هل يأخذ ارتفاع التضخم الاحتياطي الفيدرالي على حين غرة؟

  • 5/26/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

محمد العريان * في سعيها لإيجاد طرق جديدة لإنعاش التضخم، تميل البنوك المركزية الكبرى إلى تفضيل عقلية التفكير المرحلي، بالإشارات المتكررة إلى أن حجم الطلب الكلي غير كافٍ.تغيرت النظرة والأفكار المتعلقة بالتضخم في الاقتصادات المتقدمة بشكل ملحوظ على مدى العقود الماضية. وبعيداً عن أخطا ء القياس، والمخاوف المتعلقة بتثاقل انتعاش التضخم والقوة الاستثنائية لأسواق السندات، فإن ما يثير المخاوف اليوم هو أن التضخم المنخفض جداً قد يعوق النمو.وفي حين تتسبب أسعار الفائدة المنخفضة لفترة طويلة - على ما مجموعه 11 تريليون دولار من السندات العالمية - في سوء تخصيص الموارد وتقويض الأمن المالي طويل الأجل للأسر، فإن ارتفاع أسعار الأصول قد زاد من خطر عدم الاستقرار المالي في المستقبل.من هنا، فإنه يجب على صناع السياسة المالية والمستثمرين ألاّ يستبعدوا عودة التضخم مع مرور الوقت، عند النظر في الطريقة التي تلعب بها هذه القوى المتنافسة. ومع مرور الوقت أيضًا، يشعر المستثمرون بالارتياح وتسعدهم سياسات البنوك المركزية، في الوقت الذي ينبغي أن يكونوا أكثر توجساً من تلك السياسات.وفي سعيها لإيجاد طرق جديدة لإنعاش التضخم، تميل البنوك المركزية الكبرى إلى تفضيل عقلية التفكير المرحلي، بالإشارات المتكررة إلى أن حجم الطلب الكلي غير كاف. لكن ماذا لو كانت هذه العدسة خاطئة عند النظر من خلالها إلى الظروف الحالية، أي أننا في الواقع نعيش في منتصف عملية متعددة المراحل؛ حيث تتنحى في النهاية قوى العرض القوية لصالح عودة التضخم؟في هذه الحالة، سيتعين على صانعي السياسة النقدية وفعاليات السوق أن يأخذوا في الاعتبار نماذج مختلفة من توازن مخاطر الفرص، عن تلك التي يتم اتباعها حاليًا.من المؤكد أنه بعد الاقتراب من حد التضخم المستهدف من قبل البنوك المركزية عند 2٪ في عام 2018، بدأت معدلات التضخم الأساسية في أوروبا والولايات المتحدة في الانخفاض من جديد.ولا يزال المقياس التقليدي لتوقعات السوق بشأن التضخم دون المستوى المستهدف، على الرغم من أن معدلات فرص العمل التي يتم توفيرها على مدى ستة أشهر يقرب من 50 ٪، أي أنه فوق المستوى التاريخي اللازم لاستيعاب العمالة الجديدة الداخلة في السوق في عمق الدورة الاقتصادية. وبينما انخفض معدل البطالة إلى 3.6٪ وهو أدنى مستوى له منذ حوالي خمسة عقود، إلاّ أن معدل مشاركة القوى العاملة البالغ 62.8٪، لا يزال منخفضًا نسبيًا.ونظرًا لاستمرار انخفاض معدل التضخم، ظلت السياسات النقدية فضفاضة للغاية لفترة طويلة بشكل غير معتاد، مما أثار مخاوف من أن الولايات المتحدة أو أوروبا قد تستسلم للتيبن( النموذج الياباني)، حيث يؤجل المستهلكون عمليات الشراء وتخفض الشركات نفقات الاستثمار.وأدى هذا الخطر حتى الآن إلى معدلات فائدة منخفضة أو سلبية على المدى الطويل، كما في حالة البنك المركزي الأوروبي، وتضخم ميزانيات البنوك المركزية، على الرغم من الآثار الضارة المحتملة لهذه السياسات على سلامة النظام المالي.في الواقع، فإن بعض المراقبين الاقتصاديين يفضلون ليس فقط حفاظ البنك المركزي الأوروبي على أسعار الفائدة السلبية، ولكن أيضًا إعادة تنفيذ برنامج مشتريات الأصول في إطار برنامج التيسير الكمي. وبالمثل، هناك من يطالب مجلس الاحتياطي الفيدرالي تطبيق «خفض احترازي» على أسعار الفائدة، على الرغم من تعدد المؤشرات على أن هذا سيكون عامًا آخر من النمو الاقتصادي القوي وخلق المزيد من فرص العمل.وبالنظر إلى أن هذه الاتجاهات مستمرة في الوقت الحالي، فمن المحتمل أن تواجه الآثار التضخمية المضادة التي لم تصل بعد إلى حد الكتلة الحرجة.ولكن يبدو أن التضخم المنخفض بشكل مفاجئ اليوم مرتبط أيضًا بقوى هيكلية أكبر، مما يعني أنه لا يتجذر فقط في الطلب الكلي غير الكافي. فالابتكارات التكنولوجية - خاصة تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، والبيانات الضخمة، والنقل - قادت انهيارًا عامًا للعلاقات الاقتصادية التقليدية وتآكلًا في قوة التسعير. وما يحدثه اليوم عمالقة التقنية من ثورات متتالية في الحكم على قوى السوق ومعايير التقييم ومفاجآت الربحية والانهيار كلها تعزز قوة هدم المفهوم التقليدي لعمل الأسواق.وفي ظل ترسخ توقعات استمرار انخفاض التضخم، فإن صدمة ارتفاع الأسعار المفاجئ قد تكشف نقاط الضعف وتزيد من مخاطر أخطاء السياسة المالية وأزمات السوق.وفي المرحلة التالية، قد يفاجئ ظهور التضخم المرتفع صناع القرار والمستثمرين، مما ينتج عنه ردود فعل مفرطة تزيد الوضع سوءًا.إن التركيز الاستثنائي على قواعد الدورة الاقتصادية ومعادلاتها على حساب ما هو هيكلي، قد يسبب مخاطر جمة على الرفاهية الاقتصادية والاستقرار المالي في المستقبل. وكلما طال زمن توسيع انتشار العقلية السائدة، زاد احتمال انتقالنا إلى المراحل التالية من العملية التضخمية التي يفسح فيها تأثير حدث تكنولوجي مثير المجال لعودة الاتجاهات القديمة والمألوفة. * كبير الاقتصاديين في «ألينز»

مشاركة :