الشارقة: أمل سرور على الرغم من اختلاف الروايات بشأن تاريخ مدفع رمضان، إلا أنه ظل يشكل ذاكرة حية للأجيال، منذ أكثر من 150 سنة مضت على اللحظة الأولى التي انطلق فيها صوته في مصر إبان عهد محمد علي باشا. ومنذ ذلك التاريخ أُطلق عليه هذا الاسم تيمناً بالإفطار الذي يعلنه صوته، ليصبح طقساً رمضانياً روحياً، يسبق أذان المغرب، فيطرب لصوته الصائمون، لأنه الإشارة الحاسمة إلى إعلان موعد الإفطار. وعلى الرغم من التطورات العصرية المتلاحقة، وتقنيات التحول الرقمي، يظل مدفع الإفطار من أهم العادات الرمضانية التي لها قيمة تاريخية عند العرب من المحيط إلى الخليج، وعرفه الإماراتيون باسم «الروّاية» منذ مطلع ثلاثينات القرن الماضي، وذلك لارتباطه بشرب الماء، واستمر هذا التقليد محافظاً على النسق ذاته حتى اليوم. عندما نتحدث عن مدفع الإفطار، لا بد من الإشارة إلى أن أول مدفع في إمارة الشارقة منقولاً على الهواء مباشرة عبر تلفزيون الشارقة، كان منذ أكثر من 20 عاماً، في خطوة تعزز من إبقاء هذا الطقس حياً في ذاكرة وقلوب الناس الذين يتوافدون اليوم من كل مكان، ليكونوا شهوداً مشاركين في أنشطة وفعاليات البرنامج، وشاهدين في الوقت ذاته على تلك اللحظة التي ينطلق فيها المدفع. ومنذ عرضه للمرة الأولى على شاشة تلفزيون الشارقة، شهد برنامج مدفع الإفطار ترحاباً وقبولاً كبيرين، إضافة إلى التطورات اللافتة التي كانت تطرأ عليه سنوياً حتى يومنا الحالي، إذ تصاحبه الآن فعاليات مرتبطة به، وتنقل في بث حي ومباشر على شاشة الشارقة، وتجمع أمامها عدداً كبيراً من المشاركين في تظاهرة مجتمعية حضارية، تنقل صورهم مباشرة إلى أهاليهم وذويهم، في تقليد احتفالي يشارك فيه الجميع. واليوم، وبعد مرور أكثر من 20 عاماً لم يفارق خلالها صوت مدفع رمضان أذان مواطني ومقيمي إمارة الشارقة، تحول البرنامج بمدفعه إلى أحد أهم الطقوس الرمضانية في الإمارة، باعتباره الوسيلة المفضلة لإعلان موعد الإفطار. يقدم تلفزيون الشارقة طوال أيام الشهر الفضيل بثاً حياً ومباشراً ينقل من خلاله المسابقة المصاحبة للبرنامج، والتي تقدم جوائز قيمة للمشاركين، إلى جانب الدعاء الذي يسبق صوت المدفع مباشرة. ويؤكد مخرج برنامج مدفع الإفطار رائد الدالاتي أن البرنامج إلى جانب كونه طقساً له علاقة ببهجة وروحانية رمضان، فإنه يتيح الفرصة للمشاركين والمتواجدين في ساحة المدفع للتواصل مع أهاليهم وأسرهم وأصدقائهم في مختلف أنحاء العالم العربي والإسلامي وبشكل مباشر. ويشير الدالاتي إلى الحرص اللافت الذي يبديه المواطنون والمقيمون من أجل الحضور في ساحة المدفع، التي تكتظ بالحضور من مختلف الجنسيات والثقافات، والتي تنصهر في بوتقة من التسامح والألفة أثناء متابعة فقرات البرنامج، الذي تشمل المسابقات والجوائز القيمة، إضافة إلى فقرة الدعاء، التي تسبق انطلاق المدفع مباشرة. ويتابع المخرج أنه على الرغم من التطور الذي شهده برنامج مدفع الإفطار على مر السنين من حيث طرق التنفيذ والتصوير والإخراج، إلا أن الحفاظ على السمة الأساسية التي تتعلق بخصوصية رمضان وروحانيته، بقيت الركيزة الرئيسة، وتحديداً تلك التي تتعلق بقرب موعد الإفطار. وتشير أمية العتيبي (ربة منزل) إلى أن مدفع الإفطار يمثل لها طقساً لا يمكن الاستغناء عنه، ويرتبط بالطقوس الروحية التي يزخر بها شهر رمضان الفضيل، ولا سيما أن أبناءها ولدوا وتربوا ونموا وهم يشاهدونه سنوياً، وينتظرونه من العام إلى العام حتى بات جزءاً لا يتجزأ من العادات والموروثات الرمضانية المهمة، ولا سيما أنه يرتبط بالإفطار. وتلفت العتيبي إلى أن البرنامج يسهم في إبقاء هذا الطقس والموروث الرمضاني حياً في ذاكرة الناس وقلوبهم، ولا سيما أن العديد من الدول الإسلامية بدأت تتخلى عن هذا الموروث، نظراً للتطورات التكنولوجية الحديثة، وغيرها من الأمور التي تحاول إسكات صوت المدفع وتغييبه. والمؤكد أن صوت مدفع الإفطار أصبح اليوم موروثاً تاريخياً، ومشهداً ضرورياً من المشاهد الرمضانية المحببة لدى الكثيرين، والتي تحرص قناة الشارقة منذ أكثر من 20 عاماً على عرضه سنوياً كل رمضان، في صورة تجسد هذا الطقس وتحافظ عليه، خصوصاً أنه بات يجاهد للبقاء حياً في ذاكرة الشعوب بعد أن تخلت عنه بعض الدول.
مشاركة :