«هل هي الحرب»؟! السؤال الأكثر طرحاً خلال الأيام الماضية. عدة الحرب كلها جاهزة، وجميع شروط الحرب مكتملة، والقطع العسكرية الضاربة على أهبة الاستعداد. أما التصريحات الإيرانية فتتراوح بين لغة التحدي العنجهية، والتظاهر بالبرود السياسي... حتى «الحرس الثوري» يطالب بتجنب الحرب! والسعودية ومعها دول الاعتدال في الخليج تريد من إيران الالتزام بالقوانين الدولية، وأميركا تنتظر منهم الجلوس إلى الطاولة لمعرفة شروط تجنب الحرب وويلاتها. لا يمكن لأحدٍ أن يعدّ الحرب نزهة، أو أن عواقبها ليست وخيمة، ولكنها آخر الدواء في كل الأحوال. وعلى حد تعبير الدبلوماسي ريتشارد هولبروك؛ فحين تغلق الأبواب وتسد الطرق، وحين تنعدم فرص الحوار والتفاوض، فإن الحرب هي أقصر وأفضل الطرق من أجل السلام، كما فعل في اتفاقية «دايتون». هل أميركا تريد فعلاً ضرب إيران؟! أقف على إجابتين لمحللَين سياسيين: الأستاذ عبد الرحمن الراشد يعدّ أن «الذي يجعلنا نصدق باحتمالية وقوع الحرب هو عدد القطع البحرية العسكرية الأميركية القتالية التي وصلت إلى مياه الخليج، والأخرى في المنطقة المحيطة بها. هذه ليست ألعاباً، ولا تتحرك إلا وهي بالفعل مستعدة للقتال وفي انتظار الأوامر العليا، وهي أقصى رسالة جادة يمكن أن تبعث بها واشنطن. علينا أن نتذكر أن الولايات المتحدة قوة هائلة، مثل الفيل، تدوس على العشب ولا تنظر تحتها. ففي مناطق الصراع أصيبت بخدوش قابلة للمداواة، في حين أن النظام الإيراني قد يصيبه ما أصاب صدام في الحربين؛ تدمير وربما انهيار، وما أصاب حركة طالبان عندما تم تدميرها وإخراجها من كابل بعد هجمات سبتمبر (أيلول)، وحتى عندما هزمت غادرت فيتنام، بجروح نفسية، وهي تسعى لتقليل خسائرها البشرية». بينما الأستاذ ممدوح المهيني في قراءته حول احتمالية الحرب يعدّ أن «الجواب بـ:لا، ولكنه (ترمب) يريد أكثر من ذلك، أن يخنق النظام الشرير حتى يلفظ الأنفاس الأخيرة من دون أن تتسخ يداه، وهذا إرث سياسي هائل يمكن أن يصبر عليه عامين أو ثلاثة ويكسب المجديْن؛ مجد الانتصار على خصومه داخلياً، ومجد القضاء على واحد من أكثر الأنظمة شراً وظلامية في العالم... لو كان ترمب في مدته الرئاسية الثانية، فإن احتمال توجيهه ضربات عنيفة لطهران سيكون أعلى بكثير. لن يكون لديه ما يخسره، إضافة إلى أن الرؤساء في العادة يفكرون في عهدهم الثاني أكثر في العالم الخارجي، ويسعون لتشكيل إرثهم الدولي وصورتهم في التاريخ قبل أن يغادروا». من المرجح أن تخضع إيران للمجتمع الدولي، فهي لا تستطيع مناهضة الاستراتيجية الأميركية بالمنطقة، خصوصاً مع تضعضع أذرعها الإرهابية، وعدم قدرتها على الصرف المالي السخي كما في السابق حين وصل برميل النفط لسعرٍ خيالي، وقبل سطوة العقوبات الدامغة. ومن الناحية الاقتصادية الداخلية؛ هي مقبلة على كارثة ما لم تتدارك أمرها، فالأسباب الاقتصادية التي جعلت المجتمع الإيراني يثور على نظام الشاه موجودة في النظام الأصولي القائم. يشخّص الأكاديمي الأميركي الإيراني الأصل والي نصر في كتابه: «صعود قوى الثروة» بقوله: «إذا أرادت إيران أن تصبح دولة كبرى، فينبغي عليها تنمية اقتصادها بحيث يصبح محركاً للنمو في المنطقة، ويفترض هذا أن تتواءم مع التحول الاقتصادي النشيط الجاري في جميع أنحاء المنطقة، وهو بروز طبقة وسطى جديدة ستكون المدخل إلى اندماج الشرق الأوسط في الاقتصاد العالمي، وبناء علاقاتٍ أفضل مع الغرب... بدلاً من ترك الساحة خالية أمام قوة الأصولية الوهمية». ستستمر العقوبات الأميركية طويلاً، والتصعيد الإيراني سيرتد على النظام، فالقوة الأميركية لا تقهر، ولن تكون إيران صعبة الكسر. دف أميركا سحق النظام الإيراني سلماً أو حرباً؛ بمعنى إخضاعه بشكلٍ تام، ويمكن للإيرانيين القبول بالشروط للنجاة من الحل العسكري الكاسح، فهم سيخضعون إنْ بالسلم أو بالحرب، وتقليل تكلفة الخضوع أفضل للمجتمع الإيراني المغلوب على أمره. أما الحكايا الإيرانية حول إغلاق الممرات؛ فهذا أمر مستحيل لن يتجاوز الدعاية الإعلامية، والوقت ليس في صالح إيران، فأمامها ربما أيام قليلة للاختيار بين الضربة العسكرية، أو الخضوع للشروط الدولية، والدخول تدريجياً ضمن المجتمع الدولي والتخلي عن الرعاية الدموية للإرهاب. ستطيع إيران أن تثبت أنها ليست مكوّناً أساسياً لمحور الشر في العالم، ولا دولة مارقة في المنطقة، بشرط تحولها من ثورة إلى دولة.
مشاركة :