ما الذي تريده جماعة الاخوان المسلمين وهي تقاتل في أروقة السياسة الدولة مستعينة بالمال الوفير الذي وُضع في خدمتها؟ أن تستعيد الحكم في مصر وتكون لها الولاية على تونس وليبيا وسوريا والجزائر. ما الذي تريده إيران وهي التي وصلت إلى نقطة حساسة، شاء القدر أن تصطدم من خلالها برؤية الرئيس الأميركي ترامب للتغيير في منطقة الشرق الأوسط؟ أن تكون وصية على الشرق الأوسط، بحيث يسلم العالم بهيمنتها على جزء حيوي منه. وهو ما سيجعله مضطرا إلى التفاوض معها في شأن قضايا ذلك الجزء المصيرية كما يحدث الآن في سوريا. جماعة الاخوان وإيران لا يتنافسان، بل يكمل أحدهما الآخر. وهنا يكمن خطرهما. قوتان لا يمكن الاستهانة بهما تتعاونان من أجل هدف واحد هو محاولة السيطرة على المنطقة أو تدميرها إن فشلت تلك المحاولة. نجحت مصر في انهاء حكم الإخوان غير أن نجاحها لن يكون نهائيا إلا إذا تم اقفال ملف جماعة الاخوان عالميا، بمعنى أن يتم اعتبار تلك الجماعة جماعة إرهابية فيكون يومها دعمها وتمويلها والترويج لها إعلاميا نوعا من الأفعال الارهابية التي يحاسب عليها القانون الدولي. يُقال إن تلك الدعوة تقع ضمن التحريض ضد حرية التعبير. يصح ذلك القول فيما إذا كانت جماعة الإرهاب لا تلجأ إلى العنف في فرض أفكارها على المجتمع. وهو ما ينقضه مسعى الجماعة للتحريض عالميا ضد مصر من خلال استعمال جماعات الضغط التابعة لها أو المتعاطفة معها في عواصم القرار العالمية. ناهيك عن أن أذرع الإخوان المسلحة المنتشرة في غير بلد عربي تمارس العنف علانية من أجل استمرار حالة الفوضى من أجل أن لا تصل تلك البلدان إلى شاطئ الأمان. ما يحدث في طرابلس الليبية هو مثال على ذلك. كما أن بعضها لا يهدد باستعمال العنف علانية ما دام مشاركا في السلطة، غير أنه لا توجد ضمانات لما يمكن أن يفعله فيما لو خسر السلطة كما هو حال حركة النهضة في تونس. وفي ما يتعلق بإيران فإن نظام الملالي هناك لا يصدق ما يسمعه من دعوات تقضي بضرورة أن ينهي هيمنته على المنطقة. كان ينتظر من العالم أن يقر بالأمر الواقع الذي فرضه عبر عمل دؤوب استغرق القيام به أكثر من ثلاثين سنة. كان ذلك العمل عبارة عن حفريات دقيقة، نجح من خلالها النظام الإيراني في فرض ثقافة الموت على عدد من شعوب المنطقة، مستعملا ميليشيات مسلحة انتشرت كما ينتشر الداء الخبيث في تلك المجتمعات لتكون في ما بعد وصية عليها باسم الولي الفقيه. الاخوان وإيران يستعملان الأسلوب نفسه. تفجير المجتمعات من داخلها. وهو ما يعجز عن القيام به أي عدو خارجي. ما لم ينتبه إليه النظام السياسي العربي أن العقود الماضية كانت قد شهدت حروبا عقائدية كانت تجري تحت سطح أطلقت عليه تسميات عديدة منها "الصحوة" و"الدعوة" غير أنها في حقيقتها كانت تهدف إلى تفجير المجتمعات من الداخل وتمزيق النسيج الاجتماعي التاريخي. وهنا علينا أن نعترف أن المنطقة ما كان عليها أن تشهد حروب الإخوة الأعداء لولا تغول ظاهرتي البيعة الاخوانية والولاء العقائدي لإيران وقوة تأثيرهما على المجتمع. فمن خلالهما هُدمت المؤسسات التي تنظم عمل المجتمع بدءا بالعائلة وانتهاء بالدولة لتحل محلها روابط جديدة تقوم على اخوة السلاح والمنافع والغزوات. ليس هناك اختلاف بين ميليشيات مسلحة إيرانية وتنظيمات كانت قد استقت نظرياتها في العنف من منهج الاخوان المسلمين. هما الشيء نفسه وإن ظهرا بزيين طائفيين مختلفين. تلك كذبة فضحتها الوقائع. فحزب الله على سبيل المثال يفضل أن يتعامل مع جبهة النصرة على أن يتعامل مع جبهة من المثقفين التنويريين السورين. مع جبهة النصرة يجد نفسه. لقد بات واضحا أن الإخوان وإيران هما العدوان اللذان أعلنا الحرب على المنطقة منذ عقود آن الأوان للانتهاء من شرورهما.
مشاركة :