مصر تطلق حزمة حوافز لتشجيع الاستقرار في سيناء

  • 5/26/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أطلقت الحكومة المصرية حزمة من الحوافز غير المسبوقة لتشجيع الأسر على الاستقرار والعيش في سيناء، وتعكس هذه الخطوة رهان الحكومة على العنصر البشري لردع مخاطر وخطط التنظيمات الإرهابية التي تستفيد من استمرار الفراغ السكاني. القاهرة - عكس اتجاه الحكومة المصرية لإطلاق حزمة من الحوافز غير المسبوقة للأسر التي تنتقل بهدف الإقامة والاستقرار في سيناء جدية الدولة في تنمية هذه المنطقة الحيوية، وقناعتها بأن تسريع وتيرة البناء والتعمير والتوطين يظل السلاح الأقوى في سبيل القضاء على الإرهاب والتنظيمات المتطرفة التي اتخذت من صحاري ودروب شبه جزيرة سيناء موطنا لها. تزامن الإعلان عن تعمير سيناء بالسكان وفتح عدد من الأنفاق تحت مياه قناة السويس تربط بين مدن شرق وغرب القناة مؤخرا، مع تكهنات ذهبت إلى أن مشروع صفقة القرن الذي تريد إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب له النجاح يتضمن خطة لاقتطاع جزء من سيناء وضمّه إلى غزة. بصرف النظر عن صحة هذه التسريبات التي لم تهدأ حتى الآن، فإن الحكومة المصرية أرسلت إشارات متباينة تؤكد على عدم التفريط في أي ذرة من تراب سيناء، وألمحت إلى شواهد ومقترحات تاريخية في هذا السياق قد جرى رفضها، ما يعني أنها لن تقبل بها حاليا وتحت أي ظروف ضاغطة، ولذلك فالحل هو تسريع عملية تعميرها بالسكان لقطع الطريق على أي سيناريو غامض يستهدف سيناء.وقال مصطفى مدبولي رئيس الحكومة، في تصريحات صحافية السبت، إن الدولة تعمل على إيجاد عناصر جذب للتنمية والإقامة في سيناء، وهناك العشرات من المشاريع التنموية التي يجري تنفيذها لتشجيع الأهالي على الانخراط فيها، لافتا إلى أن هناك حوافز متميزة لمن ينتقل للإقامة في سيناء، من بينها الحصول على امتيازات في التعليم والصحة والسكن. شملت الحوافز التشجيعية لسكان محافظات سيناء والمستثمرين، منح إعفاءات جمركية وضريبية لفترات محدودة، وإتاحة الأراضي بحق الانتفاع بها، وتوفير وحدات الإسكان الاجتماعي بأسعار أقل من مثيلاتها في باقي المحافظات، وتخفيض المصاريف بنسب كبيرة في المدارس المتميزة التي أنشأتها الدولة، مثل مدارس النيل، أو اليابانية والتجريبية والمتفوقين، وغيرها. وأكدت الحكومة، أن تنمية سيناء هدف استراتيجي تضعه الدولة على رأس أولوياتها، وتسعى إلى إعادة توزيع السكان وتوطين 8 ملايين شخص في سيناء، لتعزيز دمج شبه الجزيرة في النسيج القومي المصري وإدخالها في مجال اهتمام المستثمرين، وزيادة جاذبيتها للاستثمار من خلال وضع خارطة للاستثمارات المتكاملة، ودعم البعدين الأمني والسياسي للحدود الشرقية. يشير الوضع الأمني في سيناء إلى أن إغراءات الحكومة للناس من أجل الانتقال بهدف الإقامة بها لا يعني تطهيرها تماما من الإرهاب وعدم عودة بعض عناصره مرة أخرى، في ظل الإعلان المستمر من جانب قوات الأمن عن اعتقال عناصر إرهابية وقتل تكفيريين بحوزتهم مواد متفجرة