دبي: «الخليج» لقيت الأخبار التي انتشرت بداية الشهر الجاري بأن هيئة الأوراق المالية قد شكلت لجنة تحقيق في حجم خسائر شركة دريك آند سكل إنترناشيونال، ترحيباً من قبل مساهمي الشركة الذين شهدوا خلال السنوات الأخيرة انخفاض قيمة أسهمهم بشكل كبير بعد سنوات طوال من الخسائر المتراكمة وعمليات إعادة الهيكلة التي قضت على نحو ثلاثة أرباع رأسمال الشركة، إضافة إلى تعليق تداول السهم منذ حوالي ستة شهور، الأمر الذي يحول دون تعويض ولو جزء من الخسائر التي تكبدها المستثمرون في الشركة.في تقرير مطول لموقع «زاوية - رويترز» الإخباري، يسرد كاتب التقرير كيف وصلت الشركة التي تأسست قبل عقد من الزمن لتسجل خسائر ب 5 مليارات درهم، وهي المتخصصة في مجال المقاولات وتمتد عملياتها في دول مجلس التعاون وبعض المشروعات خارج حدود المنطقة. ويقول إن الشركة حالياً تحت إدارة ملاكها الجدد ممثلين ب«تبارك للاستثمار»، المساهم الاستراتيجي، تخوض معركة قانونية مع المديرين السابقين، ولا تزال تعاني أزمة سيولة طاحنة حيث لا يتقاضى الكثير من الموظفين القدامى رواتبهم لشهور متتالية. ويعود التقرير ليذكر ببيان هيئة الأوراق المالية والسلع مطلع مايو/ أيار الجاري الذي يشير إلى أن لجنة التدقيق التي تم تشكيلها، ستقوم بالتحقيق في أسباب تعثر شركة دريك آند سكل مالياً والخسائر المتراكمة التي تكبدتها. فيما أشارت الشركة في بيان لها أنها ترحب بقرار هيئة الأوراق وتؤكد تعاونها التام معها.وفي بيان آخر عقب التئام الجمعية العمومية لدريك آند سكل، قالت الشركة إنه واستجابة منها لطلبات بعض المساهمين، قامت بتسليم بعض الملفات المتعلقة بمشاريع مشكوك في دقة بياناتها خلال العامين 2009 و2016، وهي القضايا التي تتصدر قائمة من 15 دعوى قانونية قدمتها دريك آند سكل بالفعل للسلطات القضائية بسبب ما وصفتها بالجرائم التي ارتكبها أعضاء الإدارة السابقة خلال الفترة التي شغلوا فيها مناصبهم الإدارية بين العامين 2009 و2017، والتي قالت إنها ما زالت قيد المراجعة حالياً من قبل السلطة المختصة.وفي ظل هذه المعلومات المتوفرة، يتساءل كثير من المراقبين والمستثمرين الآخرين في السوق، عما حدث فعلاً في هذه الشركة ومحاولات إعادة الهيكلة التي تمت فيها، والتي كانت آخرها ما تم الإعلان عنه نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. سنوات الزخم تتضمن الشكاوى ال 15 التي تقدمت بها شركة «تبارك للاستثمار» إلى المدعي العام، عمليات استحواذ أجرتها «دريك آند سكل» خلال فترة السنوات الثلاث التي أعقبت اكتتابها العام سنة 2008، حيث طرحت 55% من أسهمها مقابل 1.2 مليار درهم حصيلة الطرح الأولي. وأظهرت البيانات بعد ذلك أن خلدون الطبري، الرئيس التنفيذي للشركة آنذاك، كان ثاني أكبر مساهم في النسبة المتبقية من الأسهم بحصة 8.25%، فيما كانت «فيرست دبي كوربوريشن» أكبر مساهم فيها بحصة تبلغ 15.11%.وعن الصفقات المشكوك فيها والتي من المفترض أنها قيد التدقيق والتحقيق، تعيد «زاوية» نشر مقتطفات من حوار سابق عبر الهاتف أواخر إبريل/ نيسان الماضي، حيث قال الطبري، الذي اشترى حصته الأولى في دريك آند سكل عام 1998، إن المعاملات والصفقات التي تمت مع الأطراف ذات الصلة حدثت بعد الاكتتاب العام. وأضاف الطبري: « كانت الصفقات تحت إشراف ومساعدة من مزود الخدمات المالية شعاع كابيتال وشركة التميمي وشركائه القانونية، مع تقييم بواسطة بي دبليو سي كطرف ثالث مستقل في جميع الصفقات». وبحسب الطبري فإن الشركة كانت في حاجة ماسة إلى التوسع الجغرافي، وهو ما دفعها إلى التوجه نحو السعودية والكويت وغيرها.