نجيب ساويرس: التيارات الدينية يجب أن تبتعد عن السياسة

  • 5/26/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

نجيب ساويرس هو رجل أعمال وسياسي مصري تتجاوز ثروته الـ5 مليارات دولار تقريبا ويحتل المرتبة 577 في ترتيب أغنياء العالم. تثير تصريحاته الكثير من الجدل كما تثير استثماراته اهتمامات المستثمرين والدول. وهو مؤسس عديد الشركات والقنوات التلفزيونية، وفاعل في المشهد السياسي المصري في فترة ما بعد الثورة. تتركز استثماراته أساسا في قطاع الاتصالات وقطاع الإعلام. وهو مؤسس مهرجان الجونة العالمي والذي عرض شراء جزيرة وتخصيصها للمهاجرين السوريين في عرض المتوسط. جاء اللقاء مع ساويرس على هامش حضوره في مهرجان كان. وكانت بداية الحديث عن ما يسمى بالربيع العربي، الذي يرى ساويرس أننا لم نوفق فيه، لكن هذا لا يعني أن الربيع العربي لم يكن مطلوبا أو أنه كان خطأ أو كان حسب ما تزعم الحكومات أن وراءه مخططات أو مؤامرات، مشيرا إلى أن أكبر ثغراته هو ربط الدين بالسياسة. يؤكد ساويرس أن الربيع العربي لم يكن تجربة موفقة لعدة أسباب منها عدم تجمع القوى الليبرالية والعلمانية تحت وعاء واحد، مضيفا أن سبب فشل الربيع العربي في مصر هو فشل التيارات الليبرالية الحرة المؤمنة بالسلام ودين الله والوطن للجميع في الاتحاد تحت وعاء واحد لمواجهة ومنافسة التيار الإسلامي والإخوان المسلمين في الانتخابات، إضافة إلى ما كانت تعانيه من أزمات ونقص عنصر التجربة لأنها كانت مقصوصة الأجنحة لسنوات. وكان ساويرس أثار الكثير من الجدل في مصر بسبب موقفه الواضح في نقد علاقة بعض القوى الإسلامية بالتطرف. ويتحدث عن ذلك قائلا “أنا لا أربطها بل هي من ربطت نفسها، التنظيم يحمل اسم إخوان المسلمين. ومن تحت عباءة هذا الاسم يتم كل ما ليس له علاقة بالإسلام من قتل وتفجير واغتيالات للرموز السياسية”.ويضيف أن ما حصل في الثورة المصرية مثال على سبب عدم توفق ثورات الربيع العربي. الثورة انطلقت بقوى يسارية ليبرالية علمانية وانضم إليها اليمين المصري الليبرالي الحر. كانت هذه القوى هي المحرك الأول والأساسي للثورة المصرية. أما تنظيم الإخوان فقد ركب تيار الثورة بعد نجاحه، لكن قبل ذلك عزف عن الدخول فيها وتردد في المشاركة في مظاهرات يوم الخامس والعشرين من يناير وذلك لاتفاق أقامه مع السلطة آنذاك بعقد الهدنة وعدم التصعيد. ويقول ساويرس إن الرأسمالية المصرية لا تغامر لأنها جبانة وذلك حرصا على مصالحها، مشيرا إلى أن أول من نزل إلى الشارع في مصر كانوا أنصار تنظيم كفاية، وهو ما يشكل التيار الليبرالي العلماني الاشتراكي. وتنظيم كفاية له الفضل الأول في تفجير الثورة وخرج أنصاره في وقت عصيب جدا وتعرضوا للضرب وعديد الاعتداءات وسقط منهم العديد من الشهداء وتلاهم تنظيم 6 أبريل قبل أن يتوغل داخله تنظيم الإخوان المسلمين ويستولي عليه نتيجة اتفاقات مع القيادات، ومن ثم نزلت بقية مكونات الشعب المصري من عمال وفلاحين وحتى رجال الأعمال. وفي سنة 2011 شارك نجيب ساويرس في تأسيس حزب المصريين الأحرار ذي المرجعية الليبرالية. وقال حينها ساويرس إنه انضم للعمل السياسي