عمون - باعتزاز وفخر وعزيمة، وثقة وأمل نحو مستقبل أكثر إشراقاً بشتى المجالات، يحتفل أبناء وبنات الأسرة الأردنية الواحدة، غداً السبت الخامس والعشرين من شهر أيار، بالذكرى الثالثة والسبعين لاستقلال المملكة الأردنية الهاشمية، هذا اليوم الوطني الأغر الذي تحققت فيه الآمال، وأعلن فيه بزوغ فجر الدولة الأردنية، مستذكرين فيه أسمى معاني التضحية والوفاء والانتماء للوطن الغالي، بما تحقق من منجزات أعلت شأن الوطن ورسّخت مكانته على مختلف الأصعدة.وتأتي هذه المناسبة العظيمة، والعزيزة على قلوب الأردنيين وهم يواصلون مسيرة البناء والعطاء والريادة والإبداع، والإصرار على الإنجاز والبقاء نموذجاً للدولة الحضارية، التي تستمد قوتها من تعاضد أبناء شعبها وثوابته الوطنية، والمبادئ والقيم الراسخة التي حملتها رسالة الثورة العربية الكبرى، التي كان الأردن وما يزال وسيبقى وريثها السياسي وحامل مبادئها، متطلعين للمستقبل بتفاؤل وعزيمة لتحقيق التقدم والازدهار بقيادة جلالة الملك عبدالله الثاني، ومتحملين مسؤولياتهم تجاه وطنهم والذود عن حماه، وصون مكتسبات استقلاله بعزم وثقة واقتدار.واليوم، إذ تتزامن هذه المناسبة مع الذكرى العشرين لتولي جلالة الملك سلطاته الدستورية، يمضي أبناء وبنات الوطن قدماً في مسيرة الإصلاح الشامل والبناء والإنجاز التي انتهجها قائدهم، ويتطلعون بعزم وإرادة إلى المزيد من العمل والعطاء في مجتمع تسوده الديمقراطية والعدالة واحترام حقوق الإنسان، وتحقيق الاعتماد على الذات للوقوف أمام مختلف التحديات وتجاوزها وصولاً لمستقبل أفضل.وعلى مدى سبعة عقود، استند الأردن إلى قواعد راسخة في الإصلاح والعدالة والعيش المشترك وقبول الآخر والتكاتف والعمل والعطاء، لتحقيق التنمية الشاملة والعيش الكريم لأبنائه، كما أرسى الملك المؤسس قواعد إنشاء دولة المؤسسات القوية، وأسندها الملك طلال بن عبدالله بدستور حضاري، ورفع بنيانها وزاد من شأنها باني الأردن الحديث، جلالة الملك الحسين بن طلال، طيب الله ثراهم.وباعتزاز ومجد، تحتفظ ذاكرة الوطن بتاريخ هذا اليوم الذي التأم فيه المجلس التشريعي الأردني في 25 أيار عام 1946، وتُلي فيه قراره التاريخي بإعلان استقلال المملكة بما يلي: "وبمقتضى اختصاص المجلس الدستوري، تقرر بالإجماع إعلان البلاد الأردنية دولة مستقلة استقلالاً تاماً وذات حكومة ملكية وراثية نيابية، والبيعة بالملك لسيد البلاد ومؤسس كيانها وريث النهضة العربية عبدالله بن الحسين المعظم، بوصفه ملكاً دستورياً على رأس الدولة الأردنية بلقب حضرة صاحب الجلالة ملك المملكة الأردنية الهاشمية"، لتبقى هذه اللحظات عالقة في ذاكرة التاريخ، كمحطات فخر ومجد لا تمحو الأيام عبيرها، وستبقى في الوجدان أنشودة وطن يتغنى بها المخلصون من أبنائه وبناته.وألقى جلالة الملك المؤسس عبدالله بن الحسين خطاباً في صباح ذلك اليوم، قال فيه "وإننا في مواجهة أعباء ملكنا وتعاليم شرعنا وميراث أسلافنا لمثابرون على خدمة شعبنا والتمكين لبلادنا والتعاون مع أخواننا ملوك العرب ورؤسائهم لخير العرب جميعاً ومجد الإنسانية كلها "، كما صادق المغفور له بإذن الله على قرار إعلان الاستقلال، مصدّراً اول إرادة ملكية سامية، موشحة بالعبارة التالية : "متكلاً على الله تعالى أوافق على هذا القرار شاكراً لشعبي واثقاً بحكومتي".وعمّت المملكة في ذلك اليوم احتفالات رسمية وشعبية، وألقى المغفور له جلالة الملك المؤسس في الاستعراض العسكري الذي جرى في مطار ماركا وسمي فيما بعد قاعدة الملك عبدالله الأول كلمة قال فيها"جيشنا الباسل يسرنا أن نرى في مجالك عزة الوطن والقدرة القومية في الدفاع عن الحوزة وصيانة الحق، وأن تكون تحيتك لنا رمزاً لطاعة الجندي وفنائه المطلق في خدمة العلم والوطن والقيادة".