في كتابه الجديد «المثقف وأفق الانعتاق» الذي سيصدرُ قريبًا عن (دار تموز للطباعة والنشر)، يناقشُ الناقد الدكتور فهد حسين، ما ترتب بعد الأحداث التي شهدها العالم العربي، والتي سميت بـ «الربيع العربي»، حيثُ يُقيم حالة المجتمع وما صار إليه منذُ بدايت هذه الأحداث، من خلال مراجعة دقيقة لها، وذلك انطلاقًا من رؤيتهِ بأن «المثقف العربي كبقية أفراد المجتمع، عاش في ظروف قاسية ومتشعبة ومتشظية بعد هذه الأحداث، التي أدت إلى تفتيت المجتمع أفرادًا وجماعات، وتباينات في الفكر والتطلع والتوجهات العقائدية والفكرية».ويتناول الكتاب محاولات لفهم الواقع المعيش في العالم العربي وفق مجموعة من المباحث التي تدور حول النهضة العربية، وعصر التنوير، والدلالات الثقافية التي تكشف عن أهمية الوعي المجتمعي، وحضور المثقف وتساؤلاته المتنوعة وفقًا لما يحملهُ من معتقدات وتوجهات، إلى جانب مواقفهُ من جل الأحداث التي وقعت على العالم العربي، وتساؤلاته عما إذا كان بحاجة إلى المراجعات بين الحين والآخر، وإلى التنوع الثقافي، أم أن عليه ترك كل ذلك واللجوء إلى العزلة؟وقد اختير عنوان «المثقف وأفق الانعتاق» للوقوف على دور المثقف، وفهمه للعالم، إلى جانب رفض حضوره القديم الذي اعتبرهُ المجتمع وصياً على الناس ومقدراتهم الحياتية، بوصفه الرجل الحكيم الذي ترجع إليه كل الأمور ليقدم النصائح والعلاجات الثقافية بحكم ما لديه من علم ومعرفة وفلسفة تجاه الحياة والإنسان، بل لتسليط الضوء على الأدوار التي يقوم بها من خلال قراءته للواقع المعيش، عبر الولوج للماضي، ومن أجل المساهمة كفرد من أفراد المجتمع، لهُ حقوق وعليه واجبات تجاه الوطن والإنسان والأرض، للارتقاء ومواكبة الحداثة والتطور.كما يناقش الكتاب تأثر الشعوب العربية بالثورات والحركات الثورية والنضالية في العالم العربي في مطلع القرن العشرين، إذ يكتب الدكتور فهد «حينما كنا صغارًا وتلاميذ في المرحلة الابتدائية أواخر ستينيات القرن الماضي تعلمنا معنى العروبة، ومعنى أن تكون عربيًا، في الانتماء والهوية واللغة والتفكير، وحفظنا النشيد الذي يتغنى بالوطن العربي، (بلاد العرب أوطاني من الشامي لبُغدان، ومن نجد إلى يمن، إلى مصر فتطوان)، وإن كان مفهوم العروبة قد نشأ في حضن الدين الإسلامي، أو بهاجس الدين، لما للغة العروبة من تقديس، باعتبار أنها لغة القرآن الكريم، إلا أن العروبة لا تخص العرب المسلمين وحدهم، وإنما كل عربي مهما كان دينه وتوجهه»، وانطلاقاً من هذه المراجعة يدعو الدكتور فهد إلى معرفة الماضي الذي عاشه الآباء والأجداد، بوعي وقراءة فاحصة، إلى جانب معرفة تاريخ الأمة العربية وما تعرضت له، وما هي عليه الآن، مع الوقوف على حاضرها، وعلى كيفية يمكن الاستفادة من الماضي لعيش الحاضر وبناء المستقبل، في ضوء التربية القادرة على بناء الشخصية العربية، وعلى تحدي الصعاب، المعنية برسم الاستراتيجيات والخطط، وهذا ما يجعله يؤكد على ضرورة عدم التشدق بالعروبة ونحن بعيدون عنها، وعن أهداف الإنسان العربي وطموحاته التي تجعله في مصاف الأمم والأقوام المتقدمة. ويدعو الدكتور فهد إلى البحث عن أسرار وخبايا هذا الوسيط، والإحاطة بما يحمله من تراث وتركات وترسبات من جهة، وحضارة وثقافة من جهة أخرى، بغية الوصول إلى كشف رموزه وأسراره، وما آلت إليه الأمة العربية، وكذلك ما تحتضنه من مقومات مختلفة، وهذا يعني أن المجتمع العربي بحاجة ماسة إلى نقد ذاته، وتحليل العديد من المواقف المرتبطة بالحياة والواقع والماضي والمستقبل. بالإضافة إلى نقد في الأنماط الاجتماعية والإرث التاريخي لكي نقف على ما يتمظهر من تركة، وحضارة فُسرت نصوصها وأدبياتها بصور شتى أسهمت بعضها في تردي أوضاعها.
مشاركة :