خلدون الطبري هو محور جميع الشكاوى القانونية التي تقدمت بها دريك آند سكل منذ تنحيه منها، فبعد أن تقدمت الشركة بدعاوى قانونية العام الماضي، أصدر المصرف المركزي قراراً بتجميد الحسابات المصرفية الخاصة بالطبري وزوجته داخل الإمارات، مع فرض حظر على سفرهما، رغم أنه كان خارج الدولة وقت إصدار القرار وقد بقي في الخارج منذ ذلك الحين.ومن وجهة نظر مالية بحتة، فإن عمليات التوسع التي قامت بها الشركة، بدت وكأنها تؤتي أكلها، حيث وصلت دريك آند سكل إلى مستوى كبير في العام 2013، والذي أعلنت فيه توزيع أرباح على المساهمين بلغت 166.5 مليون درهم، بعد أن حققت عائدات 4.9 مليار درهم. ولكن توسعها كان يعني أن هامش الربح الخاص بها كان أقل من المنافسين الإقليميين بنسبة تتراوح بين 5 و8%. أول الخسائر بعد أن تراجعت أسعار النفط، بدأت الشركة تتكبد خسائر كبيرة، فقد علقت الحكومة السعودية في العام 2015 الدفعات الخاصة بالمقاولين، مما تسبب في صعوبات كبيرة لقطاع الإنشاءات في المملكة وخارجها. وأعلنت دريك آند سكل في ذلك العام خسائر بلغت 826.6 مليون درهم بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها السوق السعودية، رغم أنها سجلت عائدات بلغت 4.2 مليار درهم وقتها. وشهد العام المالي 2016 تسجيل الشركة لخسائر إضافية بلغت 732.9 مليون درهم، ومديونية مستحقة الدفع للشركة قدرت حينها ب 1.7 مليار درهم، مثلت منها مديونية «أرامكو» السعودية الجزء الأكبر، إذ إنها لم تقم بإجراء أي دفعات للشركة. شطب الشهرة وشطبت «دريك آند سكل» كامل مبلغ الشهرة المحملة على ميزانيتها العمومية البالغ 844 مليون درهم العام الماضي، والتي قالت إنها «جزء من التزامها بالشفافية والمسؤولية والحوكمة». والشهرة التي تعني القدرة على الإنجاز، والقيام بالعمل، باتت محل شكوك عند المدققين فتم شطبها بسبب الأوضاع الراهنة للشركة. الخسائر تتفاقم والتمسك ب «قشّة» إعادة الهيكلة 2016-2017 مع تنامي خسائر الشركة، تقدم خلدون الطبري باستقالته، ليتم تعيين وائل علان الذي شغل سابقاً منصب الرئيس التنفيذي لشركة «أركايدس» الشرق الأوسط، في منصب مدير العمليات التنفيذي، ليتم ترقيته فيما بعد إلى منصب الرئيس التنفيذي في أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2016. وقد تضمنت خطة علان للخروج بالشركة من أزمتها التخارج من مشروعات الشركة بالسعودية والدول الأخرى في المنطقة، وهي الرؤية التي تم تقديمها للبنوك، إضافة إلى التخارج من المشروعات التي تعمل فيها دريك آند سكل كمقاول لأعمال الهندسة الميكانيكية والكهربائية والتوصيلات في الإمارات، وهو الأمر الذي أدى إلى انخفاض عدد العاملين في الشركة من 30 ألفاً في العام 2015، إلى نحو 18 ألفاً أواسط العام 2017.تضمنت الصفقة محو ثلاثة أرباع رأسمال الشركة لتقليص الخسائر البالغة 1.7 مليار درهم التي تكبدتها «دريك آند سكل» قبل العام 2017، مما أتاح لها فتح صفحة جديدة، وضخت «تبارك للاستثمار» 500 مليون درهم، والتي عند دمجها مع الأسهم التي اشترتها من الطبري في يونيو/ حزيران 2017، منحتها حصة مسيطرة (53%) في «دريك آند سكل».