لم تختلف كثيرًا مهام العمدة، الإدارية منها والاجتماعية، وكذا الأمنية، في يومنا هذا عما كانت عليه قبل خمسة عقود ونيف، حينما كان عدد المساكن بمن فيها بالعشرات؛ بالإمكان حصرها ومتابعتها برمقة بصر. فأما ما آل إليه الوضع الآن من تغيرات ديموغرافية، وتمدد عمراني، قد بلغ عشرات الآلاف من المساكن، ومئات الآلاف من السكان في الحي الواحد، فهو يفوق طاقة وإمكانات عمدة الحي؛ الأمر الذي قد تُحجب معه حقوق للأهالي؛ وذلك لاعتبارات تنظيمية ليس إلا.. كما قد تتعثر الخدمات النوعية المقررة للأهالي، فضلاً عن تراجع في أداء المسؤوليات الرسمية المعهودة للشيخ أو العمدة للسبب ذاته! العمدة رجل أمن وإدارة واجتماع من طراز متفرد.. هو موظف رسمي غير تقليدي.. متفرد في ارتباطه اجتماعيًّا وثقافيًّا بأهالي الحي؛ كونه منهم.. يحظى غالبًا بين الأهالي بمساحة تقدير رفيعة.. فنحسبه أيضًا متفردًا بسمعته ونبله. تحمل وثيقة أداء العمدة حزمة من المهام الإنسانية الاجتماعية، فضلاً عن الواجبات الأمنية والإدارية الأخرى؛ إذ يتولى فض المنازعات، وتقريب وجهات النظر بين المتخاصمين في الحي.. كذلك إصلاح ذات البين، ثم معالجة الخلافات الأسرية، فضلاً عن واجبه بتلمس احتياجات الأهالي الحيوية، ورفعها، ثم متابعتها لدى جهات الاختصاص.. بجانب ما يُعهد إليه من قضايا أمنية ومعاملات إجرائية من قِبل مرجعه.. فغالبًا ما يعمل العمدة على مدار الساعة بلا نائب أو مساعد! نتلمس مبادرات مديريات الشُّرط بالمناطق لتطوير وتجويد مخرجات مكاتب العُمَد؛ بحكم ارتباط وظيفة العمدة بوزارة الداخلية تنظيميًّا وماليًّا.. فحري بالمديريات العمل على إعادة هيكلة التفكير تجاه حوكمة مهامه بهدف الحفاظ على رونق الموروث الثقافي والصورة الذهنية لعُمَد الأحياء تماشيًا مع مقتضيات التغيير. ها قد حانت الفرصة لمن يريد، وأضحت مواتية تمامًا لتحقيق مستهدفات الرؤية وبرامج التحول الحكومي (الرقمي) والمؤسسي للمديريات.. وذلك بربط مكاتب العُمَد والمشايخ بمنصات النفاذ الإلكتروني من خلال قواعد البيانات الوطنية للسكان والمساكن. ولكي تتحقق تطلعات الأهالي المتنامية يستحسن تعزيز مكتب العمدة بنائب وضباط اتصال، يوزعهم العمدة على نطاقه السكني للمراجعة والتقييم المستمر، وما قد تفضي إليه مصلحة الأهالي مستقبلاً. فهل يشهد منصب العمدة تحولاً يوازي القفزات تجاه المستقبل؟
مشاركة :