وأسلحة متطورة. وكشفت وزارة الداخلية، الثلاثاء، أن 16 إرهابيا لقوا مصرعهم إثر تبادل لإطلاق النار مع قوات الشرطة في مدينة العريش بشمال سيناء، كانوا يختبئون في منطقة مهجورة استعدادا لتنفيذ عمليات إرهابية ضد القوات. وبالتالي فمن المستبعد اختفاء الاستنفار العسكري في سيناء قريبا، خشية عودة العناصر الإرهابية المختبئة إلى المناطق التي تم تطهيرها منها مرة أخرى. القضاء على الإرهاب ينظر الكثير من المراقبين والخبراء العسكريين إلى أن تشجيع الحكومة لسكان المحافظات لنقل إقامتهم ومعاشهم إلى سيناء يعني أن الحرب على الإرهاب قاربت على النهاية، ولم تعد للتنظيمات المتطرفة أنياب أو قوة تحول دون فرض الاستقرار الكامل على شبه الجزيرة، فالحكومة لن تغامر بحياة الأهالي وتنفق المليارات على المشاريع التنموية، وهي عاجزة عن فرض الأمن. كما أن الحكومة، وهي التي كانت تتعامل مع سيناء كجزيرة منعزلة عن مصر وتحظر السفر إليها، أصبحت تشجع وتغري الناس بالتوطين فيها، ما يعكس نجاح العملية العسكرية الشاملة التي جرى إطلاقها في فبراير من العام الماضي. ورأى اللواء فاروق المقرحي مساعد وزير الداخلية الأسبق، أن انتشار الإرهاب في سيناء طوال السنوات الماضية يرجع إلى تأخر كل الأنظمة السياسية عن تنميتها بالبشر، عبر زيادة عدد السكان وتشجيعهم على الانتقال والعيش فيها، وهو ما استثمرته التنظيمات المتطرفة التي تنشط وتستقر في الأماكن التي ينخفض فيها تعداد السكان. وأضاف المقرحي لـ”العرب”، أن “تعمير سيناء بالبشر يرسخ ارتباطها بالوطن، ويصعب على الأطراف المعادية مهمة انتزاعها”. ويعتقد أن فكرة الحوافز الحكومية مهمة، لكن يجب أن تكون مغرية، حتى تستحق أن يترك الشخص مسقط رأسه ومقر إقامته والبيئة التي تربى فيها ويبتعد عن الجيران والأصدقاء الذين عرفهم طوال حياته، ويهاجر للعيش والاستقرار في سيناء، مع ضرورة أن يشعر الناس بأن الوصول إلى شبه الجزيرة سهلا. وحتى وقت قريب، ظل العبور إلى سيناء مغامرة غير محسوبة العواقب لقطاع كبير من مواطني المحافظات المختلفة، ويشترط الأمن على من يريد دخول المنطقة أن يحتفظ ببطاقة هوية تثبت أنه من سكان سيناء أو يحمل جواز مرور أمني للمصريين، أو نسخة من وثيقة حجز بأحد الفنادق إذا كان العابر من السياح أو الأجانب، أي أن دخول سيناء كان يحتاج إلى تأشيرة. تمثل إغراءات الحكومة للمواطنين نقطة تحول لافتة في نظرة السلطة إلى سيناء، إذ اعتادت مختلف الأنظمة أن تعتبرها “منطقة حرب” أو مسرحا للعمليات، والأفضل أن تظل محتفظة بعدد محدود من السكان. وبسبب الازدواجية بين التنمية والحرب، ظلت سيناء عبارة عن فضاء واسع من التلال والدروب والمخابئ التي استفاد منها الإرهابيون في التوطن وتصنيع الأسلحة وتخزينها والتدرب على القتال. تغيرت النظرة اليوم، وأصبحت الحكومة تقول إن خطتها تجاه سيناء قائمة على مجموعة من الارتكازات، أولها أن تكون “موطنا لأفراد يملؤهم الشعور بالانتماء والفخر، ولتحقيقه سيتم إنشاء مدارس وجامعات ومراكز بحوث، ومستشفيات توفر رعاية