نار إيرانية تحت رماد إفريقيا

  • 5/28/2019
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

قد لا يبدو الخوض في غمار الحديث عن الدور الإيراني في إفريقيا مهما کما هي الحال مع البرنامج النووي الإيراني وملف تدخلاته في بلدان المنطقة وملف تورطه في النشاطات الإرهابية ووصولها إلى حد أن يتم إدراج شعب في وزارة الاستخبارات الإيرانية ضمن قائمة المنظمات الإرهابية من جانب الاتحاد الأوروبي، لکن وعند الدخول في تفاصيل الدور الإيراني في إفريقيا وسبر غوره تظهر أمامنا أمور وحقائق تدل على أن الدور الإيراني في إفريقيا ليس بأقل خطورة من تدخلاته في بلدان المنطقة ولا من قضية تورطه في النشاطات الإرهابية، فثمة خيط يربط بين هذه الأمور ويجعلها تسير بنسق واتجاه محدد له. *إفريقيا منطقة دسمة لأطماع الولي الفقيه الدور الإيراني المريب في إفريقيا ليس حديثا کما قد يتبادر إلى ذهن البعض، بل إنه قديم نسبيا، بل يعود إلى عهد الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني الذي وجه عنايته للقارة الإفريقية وأولاها اهتماما لافتا للنظر وإن أولى خطواتها العملية قد بدأت بعد الزيارة التي قام بها للسودان في عام 1991، أي بعد عامين من إطاحة عمر البشير بحكومة الصادق المهدي، حيث مثلت زيارة رفسنجاني للسودان، دعما كبيرا لحكومة البشير التي كانت تعيش حالة أشبه بالعزلة جراء الحصار الذي يفرضه عليها المجتمع الدولي. هذه الزيارة، وکما أثبتت الأحداث والتطورات فيما بعد، قد هيأت الأرضية المناسبة لعهد جديد في علاقة إيران بإفريقيا والعمل من أجل إيجاد نقاط للانطلاق من أجل مد وبسط النفوذ الإيراني فيها، حيث إن التوسع الإيراني قد مضى قدما ليشمل دولا إفريقية أخرى مثل جنوب إفريقيا وكينيا وتنزانيا وزيمبابوي وأوغندا ونيجيريا والنيجر والكاميرون والسنغال وجزر القمر والصومال وجيبوتي وغانا. لم تکن زيارة رفسنجاني للسودان بالزيارة اليتيمة والوحيدة لإفريقيا، بل أعقبتها زيارات أخرى كزيارة الرئيس الأسبق محمد خاتمي لعدد من الدول الإفريقية التي أعطت دفعا جديدا للعلاقات مع هذه الدول من خلال تأسيس أطر ولجان مشترکة ألقي على عاتقها مهمة متابعة الاتفاقيات بين إيران وهذه الدول، وبعد ذلك فترة حکم أحمدي نجاد التي شهدت عدة زيارات لإفريقيا، کانت على الأغلب ذات طابع أيديولوجي وحتى عهد الرئيس روحاني الذي أوفد وزير خارجيته محمد جواد ظريف في عدد من الزيارات لشرق إفريقيا في شتاء 2014، وزيارة أخرى إلى دول شمال إفريقيا في صيف 2015، إضافة إلى جولته الأخيرة في دول غرب إفريقيا في شهر يوليو 2016، ولعل هذه الزيارات المتعاقبة تعكس رغبة النظام الإيراني في المضي قدما في توطيد علاقاته مع أكبر عدد من الدول الإفريقية. الملاحظة المهمة التي يجب علينا أن نذکرها هنا ونأخذها بعين الاعتبار والأهمية، هي أنه كان للحرب الأهلية اللبنانية إبان القرن الماضي أثر في ذلك عن طريق هجرات بعض من الشباب اللبناني الشيعي للخارج والتي كان منها إفريقيا، فكانت إحدى العوامل التي ساعدت على التغلغل الإيراني، حيث كانت الحرب الأهلية في لبنان (1975- 1990) سببا رئيسيا للهجرة خارج البلاد، حيث قاربت حوالي خمسين ألف نسمة سنويا في فترة (1975¬ 1980)، فقامت إيران باستغلالها على أفضل ما يکون عن طريق حزب الله من أجل تفعيل دورها ونفوذها عمليا في إفريقيا. *السودان ونيجيريا بوابتا إيران للتغلغل في العمق الإفريقي ومع أن الترکيز الإيراني کان على السودان ونيجيريا، حيث إن الأولى تتمتع بموقع جيواستراتيجي دفع إيران للاهتمام بها، خصوصا وأنها کانت مهملة عربيا، علما أن السودان يعتبر البوابة الشرقية لإفريقيا، لهذا السبب عملت إيران کي تجعل منه قاعدة لتمد نفوذها منها على بقية الدول الإفريقية، أما نيجيريا، فإن أهميتها حساسة، لأنها تکتسب أهمية خاصة في علاقات إيران بدول غرب إفريقيا، إذ إن نيجيريا بها كثافة سكانية عالية، وأكثر من نصف سكانها من المسلمين، كما تتمتع بأهمية استراتيجية واقتصادية باعتبارها من أهم الدول المنتجة للنفط في القارة، کما أنه يوجد في نيجيريا مناصرون للنظام الإيراني ومتعاطفون معه، فضلا عن وجود آلاف الشيعة الذين تأثروا بحركة التشيع التي تبنتها إيران بعد انتصار الثورة. *أطماع إيرانية لا حدود لها دفعها بإيجاد موطئ قدم في شمال غربي قارة