في في المراحل الأولى لموجة الهبوط الاقتصادي الأخيرة، تبنت شركة كوستكو لتجارة الجملة استراتيجية تعتمد على شراء السلع من الموردين بكميات كبيرة ثم تخزين المشتريات حتى حين. ومن اللافت أن هذه الاستراتيجية تضاهي نصائح الشركة لعملائها في الظروف العادية. ويقول ريتشارد جالانتي المدير المالي للشركة إن كوستكو استشعرت تفاقماً في الاتجاه النزولي للاقتصاد، فلجأت إلى تخفيض عدد السلع التي تبيعها، والتعامل مع أعداد أقل من الموردين. وعزز هذا من القدرة الشرائية للشركة عند التعامل مع الموردين لاستفادتها من مزايا خفض الأسعار في حال الشراء بكميات كبيرة. ويوضح «ببساطة شديدة، فمن الأيسر إدارة 3800 صنف في مستودع بدلاً من 60 ألفاً، ومن ثم تصبح العمليات أكفأ». وذكر تقرير أصدرته شركة «بين وشركاه الاستشارية» مؤخراً أن هذا المثال يوحي بضرورة تفكير أعداد أكبر من الشركات بنفس الطريقة في ظل توافر بوادر هبوط اقتصادي جديد. ويضيف التقرير أنه على الشركات أن تركز تحديداً على تقييم مواضع القوة والضعف لتقليص عملياتها، وخفض الكلفة عن طريق تطبيقات التكنولوجيا الحديثة. ويرى التقرير أنه من جهة أخرى، يجب على المدراء الماليين للشركات ابتكار استراتيجيات يواجهون بها عدة سيناريوهات اقتصادية سيئة كصور الاستثمار الشرس، وعمليات الدمج، والحيازة. وكان هذا التقرير فحص النتائج المالية لقرابة 3900 شركة في أنحاء العالم ومن أنشطة متنوعة. واستهدف من ذلك تحديد السمات التي سمحت لبعض الشركات بالانتعاش وقت العواصف الاقتصادية العاتية. ويلخص توم هولاند أحد معدي التقرير المسألة بقوله «الطريقة الشائعة لمواجهة الركود تتمثل غالباً في ترقب الأخبار السيئة، ثم الشروع في خفض التكاليف. ولكن الشركات الأكثر نجاحاً تخفض التكاليف في مرحلة مبكرة، قبل أن تتفاقم الأوضاع، من خلال تبني خطوات ذكية منها التوسع في الميكنة، بدلاً من تطبيق برامج واسعة النطاق للحد من التكاليف بوصفها إجراءات طارئة». وساعدت هذه الاستراتيجية، بما فيها التخطيط المستقبلي لمواجهة احتمالات اقتصادية أسوأ، نحو 10% من الشركات، ومنها كوستكو على زيادة إيراداتها بمعدل نمو سنوي قدره حوالي 17% في المتوسط (قبل احتساب أسعار الفائدة والضرائب) في خلال فترة الركود الاقتصادي بين عامي 2007 و2009. أما بقية الشركات، فلم تسجل نمواً على الإطلاق في نفس الفترة محل البحث، وفقاً لما جاء في التقرير. ومن الملاحظ ظهور مخاوف جديدة من اتجاه نزولي مرتقب للاقتصاد العالمي بعد عقد على الأقل من التوسع الاقتصادي المطرد. وذكر مسح أجرته جامعة ديوك حول نظرة المدراء الماليين بالشركات لآفاق الأعمال عالمياً أن ثلثيهم يتوقعون دخول الاقتصاد الأميركي مرحلة الركود بحلول الربع الثالث من عام 2020. أما قرابة نصف المدراء الماليين الأميركيين، فتوقعوا الركود بنهاية العام الحالي 2019. وكانت نتائج هذا المسح قد نشرت في ديسمبر الماضي وشمل 1500 مدير مالي في أنحاء العالم. وأجرت شركة ديلويت للاستشارات مسحاً شمل 158 مديراً مالياً في الولايات المتحدة وكندا ونشرت نتائجه في فبراير الماضي. وأظهر هذا المسح أنه رغم توقع غالبية المدراء الماليين الأميركيين لاتجاه اقتصاد الولايات المتحدة نحو الأسوأ، فإن نصفهم تقريباً يستعدون لمواجهته حالياً !. وذكرت نسبة 49% فقط منهم أن شركاتهم لديها خطط تفصيلية لمواجهة الاتجاه النزولي للاقتصاد. وبالعودة إلى تقرير بين للاستشارات نجد أنه يحذر من العواقب السلبية لغياب خطة طوارئ لمواجهة هذه الأوضاع. فقد يتسبب الاتجاه النزولي في تحجيم مجال الرؤية أمام المدراء الماليين إلى أقصى حد. وفي المقابل، يثني التقرير على مزايا التركيز على توظيف رأس المال العامل، فتزيد الإيرادات من عائد بيع الرصيد السلعي في المستودعات، والتحصيل من العملاء المتأخرين في السداد. وستكفل هذه الإيرادات للشركة مواصلة الاستثمار في النمو، فتواجه عرضاً سلبياً آخر لفترات الركود. ومن الملاحظ أن الشركات الناجحة استمرت في تخصيص الاعتمادات المالية لأغراض الأبحاث والتنمية، وخطوط الأعمال الجديدة، وحملات التسويق المركزة في خلال مرحلة الركود. وذكر تقرير بين في هذا الصدد، أن هذه الإجراءات ساعدت الشركات في الفوز بحصص من الأسواق والوصول إلى عملاء جدد. وخلاصة القول، فإنه يتعين على الشركات أن تحتفظ بقائمة من التدابير والفرص الممكنة حتى تستعد بها لمواصلة العمل في أسوأ ظروف الركود الاقتصادي لا أن تنتظر حتى يقع هذا الخطر. ولعل المدراء الماليين عموماً يستفيدون من النتائج الإيجابية التي أظهرتها أعمال عشرة في المائة فقط من الشركات محل المسح في أسوأ ظروف الركود.
مشاركة :