بسبب خوفه من جماعة الإخوان المسلمين، التي سعت إلى السيطرة على السلطة عقب ثورة 25 يناير. وبعد تلك التجربة، يشير ساويرس إلى أن “السياسة مختلفة تماما عن الأعمال. في الأعمال هناك دائما رأي واحد هو الصواب وجميع المسائل فيها تحيلك على خيارين الربح أو الخسارة لكن في السياسة يمكن أن نجد أكثر من رأي على صواب”. ويضيف “على سبيل المثال طلبنا في مصر تأجيل الانتخابات حتى نمنح التيار الليبرالي وقتا لكي ينظم نفسه هيكليا ويؤطر كوادره أكثر للانتخابات، لكن الجيش رفض ذلك الأمر وتم تنظيم انتخابات في 6 أشهر وبالتالي كانت النتيجة تفكك التيار الليبرالي وهذه هي المشكلة التي قد تعترضكم في تونس في الفترة القادمة”. التجربة التونسيةتجاوزت تونس مرحلة الانتخابات البلدية وتستعد لخوض الانتخابات التشريعية والرئاسية، ويمكن لنتائجها أن تؤثر على مناخ الاستثمار حيث يقول ساويرس “إذا انتصر التيار الإسلامي سيشعر المستثمرون بالخوف طبعا، ولا ننسى طبعا أن السياحة من مقومات الدولة التونسية، والسياحة تعني الحرية ولا تعني الحرية هنا الفسق والفجور كما يُقال بل يُقصد بالحرية جملة الحقوق والحريات الطبيعية للفرد في ممارسة حياته كما يريد بلا تدخلات أو ضغوطات”. ويضيف “تونس دولة قائمة أساسا على قطاع السياحة. ولو فاز هذا التيار في الانتخابات فسيكون من الصعب أن يُقدم أي شخص على الاستثمار أو بناء فندق في تونس، ولا ننسى عملية سوسة والتهديدات الإرهابية، وكل هذا يعلق بذهن السائح والمستثمر على حد سواء”. مع ذلك، يرى ساويرس أن التجربة التونسية تبقى مميزة، منوها بتولي روني الطرابلسي المنتمي للديانة اليهودية وزارة السياحة، حيث الأهمية أعطيت للجنسية على حساب الديانة، مشيرا إلى أن كل المطلوب أن يكون لدى الجميع درجة من الوعي حول مصلحة البلاد لتحقيق تعليم سليم وقطاع صحة مزدهر وخلق فرص عمل للارتقاء بالدولة والمحافظة على التجربة الديمقراطية. النظام البرلمانيعند الحديث عن الدول التي شهدت الربيع العربي كتونس وليبيا ومصر، يقول البعض إن هذه الدول مازلت في مرحلة التعليم السياسي وأنها لم تعش لـ60 سنة تقريبا أي شكل من أشكال الحرية، لكن ساويرس يرى أن هذا عذر يستخدم لمنع الديمقراطية. ويقول “يجب علينا أن نبدأ بالخطوة الأولى ويجب أن نرتكب الأخطاء، تجربة 25 يناير كان فيها أخطاء لكن عندما ينطلق الواجب الديمقراطي فنحن نصبح في السنة الأولى للديمقراطية لنتقدم بها إلى الأمام، والغرب على سبيل المثال وصل إلى الديمقراطية بعد أكثر من ألف سنة من الحروب لذلك لا بد أن نبدأ من البداية وليس عيبا أن لا نكون مستعدين”. في رده على سؤال حول رأيه في التوجه الذي انتهجته الحركات الإسلامية التي قالت إنها قبلت بالانخراط في العملية الديمقراطية واتخذت من فصل الدين عن السياسة مذهبا واعتنقت المدنية في نشاطها، يقول ساويرس إن “المشكلة تكمن في أنهم يقولون مالا يفعلون. لقد كتبت بضع رسائل للرئيس السابق محمد مرسي قلت فيها إنه تم انتخابه بنسبة 50 بالمئة ونحن نمثل الـ50 بالمئة الأخرى ووضعته بين خيارين: إما أن نتعاون سويا من أجل الوطن أو أن نتخاصم وهو اختار الخصام