صحية بمواصفات عالمية، وتوفير البنية الأساسية والخدمات اللازمة”. المرتكز الثاني، أن يعيش المجتمع السيناوي متماسكا ويتمتع بالأمان، ومتلاحما، ولتحقيق ذلك، سيتم توفير البيئة الآمنة والمناسبة التي يشعر فيها المواطن بالأمان عبر تنفيذ مشروعات تدعم تأهيل وتدريب المجتمع المحلي على الصناعات المتطورة والحديثة، وإنشاء مرافق بشرية تحتوي على مراكز ثقافية ورياضية ودينية. الثالث، أن تكون سيناء المكان المفضل للسكن والعمل، وسيتم تنفيذ منطقة ذات طابع عمراني عالمي تجذب السكان للعيش بها، وتوفير سكن به كل سبل الحياة المريحة التي تحقق رغبات ساكنيها، وتنفيذ شبكات مرافق وطرق ومواصلات بمعايير عالمية، وإنشاء تجمعات عمرانية مبنية على قواعد اقتصادية سواء كانت زراعية أو سياحية. خطورة الفراغ السكانييرى متابعون أن التغير الجذري في استراتيجية الحكومة من التهجير إلى التوطين، يعني أنها انتبهت لخطورة استمرار الفراغ السكاني، وطالما كانت هناك قوة عسكرية غاشمة ناشطة فلن تعود سيناء إلى طبيعتها دون تعميرها بملايين البشر، مثل باقي المحافظات، لأن الإبقاء عليها أرضا قفراء يجعلها مطمعا طوال الوقت لإسرائيل والتنظيمات الإرهابية. تعتزم الحكومة توزيع السكان على التجمعات الجديدة في سيناء، بنسبة 40 في المئة لأبناء الوادي والدلتا، و60 بالمئة لأهالي المحافظة، منها 30 في المئة للقبيلة التي تستقر بالتجمع العمراني الجديد، و30 بالمئة لبقية القبائل السيناوية، وسوف تتحمل الدولة 40 في المئة من ميزانية إقامة المرافق والخدمات، والـ60 في المئة الباقية يتعهد بها المواطنون المستفيدون من المشاريع. وأشار اللواء عبدالفضيل شوشة محافظ شمال سيناء،إلى إن إجمالي سعر المنزل في التجمعات السكنية التي تستقطب الوافدين، وحتى لأبناء سيناء الأصليين، سيصل إلى 629 ألف جنيه (الدولار يعادل نحو 17 جنيها) شاملة سعر البناية و10 أفدنة حولها لزراعتها، على أن يدفع المواطن 5 في المئة من القيمة الإجمالية، وباقي المبلغ بأقساط بسيطة. تستهدف خطة الحكومة شريحة بعينها من السكان، وهم المزارعون وأصحاب الحرف، لأن الحديث عن فرص العمل هناك، ينحصر تقريبا في الزراعة والصناعات التعدينية والخشبية والسمكية، وهي معضلة أخرى ناتجة عن أن أغلب هذه الشريحة من الأميين، وتحتاج إلى لغة استثنائية في الخطاب والإقناع، وهو ما لا تمتلكه أكثر المؤسسات الحكومية. تحديات التوطين ثمة معوقات بالجملة، تقف حائلا أمام نجاح استراتيجية الحكومة في توطين الملايين، وحتى الآلاف من سكان المحافظات المختلفة داخل سيناء، مهما كانت المزايا والحوافز. أبرزها أن الصورة الذهنية الراسخة في أذهان الناس أن سيناء منطقة ملتهبة وتعج بالإرهابيين، وغير آمنة بالمرة، ومن الصعب مغامرة رب الأسرة بأبنائه ليعيش في بيئة لا تنعم بالأمن والاستقرار. حتى إذا قامت الحكومة بحملة إعلامية توعوية لإقناع الناس بأن الأوضاع في سيناء أصبحت آمنة ومستقرة، وهناك مشروعات تنموية واقتصادية واعدة، فإنها سوف تصطدم بمشكلتين، الأولى أن هناك حالة من