يقدم المسلسل السوري “دقيقة صمت” أجواء خاصة مليئة بالتشويق، تلامس مناطق حساسة. وقد بدأت بوادر الصدام بين مؤيد للعمل ورافض له منذ أواسط حلقاته، حيث تعالت أصوات عارضت العمل، وأخرى على الطرف الثاني أيدته. ويبدو أن كاتب المسلسل سامر رضوان صاحب “لعنة الطين” و”الولادة من الخاصرة”، أراد أن يفعلها مجددا ويضع الجمهور السوري والعربي على محك الحدث الساخن. ففي أجواء صاخبة، ووسط كثير من الأخذ والرد، يتابع الجمهور السوري المسلسل، الذي يعرض على قنوات عربية ومواقع النت، ويسجل حضورا طاغيا، وخلف كل حلقة تشتعل مواقع التواصل الاجتماعي للحديث عنه، متابعة إياه في أدق تفاصيله. جدل حول العمل المؤيدون له، رأوا فيه صورة حقيقية عن الواقع وأنه ينقل أحداثا يعيشونها بشكل يومي، أما المعارضون له، فيرون أنه يندرج تحت فكرة التزييف والغوغائية التي تتربص بسوريا عبر جهات عربية وعالمية. ويبدو أن الجمهور السوري قد صار مستقطبا حتى في موضوع الدراما، الأمر الذي تبين بوضوح في متابعة هذا المسلسل. سامر رضوان كاتب العمل عبّر عن تقديره للجمهور الذي يتابعه، وقدم تصريحات نارية خصّ بها الشارع السوري، الأمر الذي حذا بطرفي جهة الإنتاج (هلال أرناؤط والصباح) لنشر بيان صحافي تبرآ فيه من كلام الكاتب، وأكدا على الصبغة الاجتماعية للعمل، مما استدعى إيضاحا خاصا عن الموضوع قدمه الكاتب مع ملف فيديو قصير على صفحته الشخصية على الفيسبوك. وتحت ضغط الكثير من صيحات الاعتراض التي أطلقت هنا وهناك داخل سوريا، مستفسرة عن كيفية تصوير العمل داخلها، قدمت وزارة الإعلام السورية بيانا توضيحيا حول ذلك. قالت فيه ما معناه “أنها راقبت النص وسمحت بتصويره، لكنها لم تطلع على مواد الفيديو التي صورت نهائيا، وأنها لاحقت الجهة المنتجة على ‘إخلالها’ بقواعد العمل الفني، كونها لم تقدم لها الحلقات”. أما الوسط الفني في سوريا فيتابع العمل باهتمام، وقد انقسم هذا الوسط بين مؤيد له ومعارض، كما هو حال الاستقطاب الموجود في كل المجتمع السوري، ويبدو أن العمل أحدث انزياحات في تموضع الاستقطاب، فمال البعض من معارضيه فكريا إلى رفض الحملة التي تثار ضده الآن وكذلك على بيان وزارة الإعلام الذي صدر عن الموضوع. يقوم العمل على تقديم مجموعة من الشخصيات التي تتعارض في مصائرها حينا وتتلاقى حينا آخر في أجواء تشويقية حارة، كما يكشف عما يقوم به بعض المتنفذين في السلطة من كوادر الوظائف المدنية العليا والبعض الآخر ممن يعملون في سلك الشرطة من تجاوزات قانونية تصل حد العبث بحياة الناس ومصائرهم وذلك عبر شخصيتين أساسيتين، هما أمير ناصر المحكوم والهارب من السجن والعميد غسان شاهين ضابط في الشرطة. المؤيدون للمسلسل رأوا فيه صورة حقيقية عن الواقع وأحداثا يعيشونها، أما المعارضون له، فيرون أنه تزييف وغوغائية أمير ناصر (عابد فهد) هو الشخصية المحورية في العمل، يواجه مصيرا مأزوما بعد أن قادته حميته في الدفاع عن بعض المظلومين إلى صدام عنيف مع مسؤول كبير في جهاز الشرطة والذي يقابل الناس بالتعالي والقسوة، ولا يلبث هذا الصدام أن ينتهي بقتل هذا الرجل لابني المسؤول أمام عينيه، بعد أن تسبب الأخير باعتقال والدته ثم موتها، فيقبض عليه وينال حكما بالإعدام، هو ونزيل آخر لبناني الجنسية. وبسبب خطورتهما على بعض المتنفذين في البلد، يهربان من السجن، بمعية العميد غسان (خالد القيش) الذي يعد مؤامرة محكمة على مدير السجن (جهاد سعد) الذي قاوم بكل قوته تلك المؤامرة، ويهرب العميد غسان السجينين بسيارته تمهيدا للتخلص منهما، ويتم تنفيذ حكم الإعدام بسجينين آخرين بديلين. لتبدأ سلسلة الأحداث وفق حالة تصاعدية من التشويق تصل بالمتابع إلى مراتب عليا من الإثارة. والشخصية الهامة المقابلة في العمل هي العميد غسان، الذي يمثل حالة شخصية لرجل من الأمن الذي يسير مع بعض الجماعات النافذة في البلاد للوصول إلى تحقيق مصالح شخصية ولو على حساب الآخرين.يحمل المسلسل عوامل التميز منذ ارتسام أول ملامحه، فالمشاركون فيه، هم مبدعون، يشهد لهم تاريخهم الفني بالكثير من التألق. فكاتبه سامر رضوان صاحب النصوص الهامة في تاريخ الدراما السورية “لعنة الطين”، “الولادة من الخاصرة” بأجزائه الثلاثة. ومخرجه شوقي الماجري، الفنان التونسي الذي عمل مطولا في الدراما السورية سابقا، والعربي الوحيد الذي نال عن مسلسله “الاجتياح” جائزة “Emmy Award“ وهو إنتاج أردني وشارك فيه نخبة من الفنانين العرب معظمهم سوريون على رأسهم عباس النوري. الإنجاز الذي حققه الماجري لم يتكرر لاحقا إلا بوصول المسلسل السوري “بانتظار الياسمين” إلى القائمة القصيرة لنفس الجائزة، والذي كان من إخراج سمير حسين. أما أبطال “دقيقة صمت” الأساسيون فهم عابد فهد، خالد القيش، جهاد سعد، فايز قزق والعديد من الفنانين الآخرين. وهم من الأسماء الهامة في حركة الدراما السورية. خالد القيش الذي تثار حول شخصيته معظم حالات النقاش الحار، أدى دور العميد عصام، وقد أصاب في أدائها نجاحا كبيرا لفت الأنظار إليه، وهو الموقف الذي عبر عنه كاتب النص ذاته حينما كتب “عندما أخبرني المخرج التونسي الكبير شوقي الماجري، عن نيته في إسناد دور العميد ‘عصام شاهين’ للفنان خالد القيش، شعرت بالخوف، قلت له: هذه مغامرة قد تودي بنا إلى الجحيم، إن لم يلعب الشخصية كما ينبغي، وعدني أبوعمار وقتها بأن يبذل كل ما باستطاعته لإثبات صحة وجهة نظره، التي وافقته عليها بعد مضي يومين على الاقتراح. اليوم أنا ممتن لشوقي، فقد كسب خالد القيش الرهان، وجعلنا نكسب معه، وأثبت أنه ممثل بحجم غيمة.. مبروك خالد”. بانتظار الحلقات الأخيرة من مسلسل “دقيقة صمت”، تسود حالة من الشغف لدى الجمهور، لمعرفة ما قد تسفر عنه من متغيرات في الأحداث والتوجهات.
مشاركة :