تراجعت فرص استئناف العملية السياسية في ليبيا ووقف إطلاق النار في طرابلس بعد أن عجز مجلس الأمن عن إصدار موقف قوي يجبر القوى المتصارعة على العودة إلى المفاوضات التي سرعان ما خفت الحديث عنها مقابل تصاعد الأعمال القتالية. وقال القائد العام للجيش الليبي المشير خليفة حفتر لصحيفة “لو جورنال دو ديمانش” الفرنسية إنه يستبعد وقف إطلاق النار في القتال الدائر للسيطرة على العاصمة طرابلس. وأضاف حفتر للصحيفة أن الحل السياسي لا يزال هو الهدف لكن العودة إليه مرهونة بالقضاء على الميليشيات. وتعهد القائد العام للجيش الليبي بالعفو عن المسلحين الذين يسلمون سلاحهم وأنفسهم لقواته، مؤكدا أنه سيمنحهم الأمان.وتابع “إن الحل يتمثل في بسط السلم والأمن في طرابلس. وفي حال سلمت الميليشيات أسلحتها، لن تكون هناك حتى حاجة إلى وقف إطلاق النار”. وبدد حفتر الآمال بوقف القتال التي ظهرت عقب تصريحات لرئيس الحكومة المؤقتة (غير معترف بها دوليا) عبدالله الثني، أكد خلالها استعداد الجيش لاستئناف المفاوضات دون شروط مسبقة. وقال مسؤول فرنسي لـ”رويترز” إن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون طلب من حفتر خلال اجتماع عقد في باريس الأسبوع الماضي اتخاذ خطوة علنية صوب وقف إطلاق النار لكن المحاولة لم تسفر عن نتيجة إيجابية. وكان حفتر أكد عقب لقائه بماكرون أن شروط وقف إطلاق النار “لم تكتمل بعد” في ليبيا. وأبلغ حفتر ماكرون بأنه سيكون مستعدا لنقاش سياسي شامل عندما تكون الظروف مواتية لوقف إطلاق النار. لفت حفتر إلى أن “الجيش لا يستفيد من مبيعات النفط في شرق البلاد”، وهو ما اعتبره محللون تصريحا قد يعطي منحى آخر للحرب الدائرة على تخوم العاصمة، ويجعل توقفها القريب احتمالا مستبعدا. وتطرح فرنسا مقترحا لوقف إطلاق النار في طرابلس كانت قد أعلنت عنه عقب زيارة رئيس المجلس الرئاسي لحكومة “الوفاق” فايز السراج إلى باريس مطلع الشهر الحالي. ويبدو أن باريس فشلت في إقناع كلا الطرفين بهذا المقترح. وقال المكتب الإعلامي للرئاسة الفرنسية عقب زيارة فايز السراج إلى باريس، الأسبوع الماضي، إن إيمانويل ماكرون شدد على ضرورة حماية السكان المدنيين، وقدم مقترحا لتحديد خط لوقف إطلاق النار تحت إشراف دولي. كما اقترحت الرئاسة الفرنسية إجراء تقييم لسلوك المجموعات المسلحة في ليبيا، بالتعاون الوثيق مع الأمم المتحدة وهو ما اعتبر خطوة تكتيكية من باريس لإثبات تخفّي حكومة “الوفاق” خلف جماعات فوضوية ومتطرفة. وسبقت مباحثات حفتر مع ماكرون جولة أخرى في روما مع رئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي الأسبوع قبل الماضي. وأكد كونتي عقب اللقاء أنه يعمل على وقف إطلاق النار. وتفاقم مواقف المبعوث الأممي غسان سلامة التي توصف بـ”الانحيازية” التعنت ورفض استئناف المفاوضات تحت رعاية أممية. واتهم المشير خليفة حفتر الأمم المتحدة بالسعي لتقسيم ليبيا، مشددا على أن غسان سلامة تحول إلى “وسيط منحاز” في النزاع الليبي. وكان مبعوث الأمم المتحدة قد حذر في 21 مايو من أن معركة الوصول إلى طرابلس تشكل “مجرد بداية حرب طويلة ودامية”، داعيا إلى اتخاذ إجراءات فورية لوقف تدفق الأسلحة الذي يؤجج القتال بالبلاد. وشدد سلامة حينئذ أمام مجلس الأمن الدولي على أن “ليبيا على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية يمكن أن تؤدي إلى الفوضى أو الانقسام الدائم للبلاد”. وقال حفتر في المقابلة مع “لوجورنال دو ديمانش”، “تقسيم ليبيا، ربما هذا ما يريده خصومنا. ربما هذا ما يبتغيه غسان سلامة أيضا”. أضاف “لكن طالما أنا على قيد الحياة، فلن يحدث هذا أبدا”. وأشار حفتر إلى أن سلامة يواصل الإدلاء “بتصريحات غير مسؤولة”، قائلا “لم يكن هكذا من قبل، لقد تغيّر”، ومعتبرا أن الأخير تحول “من وسيط نزيه وغير متحيز” إلى “وسيط منحاز”. ويتوقع مراقبون أن تؤثر أزمة الثقة هذه بين البعثة الأممية والقيادة العامة للجيش الليبي على فرص استئناف العملية السياسية.وفشل مجلس الأمن الشهر الماضي في الاتفاق على مشروع قرار يدعو إلى وقف لإطلاق النار في ليبيا والعودة إلى المحادثات السياسية لإنهاء النزاع. وبدورها ترفض حكومة “الوفاق” ومن خلفها الإسلاميون وقف إطلاق النار وتنظر إلى الخطوة على أنها هدية لحفتر في صورة ما تمت دون تطبيق شروطها المتمثلة في انسحاب الجيش من مواقعه التي نجح في السيطرة عليها منذ إنطلاق المعارك في 4 أبريل الماضي، وهو ما يصفه سياسيون محسوبون على الجيش بالشرط المستحيل وغير الواقعي. وأمام هذا التعنت يتوقع مراقبون أن تحتدم المعارك على مشارف طرابلس خلال الأيام القادمة، لاسيما بعدما تحصلت ميليشيات طرابلس على شحنة أسلحة ومدرعات من تركيا. وفي الأثناء يتابع مراقبون باهتمام الأنباء عن زيارة حفتر لكل من موسكو وواشنطن خلال الأيام القليلة القادمة، ويرى هؤلاء أن هاتين الزيارتين ستكون لهما انعكاسات على الوضع الميداني والسياسي في ليبيا. وقال رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس النواب طلال الميهوب إن زيارة خليفة حفتر المرتقبة إلى روسيا ستتناول العديد من الملفات إلا أن أبرزها ضرورة مواجهة الإرهاب واتخاذ خطوات ومواقف واضحة من الدول الفاعلة والمؤثرة تجاه ما تقوم به تركيا وقطر من عمليات نقل الأسلحة والذخائر والمقاتلين الأجانب إلى الأراضي الليبية. وتابع “إيقاف المعركة في طرابلس بات صعبا في ظل التطورات، وعملية الاقتحام الكبيرة قد تحدث في أي لحظة إلا أن القرار العسكري يعود إلى القادة في الميدان”. وتتواتر الأنباء حول زيارة مرتقبة لخليفة حفتر إلى الولايات المتحدة. وذكرت مصادر ليبية مقربة من القيادة العامة للجيش الليبي تحدثت لـ”العرب” في تصريحات سابقة أن عددا من مستشاري المشير حفتر يتواجدون حاليا في واشنطن لوضع اللمسات الأخيرة لإنجاح الزيارة.
مشاركة :