وتم الإعلان عن الصفقة في مؤتمر صحافي في الشهر نفسه، حيث تعهد أحمد كيلاني، الرئيس التنفيذي ل «تبارك» بضخ أكثر من 500 مليون درهم إذا لزم الأمر، وقال: «نحن ملتزمون بكل ما تحتاج إليه الشركة».وخلال أقل من عامين منذ رحيل علان، شهدت «دريك آند سكل» تعيين ورحيل 3 رؤساء تنفيذيين، إضافة إلى رئيسين لمجلس الإدارة. وفي الآونة الأخيرة استمر المدير المالي للشركة في منصبه لمدة شهرين فقط.وقالت مصادر تعمل داخل «دريك آند سكل»، إن الشركة كانت تفتقر إلى عنصرين رئيسيين لإحياء حظوظها، وهما الاتساق والنقد. وقال تقرير مجلس إدارة الشركة لعام 2017، والذي يظهر تكبد الشركة خسائر بلغت 1.18 مليار درهم عن إيرادات بلغت 2.75 مليار، إن «التأخر في تحصيل المال كان له أثر سلبي في رأس المال العامل لدينا، وأدى إلى زيادة مستويات الديون، مما رفع تكاليف التمويل».وعلى الرغم من ضخ بعض الأموال الجديدة، إلى جانب استثمار شركة «تبارك» للاستثمار، وبيع الشركة حصتها في مشروع نخلة جميرا إلى شريك بقيمة 300 مليون درهم في مارس/ آذار 2017، لم يحصل العديد من الموردين على أموالهم، وفقاً لمصادر نقلت عنها «زاوية». سعي متواصل لمقاضاة الإدارة السابقة والتحول إلى شركة ناجحة 2018-2019 كشفت حسابات «دريك آند سكل» في إبريل/نيسان 2019، عن خطورة الموقف الذي تواجهه، فبعد إعلان الشركة عن تكبدها خسائر ب 4.5 مليار درهم في عام واحد، أظهرت الميزانية العمومية وجود خسائر متراكمة تصل إلى 5 مليارات دولار، وعجز ب 4.78 مليار درهم، إضافة إلى تصفية عمليات الشركة في الهند وسلطنة عُمان لتستكمل عمليات التخارج من الأسواق الإقليمية.ومما أثار القلق كذلك وفق بيان الشركة أن مدققي الحسابات في «إيرنست آند يونج» لم يتم تزويدهم بالحسابات الكافية والملائمة لاستكمال عملية تدقيق حسابات ثلاث شركات تابعة ل«دريك آند سكل»، كما أنهم لم يتمكنوا من الحصول على جميع الحسابات البنكية المطلوبة؛ للتحقق من أرصدة الشركة والتزاماتها المالية.جاء في بيان «دريك آند سكل» عقب نشر نتائجها المالية في 30 إبريل/نيسان 2019، أن التقرير المقدم إليها والذي شكل أساس خطة إعادة الهيكلة لعام 2016، استند إلى معلومات كاذبة عن قيمة الأعمال المتراكمة وربحية المشروعات ونسبة إنجاز المشاريع. كما ذكرت الشركة أن التقرير أغفل حجم القضايا القانونية التي تواجهها، والتي تتجاوز بكثير ال500 مليون درهم التي تم ضخها في رأسمال الشركة، مشيرةً إلى ارتفاع مستوى الأموال غير القابلة للتحصيل والديون العالية لديها.وقالت الشركة في البيان إنها ستواصل أداء واجباتها بالكامل؛ لحماية حقوق المساهمين والسعي لمقاضاة الإدارة السابقة واتخاذ جميع التدابير اللازمة لتحويل «دريك آند سكل» إلى شركة ناجحة ذات عوائد قابلة للتحقيق لجميع المساهمين. ورغم رفض خلدون الطبري الاتهامات الموجهة إليه، إلا إن الملف الآن في عهدة السلطات القضائية التي تنظر فيها.وقال موظفان لا يزالان يعملان في الشركة، إن رواتبهم متأخرة منذ 6 أشهر، وتظهر المستندات التي اطلعت عليها «زاوية» أنه بحلول نهاية عام 2018، كانت الشركة مدينة بأكثر من 220 مليون درهم من الرواتب غير المدفوعة، منها أكثر من 100 مليون درهم مستحقة لموظفيها في دولة الإمارات. وأوضح أحد الموظفين إن الكثير منهم تركوا الشركة وقدموا مطالبات بالمبالغ المستحقة؛ حيث تراجع عدد الموظفين إلى حوالي 4400 موظف.
مشاركة :