خطيب المسجد الحرام: أسعدَ النَّاسِ هم المتبعين للهدي النبوي

  • 5/24/2019
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

ألقى أمام وخطيب المسجد الحرام فضيلة الشيخ الدكتور أسامة بن عبد الله خياط خطبة صلاة الجمعة في ثالث أسبوع من شهر رمضان المبارك استهلها فضيلته بحمدُ الله الذي أكرم الأمة بفريضة الصيام، أحمده سبحانه على نعمه الجليلة وآلائه الجسام، وأشهد أنْ لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، خصَّ العشرَ الأواخرَ منْ رمضانَ بمزيد الفَضْلِ وجزيلِ الإنعامِ والإكرامِ، وأشهدُ أنَّ سيِّدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، خيرُ من جدَّ واجتهدَ في هذه الأزمنةِ الشَّريفةِ العِظام، اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ، وعلى آله وصَحْبِه، صلاةً وسلامًا دائمَيْنِ ما تعاقَبَتِ اللَّيَالي والأيَّام. مخاطباً فضيلته عباد الله المسلمين بقوله ” سموُّ الرُّوح، وطُمَأْنِينة القَلْب، وتَزَكِية النَّفْسِ لها، أثر عظيم وعقبى يجدها أولو الألباب كلَّما أقبلوا على ربِّهم فازدلفوا إليه، واغتنموا الفُرَصَ لبلوغ رضوانه، بكمال الحرص على الإحسان الذي أوضح حقيقته رسول الهدى صلوات الله وسلامه عليه بقوله: «الإحْسَانُ أنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأنَّكَ تَرَاهُ، فإنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فإنَّه يَرَاكَ». أخرجه الشيخان في صحيحيهما. ولقد نهج رسول الله وصحابته من بعده هذا النهج، فكان لهم في كل مسلك إحسانٌ، وكان لهم في كل فعل وفي كل ترك: مراقبةٌ لله تعالى، وكمالُ توجه إليه، وصدقُ توكُّلٍ عليه، يبدو ذلك جليًا واضحًا، في مواسم الخير حين تُقْبِل، وفي أيَّام الله حين تُظِلُّ، وفي الأزمنة الشريفة الفاضلة حين تَحُلُّ. وإنَّ من أرفع هذه المواسم قدرًا، وأنبهها ذكرًا: هذه العشرَ الأواخرَ من هذا الشهر، فإنَّها من أيام الله المباركة، منَّ بها على عباده، ليستبقوا فيها الخيرات، وليعظم فيها تنافسهم في الباقيات الصالحات، وليستدركوا ما فرطوا في جنب الله، فتكون لهم العقبى وحسن المآب. وأوضح فضيلته قائلا فكم بين هذا المقصود -ياعباد الله-وبين ما انتهت إليه أحوال كثير من المعتكفين من بَوْنٍ حين تحوَّل اعتكافهم، إلى عكوف القلب على المخلوقين، واشتغال بهم: بفضول كلام، وفضول مخالطة، وفضول منام. فاتقوا الله-عباد الله-واعرفوا لهذه الليالي الشريفة قَدْرَها، وارعوا حقَّها، فحسبُها شرفًا، أنْ جَعَلَ الله فيها ليلةً تَفْضُلُ العبادةُ فيها عبادةَ ألفِ شهرٍ، إنها ليلةُ الشَّرفِ العظيم، ليلةِ القَدْرِ، التي أخبر رسول الله عن الجزاء الضافي والأجر الكريم لمن أحياها فقال: «من قام ليلةَ القدرِ إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم من ذنبِه». أخرجه الشيخان في صحيحيهما. فمن حُرِمَ خيرَ هذه اللَّيلةِ، فهو المحروم حقًّا، فلْيَذْرِفْ دُمُوعَ الأسى وعَبَراتِ الحَسْرَةِ، وهيهاتَ أَنْ تُجْدِيَ الحَسْرَة، أو ينفع البُكاءُ بعد فوات الفُرْصة، وانقضاءِ السِّبَاقِ. وقال فضيلته إنَّ أسعدَ النَّاسِ وأهداهُم سبيلًا أولو الألبابِ، الَّذِينَ يلتزمون في صيامهم وقيامهم واعتكافهم وسائر أحوالهم: الهَدْيَ النَّبويَّ، الثَّابتَ عنه في سُنَّته الصَّحيحة، التي أمر الله عباده بالأخذ بها. وقد كان رسول الله يعتكفُ هذه العشرَ الأواخرَ من رمضانَ-كما قال الحافظ ابن رجب – «قطعًا لأشغاله، وتفريغًا لباله، وتخلِّيًا لمناجاة ربِّه وذكرِه ودعائه، وكان يحتجرُ حصيرًا يتخلَّى فيه عن النَّاس؛ فلا يُخالطهم، ولا يشتغل بهم؛ ولهذا ذهب الإمام أحمدُ إلى أنَّ المعتكف لا يُستحبُّ له مخالطة النَّاس حتَّى ولا لتعليم علم، وإقراء قرآن، بل الأفضلُ له: الانفرادُ بنفسه، والتخلِّي بمناجاة ربِّه، وذكره ودعائه، فالخلوة المشروعة لهذه الأمة هي الاعتكاف في المساجد خصوصًا في شهر رمضانَ، خصوصًا في العشر الأواخر منه، كما كان النبيُّ يفعله، فالمعتكف قد حبس نفسه على طاعة الله وذِكره، وقطَع عن نفسه كلَّ شاغلٍ يَشغلُه عنه، وعكف بقلبه وقالبه على ربه، وما يُقرِّبه منه، فما له همٌّ سوى الله، وما يرضيه عنه، فمعنى الاعتكاف وحقيقتُه: قطعُ العلائقِ عن الخلائق للاتصال بعبادة الخالق، وكلَّما قَوِيت المعرفة بالله والمحبَّةُ له، والأُنسُ به، أورثتْ صاحبَها الانقطاعَ إلى الله تعالى بالكُلِّيَّة، على كل حال» انتهى كلامه . فاتَّقوا اللهَ-عبادَ اللهِ-واعملوا على استباق الخيرات في هذه الليالي العظيمات المباركات، تحظَوا بالرِّضوان والغُفران من لدُنْ فاطر الأرض والسَّماوات.

مشاركة :