نيكي لاودا من شفير الموت الى أسطورة فورمولا واحد

  • 5/22/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

فيينا - سيارة تلتهمها النيران على حلبة نوربورغرينغ الألمانية عام 1976: صورة مطبوعة في الذاكرة، تلتها قصة عودة مذهلة الى عالم السباقات والألقاب، تختصران مسيرة بطل العالم السابق للفورمولا واحد النمساوي نيكي لاودا الذي توفي الإثنين عن عمر 70 عاما. حتى هذا الحادث المروع لم يتمكن من "إذابة" الإرادة الجليدية الصلبة لبطل العالم 1975، فعاد بشبه معجزة للفوز بلقبين إضافيين وتحول لاحقا الى رجل أعمال ناجح مؤسسا شركتي طيران. قبل عام من حادثه المشؤوم، أحرز لاودا لقب بطولة العالم للمرة الأولى على متن سيارة فيراري، وكان يتصدر ترتيب السائقين في الأول من آب/أغسطس 1976، عندما انحرفت سيارته عن المسار لأسباب مجهولة، واصطدمت بالحواجز واشتعلت فيها النيران على الحلبة الألمانية الشهيرة التي كانت بطول 22.8 كم، وعرفت باسم "الجحيم الأخضر" لكثرة الحوادث التي كانت تشهدها. بقي لاودا محاصرا وسط النيران قرابة دقيقة قبل أن يعمد سائقون إلى سحبه بعدما توقفوا لانقاذه، وخاطروا بحياتهم اثر اشتعال بزاتهم الرياضية المقاومة للنيران، بسبب الحرارة المرتفعة. انتشرت في أنحاء العالم صور الحادث المروع الذي أتى بعد أيام فقط من تحذير لاودا في مقابلة صحافية من أنه "في نوربورغرينغ، في حال كانت سيارتك تعاني من مشكلة، فأنت ستلاقي حتفك 100 بالمئة"، نظرا لأن الحلبة كانت تعتبر من الأصعب في جدول بطولة العالم. بعد نحو ستة أسابيع من اقترابه من شفير الموت، صدم لاودا عالم رياضة السيارات بعودته للمشاركة في جائزة إيطاليا الكبرى على حلبة مونزا. لم تحل الضمادات على وجهه ويديه بعد تعرضه لحروق راوحت بين الدرجتين الأولى والثالثة، وتنشق غازات سامة سببت ضررا دائما في رئتيه، من حلوله في المركز الرابع. بعد السباق، كتب أحد الصحافيين في تقريره عن صدمته لرؤية لاودا بعد السباق، ينزع ضمادات يغطيها الدم عن فروة رأسه. في ذلك العام، غاب "الناجي" لاودا عن سباقين فقط وحافظ على تقدمه بفارق ثلاث نقاط قبل الجولة الختامية في اليابان في صراع الرمق الأخير مع البريطاني جايمس هانت (ماكلارين). غير أن لاودا انسحب من سباق حلبة فوجي بعد لفتين بسبب الأمطار الغزيرة معتبرا أنه من غير الآمن الاستمرار بالتسابق، ليتوج هانت بطلا للمرة الوحيدة في مسيرته. الصراع المحموم بين السائقين والذي عكس الشجاعة الاستثنائية للسائق النمسوي وروحه القتالية، شكل محور فيلم "راش" للمخرج الأميركي رون هوارد عام 2013. في العام التالي (1977) أحرز لاودا لقبه العالمي الثاني مع فيراري، قبل عامين من اعتزاله بحثا عن تحقيق شغفه الثاني: الطيران المدني. عاد مجددا الى حلبات التسابق عام 1982، وهذه المرة مع فريق ماكلارين، الذي أحرز معه لقبه الثالث والأخير عام 1984. خلال فترة ابتعاده عن الحلبات، أسس شركة الطيران "لاودا إير" عام 1979، التي باعها إلى شركة الخطوط الجوية النمسوية في 2002. بعد ذلك بعامين، أسس شركة "نيكي" للطيران المنخفض الكلفة، وباعها الى شركة "برلين إير" الألمانية عام 2011. بعد انهيار الأخيرة، عمد لاودا الى شراء شركته مجددا في شباط/فبراير 2018 متفوقا على مجموعة الخطوط الجوية الدولية (آي ايه جي)، مالكة الخطوط الجوية البريطانية "بريتيش إيروايز" وشركة "راين إير"، بعدما أعاد تسميتها "لاوداموشون" وبقي أحد مديريها قبل أن يعمد بعد شهرين إلى بيع غالبية الحصص الى "راين إير". اختبر "المستثمر" لاودا الذي أدار شركة صغيرة لتأجير طائرات خاصة لرجال الأعمال، كارثة في 26 أيار/مايو 1991، يوم تحطم طائرة بوينغ 767 تابعة لشركته "لاودا" أثناء رحلة من تايلاند الى النمسا، ما أدى الى مقتل جميع الركاب وأفراد الطاقم الذين بلغ عددهم 223 شخصا. لم يتمكن لاودا الذي اشتهر بقبعته الحمراء التي كانت تخفي الندوب على وجهه ورأسه من جراء الحادث، من البقاء بعيدا عن الفورمولا واحد، فعمل كمعلق تلفزيوني وكمستشار لفيراري خلال حقبة التسعينات وشغل منصب المدير العام لفريق جاغوار في بداية الألفية الثانية، قبل أن يتولى منذ 2012 حتى رحيله، منصب الرئيس غير التنفيذي لمرسيدس. بشخصيته الصريحة والثقة الكبيرة بالنفس، أزعج لاودا بعض المحيطين به في الفورمولا واحد، ومن ثم في عالم الأعمال، بسلوك لا يقبل المساومة. لكن خبرته وصدقه الجارف أكسباه الاحترام من قبل أولئك الذين أدركوا أخلاقيات عمله وعقله التحليلي واستعداده للتعلم من الأخطاء. وفي مقابلة مع وكالة فرانس برس على هامش جائزة موناكو الكبرى العام الماضي، انتقد لاودا نظام الحماية "هايلو" الذي بات يستخدم حاليا في سيارات الفورمولا واحد، قائلا انه ينتقص من جاذبية الرياضة. في الثاني من آب/أغسطس الماضي، خضع بطل العالم السابق في مستشفى في فيينا لعملية زرع رئوية ناجحة، بعد إصابته بفيروس رئوي من تبعات الحادث الذي تعرض له عام 1976. خضع أيضا قبل أعوام لزرع كليتين. وبعد فشل إحداهما، تبرعت صديقته الحميمة حينها بيرغيت فتزينغر، وهي مضيفة طيران سابقة، بإحدى كليتيها له، علما بأنهما تزوجا لاحقا في عام 2008، ولهما توأمين ذكر وأنثى. وللاودا ثلاثة أبناء آخرين من علاقات سابقة. ولد أندرياس نيكولوس "لاودا" في 22 شباط/فبراير 1949 في فيينا في عائلة بورجوازية من رجال أعمال، لم تشاركه شغفه بالسيارات. اعتاد جده القول "أبناء عائلة لاودا يجب أن يكونوا على الصفحات الاقتصادية للصحيفة، وليس على الصفحات الرياضية".

مشاركة :