قضى سنوات طويلة في خدمة ضيوف الرحمن يقدم لهم ماء زمزم وعاصر حوادث تاريخية مؤلمة أبرزها حادثة احتلال الحرم وسيل الربوع واغتيال الملك فيصل رحمه الله. وفي لقاء مع صحيفة “مكة” الإلكتروني يتحدث معتوق بيطار عن تلك المحطات الهامة في حياته وتفاصيل تعيد إلى الذاكرة أهم الملامح التي عاشتها مكة المكرمة في السنوات البعيدة، مع مواقف طريقة لا يخلو من جمالها الحوار التالي: 1- في البدء نتعرف على ابن مكة المكرمة؟ اسمي معتوق سليمان حسن بيطار وعمري 66 سنة ولله الحمد، متزوج من ابنة عبدالله عبدالرحمن بدري، ولدي من أبناء منهم 3بنات وولدين، وأنا موظف متقاعد من جامعة أم القرى بمكة المكرمة. 2- في أي حارة كانت نشأتكم أستاذ معتوق ؟ في مكة المكرمة منطقة السبع أبيار بحارة المسفلة، وبعدها انتقلنا لحي الرصيفة أمام مصنع والدي للطوب الأحمر وحاليا أسكن في حي العوالي. 3- أين تلقيتم تعليمكم؟ درست المراحل التعليمية كلها والحمد لله بمكة المكرمة فقد درست الابتدائية في مدرسة الناصرية، والمتوسطة بمدرسة خالد بن الوليد، وتوقف تعليمي لهذا الحد لظروف أسرية حالت دون مواصلة تعليمي آنذاك. 4- ماذا بقي في الذاكرة من أحداث عشتم معها عراقة الحارة ؟ حارتنا كأي حارة عريقة في مكة المكرمة تعلمنا فيها احترام وتقدير الكبار، والعطف على الصغير، ومساعدة كل من يحتاج المساعدة من رجال ونساء وأطفال، هذا غير أداء الصلاة جماعة في المسجد قبل كل شيء، والحمد لله رب العالمين. 5- في مرحلة الطفولة العديد من التطلعات المستقبلية.. ماذا كنتم تأملون حينها ؟ كثيرة هي الأمنيات في الطفولة، ولكن لحبي للحسابات كنت أتمنى أن أصبح يوما ما مدرس لمادة الرياضيات، وأيضا كنت أتمنى أن أصبح ضابط مثل العميد فؤاد باحكيم. فقد كنت معجب بقوة شخصيته . ولكن قدر الله رزقي في مكان آخر وكل يأخذ رزقه المكتوب. 6- تربية الأبناء في السابق بنيت على قواعد صلبة ومتينة.. ما هي الأصول المتعارف عليها في ذلك الوقت؟ الشدة، والحزم، والضرب بأي شيء في يد والدي وطلعنا رجال والحمد لله والجار يضرب أيضا إذا رآك مخطئا وهذه ميزة الزمن الماضي الجميل . 7- في تشكيل صفاتكم ساهمت الكثير من العادات والتقاليد المكية في تكوينها ما أبرزها؟ صلة الرحم، وحب الخير للجميع، والتكاتف بين جميع أهل الحارة. 8- الأمثال الشعبية القديمة لها أثر بالغ في النفس.. ما هي الأمثال التي لازالت باقية في الذهن؟ ولماذا؟ حقيقة مثل أتذكره جيدا ونصه: “العين ما تعلى عن الحاجب”، وهو مثل واضح جدا من خلال كلماته. 9- الحياة الوظيفية.. أين كان لشخصكم القدير أول بداياتها وآخرها؟ أول وظيفة في حياتي استلمتها وظيفة مرشد في المسجد المكي الشريف براتب وقدره 500 ريال في الشهر، وآخرها مدير التوظيف بجامعة أم القرى بمكة، وكنت أقوم بالإشراف على وحدة علاقات الموظف والاستعلامات بالإدارة العامة بالجامعة . 10- شهر رمضان وشهر الحج من المواسم الدينية والاجتماعية المميزة حدثنا عنها؟ حقيقة شهر رمضان الفضيل .. شهر الخير، وشهر الرحمة، والمغفرة، وشهر التعاون، والألفة، أما عن شهر الحج فكنا سابقا نستقبل ضيوف بيت الله الحرام ونضيفهم في بيوتنا، ونفرح بقدومهم، ونعتبرهم أهلنا ونخدمهم بكل شيء يمكن تقديمه. 11- تغيرت أدوار العمد في الوقت الحاضر وأصبحت محددة.. كيف كان سابقا دور العمدة في الحارة ؟ العمدة في واقع الأمر بمثابة كبير الحارة، والكل يهابه، ويخاف منه، ويسمع كلامه وكان يساهم في الصلح بين الناس، ومراقبة الأجنبي إذا دخل الحارة، ومساعدة المحتاجين عن طريق الضمان. كان أيضا دوره اجتماعي يصلح بين الزوجين. والحارة ترجع له في كل صغيرة وكبيرة. 