نسرين قواص» أن الأسرة هي أساس التنشئة والتربية، عليها أن تكون الحاوي الأول والأقوى، وعليها أيضاً غرس الدين في نفس أبنائها بشكله السليم دون التشدد أو التسيب، مُشددةً على إدراك الأسرة ضرر ومخاطر عدم الاحتواء، وكذلك تتبع أبنائها على الدوام، وعليها أن تدرك خطر التفكك الأسري وخطر «التكنولوجيا» بين يديه، مضيفةً أن الأسرة اليوم مكلفة في حصانة سلوك أبنائها أكثر من ذي قبل، والتقرّب لهم بشكل كبير، موضحةً أن الأسرة إن تلمست أن ابنها بدأت عليه إشارات الخطر، فعليها إرجاعه لحقيقة بيئته ونفسه ومجتمعه ودينه، فإن وجدت أن الأمر قد تعدى مرحلة إقناعه بكل ذلك واسترداد عقله، فعليهم تبليغ الجهة الأمنية دون تردد، مشيرةً إلى أن الابن الذي أصبح ذو فكر جديد ضرره في المجتمع لا يقل عن الابن الذي تعاطى المخدرات مثلاً. وشدّدت على ضرورة فتح قسم خاص بالشرطة لاحتواء هذه الفئة بعيداً عن كونه مجرما، لتكون جهة تحتوي وتوجه إلى أن يسترد عقله من جديد ويعود لنفسه، وأيضاً ينبغي إنشاء منشآت حكومية أو حتى أهلية دون تأخير وتكون متخصصة لمثل هذه الفئات وتحتوي الإرهابي والخارج بأفكار غريبة والمنتمي لجماعات وعناصر غير سوية، ليستطيع الآباء اللجوء مباشرة إليهم وبشكل سريع سواء للجهة الأمنية أو المنشأة المتخصصة، وقبل تفاقم الأمر وإدراك وقوعه، مضيفةً أنه يبقى لدينا مشكلة البطالة وهي من تدفع كثيراً شبابنا وتتيح لهم الفرص للانحراف الفكري بإشغال طاقاتهم ووقتهم بكل ما يضر ولا ينفع، مشيرةً إلى أهمية الإعلام في توعية المجتمع والآباء خاصة، إذ ليس عيباً أن تنشر وسائل الإعلام نصائح للآباء في كيفية التعامل مع أبنائهم المتورطين في هذه الجرائم الفكرية المختلفة.
مشاركة :