وفي مطلع عشرينيات القرن الماضي، بدأت قصة الاستقلال بقدوم الأمير العربي الهاشمي عبدالله بن الحسين، حين التف الأردنيون حوله لتكون البداية المؤزرة في بناء الدولة الأردنية الحديثة، وخلال الفترة الممتدة من عام 1923- 1946 نهضوا بمسؤولياتهم نحو تحقيق الاستقلال التام بثقة وإيمان عميق بالمستقبل ليتم وضع أول قانون أساسي للبلاد في 16 نيسان 1928، والتي تناولت فصوله السبعة حقوق وواجبات الشعب والتشريع والقضاء والإدارة ونفاذ القوانين والأحكام. وجرت بعدها أول انتخابات تشريعية، تبعها افتتاح الدورة الأولى للمجلس التشريعي الأول المنعقد في شرق الأردن في 2 تشرين الثاني 1929، وشهدت ثلاثينيات القرن الماضي تأكيدا لنهج الديمقراطية والتي رافقت بدايات تأسيس الدولة، من خلال انعقاد مؤتمرات وطنية تمسكت بحق الأردنيين في التخلص من الاستعمار الأجنبي وبناء الدولة بسواعد رجالاتها. ووقعت آنذاك سلسلة معاهدات بين انجلترا وشرق الأردن، آخرها كان المعاهدة البريطانية-الأردنية في 22 آذار 1946، والتي أنهت الانتداب البريطاني ونصت على الاعتراف بالأردن دولة مستقلة ذات سيادة والأمير عبدالله ملكاً عليها، لتلعب المملكة بعدها أدواراً متقدمة وبارزة على مختلف المستويات العربية والدولية، وتتبوأ مكانة على الخارطة العالمية بعد أن وظفت استقلالها في الدفاع عن قضايا الأمتين العربية والإسلامية. ولم تغب القضية الفلسطينية بصفتها قضية الأردن الأولى وأولويتها الرئيسية عن فكر الهاشميين، بل كانت وما زالت حاضرة في جهودهم وأولوياتهم حيث طافوا بها في مختلف المحافل الدولية، ووضعوها على جدول الاهتمام الدولي، فبعد إعلان الاستقلال بأيام وفي مؤتمر قمة "انشاص" بمصر، أعلن ملوك ورؤساء الدول العربية وفي مقدمتهم جلالة الملك المؤسس أن القضية الفلسطينية تهم سائر العرب وليس الفلسطينيين وحدهم. وأنجز الأردن دستورا جديداً للدولة، والذي صادق عليه المجلس التشريعي في 28 تشرين الثاني 1946، وفي 4 آذار 1947 تم تشكيل أول حكومة في عهد الاستقلال، وجرت في 20 تشرين الأول 1947 أول انتخابات برلمانية على أساس الدستور الجديد.وفي حرب النكبة عام 1948، سطر الجيش العربي المصطفوي أروع بطولات التضحية والفداء في الدفاع عن فلسطين والقدس وقدم مئات الشهداء على أرضها. وفي كانون الثاني (يناير) 1948 وافق مجلس الأمة على قرارات مؤتمر "أريحا" الذي نادى بالوحدة الأردنية الفلسطينية، وتشكل المجلس النيابي الأول بعد الوحدة في نيسان 1950، ثم تشكلت أول وزارة موحدة للضفتين برئاسة سعيد المفتي، وصادق الملك المؤسس على قرار الوحدة الصادر عن المجلس بتاريخ 24 نيسان من العام ذاته. وبقي الملك المؤسس يذود عن حمى الأمة العربية حتى اللحظات الأخيرة من حياته إلى أن أقدمت يد غادرة على اغتياله على عتبات المسجد الأقصى في القدس واستشهد، طيب الله ثراه، الجمعة في 20 تموز 1951 لينضم إلى قافلة الشهداء الذين بذلوا أرواحهم في سبيل مبادئهم وقيمهم وثوابتهم العربية النبيلة الأصيلة. واعتلى جلالة الملك طلال، عرش المملكة العام 1951 وحتى 1952، وكان أول ضابط عربي يتخرج من كلية ساند هيرست البريطانية، ورغم حقبة حكمه القصيرة، فقد كان من إنجازاته العظيمة التي تعزز الاستقلال ودعائم المجتمع القائم على الحرية المسؤولة أمام القانون، إصدار الدستور الأردني في 8 كانون الثاني 1952 كأول دستور وحدوي عربي، حيث نص على إعلان ارتباط الأردن عضوياً بالأمة العربية وتجسيد الفكر القومي للثورة العربية الكبرى، ملبياً آمال وتطلعات الشعب الأردني كونه جاء منسجما مع التطورات الهامة خاصة بعد وحدة الضفتين العام 1950 وتنامي الشعور الوطني والوعي القومي في الوطن العربي.كما اتخذ الأردن في عهده قراراً يقضي بجعل التعليم إلزامياً ومجانياً، فكان له الأثر الكبير في النهضة التعليمية فيما بعد، وتم في عهده إبرام اتفاقية الضمان الجماعي العربي وتأليف مجلس الدفاع المشترك، وأنشئ في عهده ديوان المحاسبة. ومنذ أن تسلم الملك الحسين سلطاته الدستورية في 2 أيار 1953، بدأ عهد البناء والتقدم والنهضة الشاملة بشتى المجالات.وفي لحظات حاسمة من تاريخ الأردن الحديث، اتخذ الملك الحسين قراراً تاريخياً عام 1956 بتعريب قيادة الجيش العربي، وعزل الجنرال كلوب بعد أن تكوّنت قناعة أكيدة لجلالته بأن بقاء قائد انجليزي للجيش العربي الأردني سيحد من دور الضباط العرب ويؤثر على الاستراتيجية الدفاعية للبلاد، وخلال الأعوام 1961 وقبيل حرب حزيران 1967 وبعد أن تجاوز الأردن فترة بالغة من الاضطراب داخلياً وعربياً، بدأ الاقتصاد الأردني يشق طريقه بتطور لافت ضمن خطط تنموية مدروسة
مشاركة :