ليس هناك أي موعد واضح ومحدد لطرح الإدارة الأمريكية خطة ترامب التي باتت تعرف إعلامياً “بصفقة القرن” مع أن آخر التصريحات تشير إلى طرحها هذا الصيف، بعدما كانت قد أشارت إلى أن ذلك سيتم مع نهاية شهر رمضان وتشكيل حكومة نتنياهو الخامة وفقاً لتسريبات عديدة متكاملة حيناً ومتعارضة أكثر الأحيان، فإن ما يجمع بين كل هذه التسريبات أنّ هذه الخطة تتنكر للحقوق الوطنية الفلسطينية وتنسف حل الدولتين وتتجاهل تماماً قرارات الشرعية الدولية وتتعارض مع السياسة الأمريكية التقليدية التي تم تبنيها من قبل الإدارات الجمهورية والديمقراطية السابقة والتأكيد على حرص الخطة على المصالح السياسية والأمينة للدولة العبرية باعتبار هذه الخطة تلتزم بوضوح بتصفية القضية الفلسطينية نهائياً بعد إزالة أهم ملفات الحل النهائي خاصة فيما يتعلق بالقدس واللاجئين انتظاراً لتنفيذ الملف القادم المتعلق “بالأرض” أي ضم الضفة الغربية جزئياً أو كلياً إلى إسرائيل. عملية ضم أجزاء واسعة من الضفة الغربية المحتلة لم تكن لتنتظر خطة ترامب، ذلك أنها بدأت ثم تواصلت منذ احتلالها عام 1967وكانت العملية الاستيطانية إحدى مجالات التنافس بين الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بينما سجّلت حكومات نتنياهو الأربعة السابقة السجل الأكثر ضماً واستيطاناً، إذ يجري الحديث عن ضم المنطقة “ج” التي تشكل 60% من مساحة الضفة الغربية المحتلة في إطار ضم زاحف تمثّل بخطوات تنفيذية من خلال ما يسمى توسيع المستوطنات الكبرى وضمها فعلياً بواسطة الجدار الأمني وتزايد البناء في مستوطنات شرقي العاصمة الفلسطينية وشق الطرق الالتفافية لخدمة المستوطنين وعرقلة التواصل الإنساني والاجتماعي والاقتصادي بين قرى ومدن الضفة ومنع تطوّر هذه المناطق في كافة المجالات إضافة إلى اعتماد سياسة هدم البيوت بحجة عدم الترخيص إلى ما هنالك من وسائل أدت من الناحية العملية إلى ضم الكثير من مناطق الضفة الغربية والسيطرة عليها عملياً. كان ذلك خلال الحكومات الإسرائيلية السابقة، إلاّ أن حكومة نتنياهو الخامسة من المتوقع على نطاق واسع أنها ستعزز عملية الضم الواقعي والعملية للضفة إلى واقع قانوني سياسي برعاية أمريكية معلنة في سياق خطة ترامب. مسألة ضم الضفة الغربية كانت ولا تزال مجالاً للجدل الدائر والمستمر بين المستويات السياسية والأمنية والحزبية لدى الدولة العبرية، ففي اكتوبر / تشرين أول الماضي تقدّم معهد الأمن القومي الإسرائيلي بخطة تهدف إلى ضمان بقاء إسرائيل “يهودية مستقلة وديمقراطية وآمنة وأخلاقية” ومنع التهديد الوجودي من خلال دولة ثنائية القومية، تهدف هذه الخطة إلى فصل عملي شامل بين الفلسطينيين والإسرائيليين مع بقاء الكتل الاستيطانية الكبرى دون الدولة مع إنشاء كيان فلسطيني على 65% من الضفة الغربية بينما تواصل إسرائيل سيطرتها على المجال الجوي في الضفة بالكامل مع الاحتفاظ بسيطرة أمنية على مستوطنات الغور وإذا لم يقبل الفلسطينيين بهذه الخطة على إسرائيل تنفيذها من جانب واحد وضم أجزاء من الضفة الغربية وترك الفلسطينيين لمصيرهم، هذه الخطة لم تتناول الوضع في قطاع غزة غير أنها وجدت دعماً وتأييداً من كبار جنرالات إسرائيل السابقين، خاصة هؤلاء اللذي أسسوا فيما بعد أزرق / أبيض، هذه الخطة كما هو واضح تعارض ضم كامل للضفة الغربية بينما تسمح بسيطرة أمنية في غور الأردن مقابل قيام كيان فلسطيني في بقايا الضفة الغربية. وقبل أيام وقع مئتي مسؤول أمني سابق على عريضة موجهة إلى رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، طالبوه فيها الالتزام بإجراء استفتاء شعبي قبل أن يتخذ قراراً بفرض القانون الإسرائيلي على الضفة المحتلة وذلك في أعقاب تصريحات أطلقها نتنياهو وقادة أحزاب مرشحة للانضمام إلى حكومته قيد التشكيل وحول ضم المنطقة “ج”، هؤلاء وهم مسؤولون سابقون في الجيش الإسرائيلي والشاباك والموساد والشرطة يعتبرون عملية الضم من شأنها أن تؤدي إلى نهاية عملية للسلطة الفلسطينية وعلى الأقل وقف التنسيق الأمني معها ونشوء فراغ يترك لسيطرة حركة حماس على الضفة الأمر الذي سيؤدي في النهاية إلى قيام إسرائيل بعملية عسكرية واسعة واحتلال الضفة الغربية ما يهدد يهودية الدولة وخطر ديمغرافي محدق على صفاء ونقاء الطابع اليهودي القومي لإسرائيل. وعلى النقيض من خطة معهد الأمن القومي وعريضة المسؤولين الأمنيين السابقين، أصدر مركز بيقن السادات في جامعة بار ايلان دراسة تشير إلى أن الانسحاب من منطقة “ج” في الضفة يشكل خطراً وجودياً على إسرائيل ذلك أن انعدام وجود عسكري إسرائيلي فاعل في الضفة الغربية وخاصة في الأغوار سيسمح بنشوء “كيان إرهابي” وفق النموذج الغزي ويهدد السهل الساحلي ويزج إسرائيل في حدود لا يمكن الدفاع عنها، الدراسة المذكورة تعارض إخلاء مستوطنات بما في ذلك المستوطنات المعزولة وتنسف حل الدولتين وتشجع على تواصل العملية الاستيطانية وضم الضفة الغربية أو اجزاء واسعة منها. خسارة حزب أزرق – أبيض وتزايد حصة الليكود برئاسة نتنياهو في الكنيست إثر الانتخابات البرلمانية الأخيرة اعتبرها البعض تفويضاً شعبياً للسياسية الإسرائيلية الهادفة إلى ضم الضفة الغربية المحتلة فيما يرى هذا البعض أن توفير الأمن للدولة العبرية من خلال حدود يمكن الدفاع عنها هو هدف هذا الضم، يرى البعض الآخر أن الضم يتجاوز المصالح الأمنية إلى مصالح قومية باعتبار أن الضفة الغربية ” يهودا والسامرة” جزء لا يتجزأ من أرض إسرائيل وخارطتها السياسية.
مشاركة :