أوروبا.. «ثلاثية الخطر» تهدد بقاء «الاتحاد»

  • 5/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بهاء محمود * مناقشات تدور في أروقة الاتحاد ومراكز البحوث، وفي جنبات الدول الأوروبية، تفكر هل أوروبا حقاً إلى زوال، هل بعد 60 عاماً من تأسيس الاتحاد، صارت هناك تهديدات وجودية، هل الأخطار الاقتصادية والأمنية والسياسية وغيرها من التحديات كفيلة بهدم الكيان الأوروبي، أم أنه يملك من العوامل الداخلية ما يبقيه طويلاً وقادراً على تنفيذ أجندته ومؤثراً في خريطة القوى الدولية ولو بنسب ضئيلة؟ «الاتحاد يواجه خطراً وجودياً» هذا ما قاله الرئيس الفرنسي ماكرون لإحدى الصحف الإقليمية الفرنسية، على خلفية الدعوة للمشاركة في الانتخابات الأوروبية، يتزامن تصريح ماكرون مع لقائه رئيس وزراء البرتغال «أنطونيو كوستا» ودعوة الرئيس الفرنسي إلى إنشاء تحالف كبير من التقدميين لمحاربة من أسماهم «أولئك الذين يريدون تدمير أوروبا من خلال القومية»، إذن الخطر الواضح هنا هم القوميون، لا سيما سعيهم إما لتغيير محور القيادة الألماني- الفرنسي، أو الدعوة لهدم الكيان برمته، وذلك من المتعارف عليه في خطاب وأيديولوجية الشعبويين المعلنة منذ ظهورهم، لكن الجانب الناقص من المشهد يفترض تساؤلات ملهمة، هل الشعبويون وحدهم الخطر أم هناك غيرهم يريد هدم الاتحاد؟ تبدو الإجابة بسيطة، فالشعبويون ليسوا وحدهم بل هناك العديد من الأطراف، وتذهب أدلة الاتهام لترامب- وليس أمريكا عامة- وروسيا والصين، لاسيما أن الشعبويين ليسوا كياناً متحداً، منهم من تربطه علاقات قوية مع روسيا تصل لدرجة التمويل والإعجاب بشخص بوتين، ومنهم من يرى حجم الخطر الروسي ويعمل على مواجهته عسكرياً أو اقتصادياً، من هنا يمكن النظر في خلفية خطر الشعبويين أولاً، ومدى قوتهم، مع قراءة مسارات القوى الأخرى المعادية لأوروبا، حتى يتبين كيف يكون الخطر الوجودي على أوروبا جلياً أن من وقائع الفساد المالي مؤخراً، والتي وقع فيها نائب المستشار النمساوي «شتراخه» زعيم حزب الحرية النمساوي، كونه ظهر له تسجيل يتفق مع سيدة روسية للحصول على تمويلات مقابل المساهمة أو تسهيل عقود اقتصادية لروسيا، كون السيدة من الطبقة العليا في روسيا، ومن قبل شتراخه، كانت هناك اتهامات لماريان لوبان وحزبها في الحصول على قروض وتسهيلات من بنك له علاقة بروسيا في حملة الانتخابات الفرنسية عام 2017.ومن فرنسا لبريطانيا حيث تورط نايجل فارج في تمويل غير قانوني على شكل تبرع في حملات الاستفتاء على بريكست عام 2016، أما عن ألمانيا فتحدثت منظمة «لوبي كونترول» في مارس الماضي عن الاشتباه في استفادة بعض قادة حزب البديل مثل جيدو رايل، يورج مويثن من تمويلات سرية، فيما حكم على مؤسس حزب ليجا الإيطالي «أومبرتو بوسي» بالسجن بتهمة اختلاس أموال الحزب، كما فرض على سالفيني تسديد مبلغ 49 مليون يورو للدولة، وكذلك الأمر في بولندا والمجر ورومانيا استشرت فضائح المال السياسي التي برهنت على علاقات غير شرعية مع روسيا في أغلب الحالات، لاسيما ومطالبات العديد من قوى الشعبويين برفع العقوبات على روسيات في الوقت الذي سيطرت فيه روسيا على جزيرة القرم هذا ليس في الحزب بل تتحدث التقارير الأوروبية عن 100 قناة على موقع يوتيوب تروج لخطاب الكراهية وتنشر رسائل متطرفة تهاجم الإسلام والمهاجرين فضلاً على مهاجمتها للاتحاد الأوروبي، وهذه القنوات ترعاها أحزاب شعبوية وجماعات دينية تقوم بتكتيكات يعرف عنها استخدام روسيا لها، بحسب ما نشر مركز الحوار الاستراتيجي البريطاني، اللافت للنظر هنا تعدد المسارات التي تستخدم في الحرب على أوروبا من تمويل لحروب إلكترونية لحروب نفسية، والثابت فيها الدور الروسي والعلاقة الترابطية مع الشعبويين.