عاطف الغمري الآن، وبعد تولي نتنياهو رئاسة حكومة «إسرائيل»، لخامس مرة، ليكون أكثر رؤساء حكوماتها بقاء في الحكم لأطول فترة، منذ رئاسة بن جوريون، فإنه قد عمل على تأسيس قاعدة انتخابية قوامها حشد مشاعر قوى اليمين المتطرف وراء أيديولوجية عنصرية، متعصبة، نزعت عن الرأي العام أي رغبة في السلام مع الفلسطينيين. لكن هذا لا يخفي عن المشهد وجود ظاهرة أخرى، تبدت في تصاعد مشاعر مخالفة بين قطاعات ليست قليلة من اليهود، خاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، يزعجها ما تراه من أن نتنياهو يضفي على الدولة اليهودية طابعاً عنصرياً مجرداً من أي مبادئ تحترم حقوق الإنسان، والديمقراطية، والتي كانت القوى اليهودية في الغرب تتعلل بأنها من أهم أسباب دعمها المستمر ل «إسرائيل».تشهد على هذه الظاهرة، استطلاعات للرأي جرت في الولايات المتحدة وأوروبا، تظهر أن الشباب اليهود خاصة، في هذه البلاد صاروا يتشككون في حقيقة المبادئ والقيم التي كانوا يتصورونها ويروجون لها عن «إسرائيل». في الاتجاه نفسه جاء تحذير جانتيس زعيم حزب العمل الذي خاض الانتخابات منافساً على رئاسة الحكومة، والذي قال: إن نتنياهو ينزلق إلى نظام حكم يشبه حكم أردوغان في تركيا الذي يرفع شعارات، لكنه يتصرف بما يخالف شعاراته. إن ما يثير قلق اليهود، وخاصة من الأمريكيين، الذين يرون أن نتنياهو يبدو أشبه بقطار أفلت من زمام التحكم فيه، دون مراعاة مواطن الخطر التي تلوح أمامه، أنه ينطلق مندفعاً نحو وضع أفكاره المتطرفة موضع التنفيذ، يساعده على المزيد من السرعة انحياز ترامب له، والذي يدعمه الفريق الذي شكله لإدارة مستقبل العلاقات «الإسرائيلية» الفلسطينية، وكلهم من أنصار دعم أطماع «إسرائيل»، التي أفصح عنها نتنياهو قبيل الانتخابات، بأنه سوف يفرض سيادة «إسرائيل» على أجزاء من الضفة الغربية. وهو ما يعني مصادرة حق الفلسطينيين في إقامة دولتهم المستقلة. لاحظ ذلك خبراء «إسرائيليون»، منهم على سبيل المثال، جيدى يلبوت المؤرخ بالجامعة العبرية والمعارض لضم المستوطنات ل «إسرائيل»، والذي قال: إن نتنياهو سيواصل مخططه الذي سبق أن أعلنه منذ عشر سنوات، بشأن ضم مستوطنات الضفة الغربية ل «إسرائيل»، وتخريب مفاوضات السلام. والمعنى نفسه تحدث عنه الكاتب أنسيل فيفر في صحيفة «هاآرتس»، من أن رغبة نتنياهو في الاستمرار في الحكم، تجعله يفعل أي شيء، مثل إشعال نار المخاوف السوداء لدى «الإسرائيليين» من الفلسطينيين، واستدعاء شياطين العنصرية، وهدم أعمدة الديمقراطية في «إسرائيل»، المحدودة، وغير المكتملة للآن. وعلى الجانب الآخر من هذه التوقعات سواء داخل «إسرائيل» أو بين يهود مؤيدين لها في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن نتنياهو لا يكف عن الادعاء بتصريحات خادعة، يقول فيها: إن فوزه الأخير برئاسة الحكومة سيكون بمنزلة ضوء أخضر لخطة السلام التي انتظرناها طويلاً. وهو كلام مخالف تماماً لمواقفه وتصرفاته. والمعزوفة الخيالية نفسها يرددها مستشار ترامب للأمن القومي جون بولتون، في تصريح يقول فيه: أعتقد أن لدينا فرصة للسلام، مع فوز نتنياهو. والمعروف أن بولتون هو أحد أقطاب جماعة المحافظين الجدد، المنحازين كلية ل «إسرائيل»، والرافضين للدولة الفلسطينية وحل الدولتين. إن هذا المسار بجانبيه «الإسرائيلي» والأمريكي، لا ينبئ بسلام «إسرائيلي» فلسطيني، لكنه تعبير عن معنى سلام «إسرائيلي»، أي بشروط «إسرائيل» التي تفرض من جانب واحد، بينما السلام «الإسرائيلي» الفلسطيني، هو ما نصت عليه قرارات الأمم المتحدة، ثم إن التوجه الذي يقوده نتنياهو يثير في الوقت ذاته مشاعر قلق لدى قطاعات يهودية مهمة، تخشى على المواطنين «الإسرائيليين» أنفسهم من هذا الاندفاع ضد سلام حقيقي في المنطقة، عبرت عنه من خلال منظمات يهودية أمريكية أبرزها «منتدى السياسة الإسرائيلي»، و«أمريكيون من أجل السلام الآن»، وحركة «جي ستريت»، وهؤلاء لديهم عقيدة راسخة ترى أن سياسة نتنياهو سوف تقود «إسرائيل» إلى كارثة، ما دامت تتحدى حركة التاريخ بالنسبة للنزاع «الإسرائيلي» الفلسطيني، وتناطح كل القوى الداعية للسلام، ولا تدرك مشاعر شعب أراضيه محتلة من قوة خارجية، ويصعب أن يستسلم لهذه الممارسات فوق أراضيه، ومن ثم فهم يؤيدون حقوق الفلسطينيين، على الرغم من تعاطفهم مع الشعب اليهودي في «إسرائيل».
مشاركة :