وليس نحن”. في المقابل، يرى أن التجربة التونسية أفضل وحتى الإجراءات التي اتخذت بعد الثورة كانت أحسن من الإجراءات التي اتخذت في مصر، معتبرا أن حركة النهضة استفادت من تجربة الإخوان في مصر فتراجعت إلى الوراء قليلا بعد سقوط نظام مرسي وقررت أنه لا بد من الحوار. ويتطرق الحديث عن دور الكنيسة القبطية في الحياة المصرية، وتأثيرها في ما شهدته البلاد من تطورات. وهنا، يتحدث ساويرس عن الكنيسة كما تحدث عن التيارات الإسلامية، من حيث ضرورة ابتعادها عن السياسة. ويقول إن “الكنيسة القبطية في مصر لها تأثير على الموقف السياسي للمواطن القبطي، وهذا خطأ، فالكنيسة يجب أن تبتعد عن السياسة”، لكنه يستطرد موضحا أن “الكنيسة تقوم بهذا الدور لغياب تيار مدني علماني قوي قادر على لعب هذا الدور”. يعتقد البعض أن نهاية العمل المسلح في هذه الفترة على الأقل بالنسبة للجماعات الإسلامية المتطرفة قد يجعل الشعوب العربية تدخل حقبة جديدة أو فترة جديدة، لكن ساويرس يرى أن الأزمة ستبقى مستمرة طالما استمر تبرير العنف والقتل بالنص القرآني وتسيير الشباب في الاتجاه الخطأ. ويضيف أن البداية تكون من خلال تصحيح هذا الخطاب، ثم يأتي العمل على تطوير التعليم لخلق فرص عمل حقيقية لكل الشباب وبملء أوقاتهم بأشياء مفيدة كالفن والرياضة والثقافة، لافتا إلى أن هناك منظومة كاملة يجب أن نجتازها حتى ينتهي كل العنف والتراجع والفشل الذي يسجله العالم العربي. ويعتبر ساويرس أن ما يقوم به رجال الأعمال تجاه الأجيال الجديدة غير كاف، مشيرا إلى أنّ ما يقوم به رجال الأعمال العرب لا يبلغ مستوى نظيره بالغرب، هناك رجال أعمال عرب يقومون بهذا الدور لكن هم نسبة قليلة يمكن تقديرهم بواحد من كل 100 رجل أعمال. أزمة البيروقراطية العربيةينتقد ساويرس البيروقراطية في الدول العربية، مشيرا إلى أن تونس تعاني من نفس الداء الذي تعاني منه مصر وهو البيروقراطية، فالمسؤولون يتخيلون أنهم يقدمون خدمة عندما يقومون بتوفير فرصة استثمار أو عندما يقومون بحل مشاكل متعلقة بالاستثمارات والمستثمرين في حين أن المستثمر هو الذي يقوم بخدمة ويخلق الفرص ويضخم حجم اليد العاملة في البلاد ويدفع الضرائب وهو المطلوب نظرا لوجود الآلاف من العاطلين في مصر أو في تونس أيضا. كما يمكن لرأس المال أن ينشئ مصنع نسيج أو شوكولاتة في أي بلد في العالم، فلماذا سيفضل الذهاب إلى البلد الذي يعاني من البيروقراطية والبطء في اتخاذ القرار وعدم توفير الأساسيات المطلوبة للمستثمر. ويبدو أن هذه التعقيدات هي التي دفعته إلى الاستثمار في مناطق غير متوقعة مثل كوريا الشمالية، التي يقول عنها إنها تعاني من الدكتاتورية وليس من البيروقراطية، لأن الدكتاتورية تمنع وجود البيروقراطية فكل شيء موصول بالفرد الواحد الذي يحكم وهو الذي يجعل الأمور تحدث حسب إرادته. كتبت الصحف كثيرا عن المشكلة التي تعرضت لها استثمارات ساويرس في الجزائر ولا يزال الأمر أمام القضاء إلى لآن، لكن التحول الذي وقع في الجزائر قد يغيّر الوضع كليا إلى ما هو أحسن وفق ساويرس، الذي يقول إن الشعب الجزائري مثقف ومحترم، وهو يُحكم من أيام الرئيس هواري