في سياق متصل مثل ظهور ستيف بانون المستشار السابق لترامب، وقيادته لحملات انتخابات البرلمان الأوروبي داعماً الشعبويين وكأنه مواطن أوروبي شعبوي ويعاني الاتحاد الأوروبي، وقد يقول قائل إن بانون له خلاف مع ترامب مؤخراً وقد هاجمه الرئيس الأمريكي مراراً، إلا أن هذا الهجوم يمكن أن يكون مظلة ليتحرك بانون بحرية ويساهم في تقوية ودعم الشعبويين، لاسيما أن ترامب له من المواقف العدائية الكثيرة ضد الاتحاد الأوروبي على مختلف الصعد، فترامب الذي يشغله دائماً بريكست ويروج دائماً لضرورة انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي، على الرغم من أن بريطانيا كانت دائماً صوت أمريكا في الاتحاد الأوروبي، سواء كانت الإدارة الحاكمة من الديمقراطيين أو الجمهوريين، فضلاً على رعاية أمريكا لمشروع الاتحاد الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية.بالإضافة لما سبق تمثل الحرب التجارية، التي يضغط بها ترامب على الاتحاد الأوروبي، خطراً كبيراً على مصالح الاتحاد الأوروبي، ولا تتوقف عدائية أمريكا أو محاولات تقويضها لأوروبا عبر تصريحات وإجراءات ترامب، بل الجهود الدبلوماسية التي يقودها بومبيو وزير الخارجية الأمريكي فمنذ شهور قليلة تناول بومبيو العشاء في المجر مع فيكتور أوربان، في محاولة إعادة رسم خريطة أوروبا السياسية للتوافق مع رؤيته «للديمقراطية غير الليبرالية»، مع العلم أن اوروبان وبومبيو يختلفان على روسيا، لكنهما متفقان ضد الاتحاد الأوروبي. من جهتها نشرت «دويتشه فيله» تقريراً صادماً ومعبراً عن رؤيتها لشكل العلاقات الأوروبية الأمريكية.مع تأكيد الرفض العلني لألمانيا تولى ترامب رئاسة أمريكا في الانتخابات الماضية، عنونت دوشته فيله التقرير قائلة «ترامب وتحطيم الاتحاد الأوروبي.. عندما يحمل الحليف معول الهدم» هذا العنوان وحده كافٍ للتعبير عما يمثله ترامب من خطر على الاتحاد الأوروبي، وسرد التقرير عدة محطات للخلافات العميقة من أزمة الخروج من اتفاقية باريس للمناخ والاتفاق النووي مع إيران وكذلك زيادة الإنفاق العسكري في حلف الناتو، فيما ترى دوشته فيله أن ترامب يعادي فقط الاتحاد وليس دول أوروبا، فبحسب ترامب فرنسا حليفته الأولى، ومع فرض صدق نوايا ترامب، أليس من المنطقي أن هدم الاتحاد سوف يضر دول أوروبا حليفة ترامب؟وعلى النقيض من تصريحات ترامب المتباينة والعشوائية على وجه الخصوص، فإن تصريحات وزير المالية الفرنسية مع قناة «بي إف إم تي في» التلفزيونية، والتي قال فيها «ولأول مرة منذ 1945، تريد الولايات المتحدة أن يختفي المشروع الأوروبي ويضعف»، وأضاف أن «الولايات المتحدة لا تريد سوى أوروبا ضعيفة ومنقسمة». ومن هذا التصريح يتضح جلياً كيف تفكر فرنسا في أمريكا ترامب وكيف تراها خطراً وجودياً لا يقل عن الشعبويين.ومن هنا يمكن القول إن ثلاثية الخطر على الاتحاد الأوروبي تكمن في الشعبويين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية، وإن الرابط هو علاقات الشعبويين مع روسيا من جانب ومع الولايات المتحدة الأمريكية من جانب آخر، وكأن أمريكا وروسيا أعداء في كل شيء إلا الاتحاد الأوروبي يعملان سوياً.وقد تشكل نتائج انتخابات البرلمان الأوروبي التي حققت فيها أحزاب اليمين المتطرف اختراقاً واضحاً مقدمة للهجوم على الاتحاد الأوروبي بغية تقويضه.. والمعضلة الآن: كيف تستطيع أوروبا الخروج من كماشة بوتين وترامب واليمين؟*كاتب مصري

مشاركة :