ينتقل الناقد سعيد يقطين في كتابه الجديد الفكر الأدبي العربي إلى تأمل وضعية الفكر الأدبي العربي منذ عصر النهضة. وكشف يقطين -في كتابه الصادر عن دار ضفاف ودار الاختلاف ودار الأمان عام 2015- العوائق التي وقفت في طريق تطوره، كما شرح العوامل التي جعلت آفاقه المستقبلية غائمة، مقترحا تصورا بديلا لتدارك ما فات ودخول العصر بمنطق المراهنة على الاستمرارية والعلم. ويتكون الكتاب من ثلاثة أبواب يندرج في إطارها حوالي 13 فصلا، ويمكن الاطلاع على المنجز النقدي من تتبع سيرورة الفكر الأدبي العربي خلال حيز زمني يقارب قرنا ونصف القرن، مع معرفة نقاط القوة والضعف فيها، والعوامل الذاتية والموضوعية التي أجهضت الانطلاقات الجادة في تاريخ فكرنا الأدبي العربي. جهود مهدورة يتحدث سعيد يقطين في كتابه بمرارة عن الجهود المهدورة في الفكر الأدبي العربي، تلك التي فوتت على العرب تحقيق النهضة المرغوبة ودخول عصر العلوم من بابه الواسع. فبعد أن أثمر الاحتكاك مع الغرب فرصة ثمينة للخروج من قوقعة التخلف، وجد العرب أنفسهم يعودون إلى نقطة البداية عقب تعثر محاولات الاستفادة مما حققه الغرب في مجال الدراسات الأدبية، إذ سرعان ما توقفت لأسباب ذاتية وموضوعية، وليتحول بعدها الجامعي الأكاديمي العربي الذي يراهن على المعرفة العلمية إلى الجامعي الأديب الذي يراهن على الثقافة الجامعة. ويُرجع يقطين فشل النهضة الأدبية العربية إلى سببين متلازمين، أولهما التحفظ من إقحام الدراسات الأدبية في خانة العلوم، وجعل الأدب بعيدا عن تحقيق العلمية، حيث ظل الناقد العربي يستلف مفاهيم ومناهج ومقولات مما يفرزه الدرس الأدبي العلمي في الغرب، ويطبقها بعشوائية على الأدب العربي دون استيعاب لخلفياتها المعرفية. وهذا ما أدى بالمنجز النقدي العربي إلى أن يكون غير قادر على الإسهام في التطور. أما السبب الثاني فهو العمل بالقطيعة بين المراحل، حيث إنه نادرا ما تتم الاستفادة من المجهودات السابقة من أجل بناء تصورات بديلة. ويرجع الباحث سبب حصول هذه القطائع إلى التبعية لما يستجد في الغرب دون فهم ولا رؤية، فما إن ينتقل مجال البحث العلمي في الأدب من مرحلة إلى مرحلة حتى تتعالى الصيحات في الثقافة العربية بضرورة القفز إلى المرحلة اللاحقة، دون أن تُستنفد المرحلة السابقة بحثا واستيعابا وتمثلا. ويربط يقطين ضياع جهود الدارسين العرب بعاملين، الأول إيمانهم المفارق بالعلم والتخصص على مستوى التصور والرؤية، والتشكيك في علمية تناول الأدب عند تطبيق هذه التصورات، فتكون نتائج أعمالهم متناقضة. والثاني هو وجود باحثين آمنوا بعلمية الدراسة الأدبية وراكموا فيها أعمالا متميزة، لكنهم عُزلوا وهُمشوا تحت ذرائع متعددة، فراحوا يغردون خارج السرب وذهبت مجهوداتهم سدى. أطروحة الكتاب واستنادا إلى القراءة التي قام بها يقطين في تاريخ الفكر الأدبي العربي انطلاقا من رؤية نقدية للسياقات الجديدة التي يعرفها العالم، استنتج أن الفكر الأدبي العربي مطالب بولوج نهضة جديدة تستثمر كل الجهود الرائدة، متسلحة بروح العلم في اقتحام القضايا الأدبية، وساعية لهضم ما يستجد من نظريات ومناهج ومفاهيم. ويراهن يقطين في تدشين نهضة الفكر الأدبي العربي على ركوب غمار الوسائط الجديدة بوعي عميق وتبصر معرفي بأهدافها وقيمها، بدل التعامل السطحي الذي يختزلها في عمليات وتقنيات بسيطة. ويقول في هذا الإطار ممارسة (الفكر الأدبي) دعوة إلى تجاوز الحديث المطمئن إلى الذات، لأنه يدور على نفسه، وإلى تجاوز اجترار المحاضرات الجاهزة. يتأسس الفكر الأدبي على البحث وعلى القلق المعرفي باعتماد أدوات الفكر العلمي ومناهجه وأسئلته بهدف الانتقال من جمع المعلومات ومراكمتها وتنظيمها، إلى إنتاج المعرفة الأدبية التي تسهم في تطوير إدراكاتنا بأحد أهم إنجازات الإنسان: الإبداع الأدبي والفني.
مشاركة :