12- القامات الاجتماعية من تتذكرون منها والتي كان لها الحضور الملفت في الحارة ؟ والدي رحمة الله عليه الشيخ سليمان حسن بيطار، والعم سلمان دنونو، والعم نوري بكري، والعم يسلم باصفار،وغيرهم من رجال الحارة. 13- هل تتذكرون موقفا شخصيا مؤثرا حصل لكم ولا تنسونه؟ وفاة والدي يرحمه الله تعالى فجأة كنت عند الوالد عند آذان المغرب وطلب مني شراء دواء وأدركني العشاء وصليته وبعد الصلاة بحثت عن الدواء في كذا صيدلية ولم أجده أتيت البيت لقيت والدي نايم سألت أمي: والدي أخذ الدواء وقالت لي: نعم أخذه. نظرت لوالدي حينها ووجدته نائما نوما عميقا وعند الرابعة فجرا أتت الوالدة لي تصرخ قالت: لي ألحق يا معنوق أبوك وأسرعت إليه وجدته قد توفى يرحمه الله ويغفر له ويسكنه فسيح جناته. وكذلك لا أنسى أبدا وفاة أخي العمدة محمود قبل صلاة الجمعة قبل ثماني سنوات يرحمه الله تعالى. 14- المدرسة والمعلم والطالب ثلاثي مرتبط بالعديد من المواقف المختلفة.. هل تعرفونا على بعض منها؟ المعلم أب ومربي في نفس الوقت يأخذ اللحم ويعطي لوالدي العظم، وهي كناية عن الصرامة في التعامل، والطالب يجب عليه أن يجتهد ويبذل ويبحث عن كل ما يفيده، والمدرسة عموما هي مستودع للعلم والتربية. ولدي قصة لمدرس التربية الرياضية أخذني للعب في منتخب المدرسة وكنت ألعب كرة سلة بحكم أنني طويل القامة وكان اللعب مع مدرسة أخرى والحضور بعد العصر والمدرسة في الحفاير مدرسة علي بن أبي طالب ونحن مدرستنا في أجياد وذهبنا للمدرسة والكل لابس سروال طويل وفلينة حمالي نص كوم هذا كان زينا ما اشترينا بنطلون لأنه لم يكن لدينا المال، وانتظرنا الفريق الآخر حتى آذان المغرب ولم يحضر فانتصرنا عليه؛ لأنهم انسحبوا وفي صباح اليوم الثاني وجدنا أسماءنا في لوحة الشرف وتم تكريمنا في المدرسة وأقاموا لنا حفلة لذلك، كانت المدرسة تعتمد علينا دائما وتحفزنا، وكذلك مدرس التربية الرياضية دائما يثني علينا وعلى تفوقنا دراسيا. 15- كثرت وسائل الإعلام في الوقت الحاضر وأصبحت مرافقة مع الناس في كل مكان.. ما هي الوسائل المتوفرة لديكم في السابق؟ وما أثرها على أفراد المجتمع آنذاك ؟ الراديو، والبرقيات، والرسائل الورقية، كنا نفرح بأية معلومة ولكنها كانت تصلنا متأخرة حتى في سنة من السنين دخل رمضان علينا في الظهر وقد أفطرنا والحمد لله على كل حال. 16- تظل للأفراح وقفات جميلة لا تنسى في الحارة.. ماذا تتذكرون من تلك اللحظات السعيدة ؟ وكيف كانت ؟ الزواجات في الحارة صراحة كانت تفرحنا ولها طعم خاص، وإرسال الرفود للبيوت لحظة جميلة تبعث البهجة، وفزعة عيال الحارة أيضا تشرح الخاطر وأنا تزوجت في الحارة في حوش المدرسة ..! أيامها الزواجات 3 أيام صبحة وغمرة ودخلة هذا كان اسمها. وكان الزواج في الظهر غداء وعشاء وقامت لأمي بحجز مطربة اسمها (خيرية مرسال) ب ٣٠٠ ريال فقط. 17- الأحزان في الحياة سنة ماضية.. كيف كان لأهل الحارة التخفيف من وقعها ؟ نعم كنا نحزن مع بعض في الحارة، ونواسي بعضنا، ونطبخ لبعضنا البعض، ونقدم الطعام لأهل الميت ونخفف من صدمتهم بكل ما نستطيع. 18- الأحداث التاريخية الشهيرة في حياتكم والتي عايشتها.. هل تتذكرونها..وما الأبرز من تفاصيلها؟ حادثة الحرم المكي الشريف جهيمان يومها كان رأس السنة والباب يخبط وتوقعت والدي على الباب أحسب والدي أحضر لنا حليب؛ لأجل السنة الجديدة ..!! إلا أن والدي قال لي: لا تنظر للخارج في ضرب نار في الحرم ونحن كنا قريبين من الحرم جدا وسمعنا صوت النار وكنا نبكي وندعو المولى عز وجل أن ينصرنا وينصر حكومتنا على الأعداء. وكذلك وفاة الملك فيصل _يرحمه الله تعالى _، وأيضا سيل (الربوع) عام 1387 هجري كنا في المدرسة ولكن الجو تغير في لحظة؛ فصرفونا مبكرا ونحن في منتصف الطريق إلى البيت زاد المطر حتى في منطقة سوق الصغير والسيارات فوق بعض وأصبحوا الناس متعجبين واستمر المطر 12 ساعة والماء دخل الحرم ووصل لباب الكعبة والناس تطوف بالصناديق. 19- ما هي الألعاب الشعبية التي اشتهرت بها حارة المسفلة ؟ كرة القدم في مقدمة الألعاب بطبيعة الحال في الحارة، والبرجون، والكبت، والغميمة. 20- لو كان الفقر رجلا لقتلته مقول عظيمة لسيدنا علي رضي الله عنه.. هل تروون بعضا من قصص الفقر المؤلمة. كنا حقيقة في نعمة ووالدي ما يقصر علينا وكانت لدينا القناعة ولله الحمد والمنة . 21- ماذا تودون قوله لسكان الحارة القديمة؟ من مات الله يرحمه ويحسن إليه، ومن موجود الله يخليه ويطول بعمره، وأقول الله يرحم أيام زمامنا الحلوة والله يرحم النفوس الطيبة الجميلة. 22- رسالة لأهالي الأحياء الجديدة.. وماذا يعجبكم الآن فيهم؟ المحبة، والاجتماع، والتواصل بينهم، وإعطاء حق الجيرهً، ونزع الكراهية بين أبنائهم، ويعجبني حاليا فيهم الآن التواصل ولكن في قروبات الواتساب فقط الله يهديهم جميعا . 23- كيف تقضون أوقات فراغكم في الوقت الحالي؟ أقضي أوقات الفراغ في قراءة القرآن الكريم، والجلوس مع الأهل والأحفاد وزيارة الأحباب والحمد لله رب العالمين. 24- لو عادت بكم الأيام ماذا تتمنون ؟ أتمنى أن ترجع المحبة، وترجع صحتي مثل أول وأطوف كل يوم في البيت الحرام. 25- بصراحة.. ما الذي يبكيكم في الوقت الحاضر ؟ يبكيني وبشدة قاطع الرحم، وقليل الوفاء. 26- ماذا تحملون من طرف جميلة في دواخلكم ؟ كنت أذاكر مع زميلي في السطوح وكان عندنا مدرس باكستاني يعطينا دروس خصوصية كان زميلي يتحدث باكستاني مع المدرس وأمي تحسبه لغة إنجليزية وعندما جاء والدي اشتكته وتقول له: صاحبه يهرج إنجليزي وولدك ما يتكلم معه وأكلت علقة شديدة بسبب هذا الموقف. 27- لمن تقولون لن ننساكم ؟ الوالدين رحمة الله عليهما ولأهل أول أهلنا وأحبابنا، والجيران، ولكل شخص كانت لدينا معه ذكرى حلوة معهم، ورؤسائي في العمل العم أحمد أبو الخير والأستاذ محمد سرور الصبان _رحمهما الله تعالى _ . 28- ولمن تقولون ما كان العشم منكم ؟ لناكر المعروف؛ لأنه ينكر من أكرمه ومن وقف معه في شدة أزمته ووقت ما أخد ما يريده نسي وما عاد تراه. 29- لكم تجربة خلال مكتب الزمازمة.. كيف تصفون هذه التجربة ؟ بدأت وعمري 10 سنوات كنت أحمل الدورق وأسقي الحجاج حيث أن مهنة والدي _يرحمه الله تعالى _زمزمي تعلمت منه المهنة بدون مقابل كان بعض الحجاج يعطيني قرشا وقرشين أرجع البيت وفي جيبي ريالين وبعد وفاة والدي عملت في مكتب الزمازمة الموحد كنائب لرئيس مجموعة واستمررت في العمل 9 سنوات ولا زلت إلى الآن عضوا مساهما أنا وبقية أخواني. 30- التسامح والعفو من الصفات الإنسانية الراقية.. تقولون لمن سامحونا.. وتقول لمن سامحناكم؟ أقول سامحونا لكل شخص أخطأت في حقه ولم نعطه تقديره ومكانه، ولمن يسيء إلينا أقول له الله يسامحك في الدنيا والآخرة. 31- كلمة أخيرة في ختام لقاء ابن مكة الماتع الأستاذ معتوق بيطار؟ آمل من الله سبحانه تعالى أن يطيل في عمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، والأمير الشاب محمد بن سلمان ولي العهد الأمين، وأن يحفظ بلادنا ويحميها من كل الشرور، وشكرا خاص لصحيفتكم المتجددة بقيادة الأستاذ عبدالله الزهراني التي تحمل أغلى الأسماء، ولك شخصيا وكل عام وأنتم بخير.
مشاركة :