بومدين بالحديد والنار، فالديمقراطية مسرحية والإعلام تحت سيطرة القوى الأمنية، إذ لا انتخابات حقيقية، إضافة على حكم الفرد وعموم عائلته الذين يتحكمون في ثروة البلد. ويتحدث عن تجربته في الجزائر قائلا إنها “بدأت مع برنامج برعاية البنك الدولي بشرف وبأمانة بعد ذلك اندلعت أزمة بين علي بن فليس والرئيس بوتفليقة رُميت على إثرها في التهلكة، لكن تمكنت من تجاوز الأزمة وازدهرت الشركة وبلغت الأرباح المئات من الملايين، حينها تعرضت لعملية ابتزاز وتهديدات بحصول مشاكل للشركة في حال عدم دفعي لمستحقات مالية باطلة، لكنني لم أدفع قرشا واحدا مما جعلهم يستولون على الشركة”. التعاون العربيفي حديثه عن الحاجز الذي يمنع العرب من أن يجتمعوا أو يؤسسوا سوقا عربية مشتركة مادام التعاون الاقتصادي هو الأمر المهم، يعتبر ساويرس أن هذه نقطة ضعف العرب، منوها بالتجربة الأوروبية، ومشيدا بالتطور الحاصل في أفريقيا، حيث يقول “الأفارقة أيضا نجحوا، هناك خمسة تجمعات اقتصادية في أفريقيا ألغت الحواجز الجمركية والضرائب وغيرها”. ويضيف “اليوم هناك تجمع أفريقي يضم التجمعات الخمسة لتبقى أفريقيا مفتوحة وهو المسعى الذي تقوده رواندا وهي الدولة الأضعف وبفضلها ستمضي أفريقيا على هذا التجمع ونحن العرب لازلنا لا ندري ماذا علينا أن نفعل ونكتفي بالكلام ولا شيء غير الكلام”. وعن ماهية مسؤولية رجل الأعمال العربي تجاه المجتمع بعيدا عن نية الربح، يشير إلى أن مسؤوليته هي تربية أجيال جديدة، والعمل على تدعيم أسس التعليم والأسس الفكرية السليمة، وأن يعطي الأجيال الصاعدة فرصة للتعليم الحقيقي حتى ولو استوجب الأمر أن يرسلها إلى الخارج بشرط أن تعود إلى الوطن. ويحيل هذا الحديث إلى التساؤل عن صورة رجل الأعمال المسؤول المثقف الداعم، وهو نموذج يقول ساويرس إنه موجود وينتقد في هذا السياق تعامل الدراما مع صورة رجل الأعمال التي غالبا ما تظهره في شكل شخص فاسد وهمّه الوحيد هو المال واكتنازه ولا يتوانى عن عمل أي شيء في سبيل الوصول إليه وتكديسه، مشيرا إلى أن “هذا غير صحيح فليس بالضرورة أن يكون رجل الأعمال شخصا غير وطني ولا يحب بلده”. ويعد مجال الإعلام من بين المجالات التي استثمر فيها نجيب ساويرس، الذي يملك أسهما في إحدى المحطات التلفزيونية التونسية وهي قناة نسمة، وأسس قناة أون تي.في ويقول عن تجربته “كان لي تجربة مع تأسيس قناة أون تي.في في مصر وحققت نجاحا كبيرا، وقد أسستها بسبب توجسي من استيلاء الإخوان المسلمين على الحكم في مصر وكان لا بد من وجود تيار ليبرالي لتحقيق التوازن، وكان من الضروري لهذا التيار من منبر وقناة مثل أون تي.في التي كانت بمثابة المنبر وأنا فخور بذلك”، لكن رغم ذلك لا ينصح رجال الأعمال بالاستثمار في هذا المجال لأنه “سيكون مشروعا ماليا فاشلا وصعبا ويجلب عداوات كثيرة”. ويوضح ساويرس أنه “لا توجد مشكلة في الاستثمار في مجال الإعلام لكن وأنت تستثمر في مجال الإعلام يجب أن يكون هناك عمل منظم مع تجنب الدخول في خصومة مع الدولة وأن لا تستولي هذه الأخيرة على كل القنوات ثم تطالب المستثمر بالمنافسة لأنها ستكون منافسة غير عادلة”.

مشاركة :