إفريقيا ومن نيجيريا، امتد الدور الإيراني في إفريقيا باتجاه الدول الواقعة شمال غربي قارة إفريقيا من خلال تناول دولتين هما الجزائر والسنغال، الأولى لأنها دولة عربية والثانية، بعد تجنب المثال البارز على التمدد الإيراني وهي دولة نيجيريا، لأنها تقع في أقصى غرب قارة إفريقيا. وفي الجزائر لم يشکل الدور الإيراني صداعا فحسب وإنما صدمة كبيرة، علما أن العلاقات الإيرانية ـ الجزائرية کانت قد تدهورت سابقا بعد أن اتهمت الجزائر طهران بدعمها لـ "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" التي حلتها الحكومة بشكل رسمي في مارس 1992، وتصاعدت الخلافات؛ بسبب التدخل الإيراني في الشؤون الجزائرية، إلى أن قطعت العلاقات بشكل رسمي عام 1993، ثم عادت في سبتمبر 2000 بعد لقاء جمع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ومحمد خاتمي آنذاك، وسارت العلاقات بعد ذلك بشكل إيجابي بين الطرفين. أما في السنغال، فقد استغلت إيران الحركات الصوفية هناك للتمدد أكثر داخل المجتمع، فقامت بدعم العديد من المؤسسات التعليمية والدينية وأنفقت على الطلبة داخلها بسخاء وما زالت. فعلى سبيل المثال قامت جامعة المصطفى العالمية الإيرانية، التي تخضع لإشراف المرشد الأعلى الإيراني نفسه، بافتتاح فرع لها في السنغال إلى جانب مؤسسات أخرى مثل "مزدهر" و"الفجر"، وعلى إثر ذلك، بات لإيران في السنغال، العديد من المدراس والحوزات والدعاة، فيما بات اختلاف على عدد الشيعة هناك، علما أننا نٶکد أن هذا التمدد الإيراني وبهذه الصورة لم يکن من أجل خدمة ورفعة الشعب السنغالي، بل من أجل تحقيق أهداف خاصة، لاسيما وأن الدور الإيراني في السودان قد رافقه تحرك ملفت للنظر للتمرکز في القرن الإفريقي، خطر بات يهدد دول البحر الأحمر بشاطئيه، وإن منطقة القرن الإفريقي لا تمثل أهمية كبيرة لإيران فحسب ولكن لجميع دول العالم المهتمة بتوطيد أقدامها في منطقة الشرق الأوسط والشام؛ وذلك للموقع الاستراتيجي المهم والحيوي الذي تمتلكه جزر هذه الدول والتي يمكن من خلاله التحكم في حركة الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس ومنها إلى الشرق الأوسط وأوروبا. *إثيوبيا ورقة إيرانية للضغط على مصر ومقايضة مواقفها والنقطة الأهم في مقالنا هذا، هو الدور الإيراني في إثيوبيا التي ترتبطها علاقات قوية مع إيران، وعلى الرغم من عدم وجود نسبة كبيرة من المسلمين داخل إثيوبيا إلا أن إيران تحاول جاهدة تعزيز العلاقات مع إثيوبيا بشتى الطرق، ومن خلال الزيارات المتكررة لمسؤولين إيرانيين كبار، تسعى طهران إلى إيجاد موطئ قدم ثابت لها في إثيوبيا، يساندها في ذلك التعاون الاقتصادي الذي وصل حجمه إلى 35 مليون دولار عام 2007 بعد أن كان 19 مليون دولار عام 2004، ومنذ تولي حسن روحاني رئاسة إيران عام 2013، سعت طهران إلى تقوية العلاقات السياسية مع إثيوبيا وتكرار زيارات كبار المسؤولين الإيرانيين إلى أديس أبابا والتي نتج عنها عقد العديد من اتفاقيات التعاون الاقتصادي بين الجانبين. ويأتي أخطر ما يمكن الحديث عنه من الدور الإيراني في إثيوبيا والذي يمثل تهديدا مباشرا لمصر، هو حديث تقارير عن محاولة إيران المشاركة في بعض المشروعات المائية والزراعية والكهربائية التي تريد إثيوبيا القيام بها والتي تؤثر بشكل مباشر على مياه النيل، وليس من حق أديس أبابا القيام بها لإضرارها بباقي دول حوض النيل. إن ما يمثل خطرا على المصالح المصرية هو رغبة إيران في مقايضة الدور المصري الداعم لدول الخليج العربي من خلالها محاولة دعم إثيوبيا في بناء سدود بشكل غير قانوني من الممكن أن يؤثر على حقوق الدول الأخرى في المياه كمصر والسودان. *إيران وإسرائيل مصالح متقاطعة للهيمنة على إفريقيا والجدير بالذكر هنا أن المصالح الإسرائيلية تلتقي مع المصالح الإيرانية في هذا الصدد، فإسرائيل تحاول بشكل كبير زيادة استثماراتها فى عدد من دول القارة الإفريقية، خاصة دول حوض النيل، حيث تقدم الدعم المالي لقيام استثمارات خاصة بها في إثيوبيا. من هنا، فإن هناك ناراً إيرانية مستعرة تحت رماد إفريقيا، وإن هذا الدور والتحرك لا يهدد طرفا أو جهة معينة بحد ذاتها بل إن تهديده شامل وغير عادي على أکثر من صعيد وإن إهماله وعدم التصدي له بجدية سوف يکون له آثار ونتائج وتداعيات سيئة إلى أبعد حد.

مشاركة :