غياب الثقة في الحكومة نفسها لتعثرها في تنفيذ بعض تعهداتها في ملفات وقضايا متعددة، والثانية، تهاوي مصداقية الإعلام الناقل للكلمة والصورة. ويرى مراقبون أن سعي الحكومة إلى توطين الملايين من البشر في سيناء قبل إعادة سكانها الأصليين، ولاسيما المسيحيين الذين تم تهجيرهم من ديارهم إلى محافظات إقليم قناة السويس (الإسماعيلية والسويس وبورسعيد)، قد يفقد الحكومة جزءا جديدا من مصداقيتها لدى الشارع في ما يخص الوضع في سيناء، وتطورات الحرب على الإرهاب أو ملف التنمية والتوطين هناك. وأكد جازي سعيد عضو مجلس النواب عن دائرة وسط سيناء، لـ”العرب”، أن توطين الملايين في سيناء يبدأ بإعادة توطين السكان الأصليين، فلن يأتي وافد للإقامة ويعرف أن هناك أسرا تم تهجيرها من أبناء المحافظة، وأناسا تركوا ديارهم وأرضهم بسبب العمليات الإرهابية، وعودة هؤلاء أفضل دعاية لاستقرار الأوضاع في سيناء، وأكثر محفز لسكان المحافظات للانتقال إليها. والإشكالية الأكثر تعقيدا، أن المواطن السيناوي نفسه أصبح شغوفا بأن يعيش حياة طبيعية مثل أقرانه في باقي المحافظات، بعدما أرهقته الإجراءات الأمنية التي تبررها الحكومة بأنها ضرورية لتضييق الخناق على الإرهابيين، وأيّ مواطن يعيش بعيدا عن سيناء، عندما يستفسر عن الوضع هناك، وظروف الحياة، ويستمع لكلام ومعاناة السكان الأصليين، سوف يفكر ألف مرة قبل الهجرة من محافظته للعيش في سيناء. وأقر النائب البرلماني أن هناك مشكلات ما زالت موجودة تثير حفيظة الناس مثل حظر التجوال، وأن يضطر سائق سيارة إلى السفر لنحو 150 كيلومترا ذهابا ومثلها عودة، حتى يصل إلى محطة وقود، كما أن شبكات الهاتف المحمول لا تعمل معظم الوقت، وهذا الوضع يمثل دعاية سلبية عن سيناء التي تحاول الحكومة إقناع المواطنين بالانتقال إليها. كل ذلك دفع حسان السيد، وهو مزارع وأب أسرة يعيش في محافظة البحيرة (شمال القاهرة) أن يتراجع عن فكرة الانتقال إلى سيناء بعدما ضاقت به سبل العيش في محافظته الأصلية، بالرغم من إقامة شقيقته في العريش مع زوجها، حيث تمارس مهنة التدريس. وقال لـ”العرب”، “بعدما سمعت عن الحوافز المقدمة من الحكومة، سألت شقيقتي عن فرص الانتقال للعيش هناك، حيث تتوافر الأراضي الزراعية بمساحات كبيرة وبأسعار زهيدة، ردت بأن الأوضاع غير مستقرة، ويكفي ذكر حظر التجوال الذي يبدأ الساعة السادسة مساء كل يوم، وانقطاع الكهرباء والاتصالات لفترة طويلة، وارتفاع أسعار السلع لندرة البضائع التي تصل إلى المحافظة، والشعور الدائم بالغربة والعزلة”. وتابع حديثه “إذا كان أهل سيناء يشتكون، وسيناء موطنهم الأصلي، فماذا يفعل الوافد بحوافز وإغراءات الحكومة؟ نحن نسمع كثيرا عن سيطرة القبائل على كل شيء هناك ولا يمكن فعل شيء دون إرادتهم، هكذا علمت من شقيقتي، فبأي منطق سيوافقون بسهولة على أن ينعم الملايين من الوافدين عليهم بخيرات بلادهم، لا أحد عاقلا سوف يجازف بأسرته لمجرد وعود حكومية بحوافز في منطقة منعزلة ما لم يتم توفير الضمانات اللازمة لطمأنة المواطنين”.

مشاركة :