إذا اندلعت الحرب بين أمريكا وإيران.. كيف ستكون؟ .. ما السيناريوهات المختلفة المتوقعة للحرب وكيف ستكون طبيعتها ومداها؟ .. ما النتائج المباشرة التي يمكن أن تترتب على الحرب، بالنسبة إلى إيران وبالنسبة إلى المنطقة ؟ .. إلى أي مدى سوف تذهب أمريكا في هجومها العسكري على إيران؟.. كيف سيكون الرد الإيراني على الهجوم الأمريكي؟ .. وماذا سيكون موقع دول الخليج العربية من هذه الحرب؟.. ما الذي يمكن أن تتعرض له؟ عدد كبير من الخبراء والمحللين ناقشوا هذه الأسئلة وقدموا إجابات عنها من وجهات نظرهم. سوف نعرض أهم ما قاله الخبراء والمحللون في هذا المقال، وصولا إلى ما يجب أن تفعله دول الخليج العربية. وفي كل الأحوال، ومهما تعددت الآراء والاجتهادات، هناك اتفاق عام على أن الحرب لو اندلعت، فسيعني هذا فتح أبواب الجحيم ليس على إيران وحدها وإنما على المنطقة كلها }}} سيناريو الحرب إذا اندلعت الحرب، كيف ستكون؟.. ما السيناريوهات المحتملة للحرب؟ الخبراء والمحللون العسكريون في العالم اهتموا في الفترة الماضية بتقديم تصورات مختلفة للسيناريوهات المحتملة للحرب. على سبيل المثال، الخبير العسكري الروسي وأستاذ العلوم العسكرية، كونستانتين سيفكوف، نائب رئيس الأكاديمية الروسية للعلوم الصاروخية والمدفعية، وضع 3 سيناريوهات للحرب بين إيران وأمريكا، السيناريو الأول: تقوم أمريكا بشن غارة جوية وصاروخية أمريكية محدودة النطاق بهدف تدمير المنشآت النووية الإيرانية. السيناريو الثاني: يتمثل في شن حملة جوية واسعة النطاق من أجل تدمير مرافق الاقتصاد الإيراني. السيناريو الثالث: يتضمن بدء حرب طويلة ضد إيران واحتلال أراضيها، عبر شن حرب واسعة النطاق بدخول القوات البرية إلى إيران، كما كان الحال أثناء حرب العراق. خبير عسكري عربي هو اللواء المتقاعد الدكتور فايز الدويري يرى أنه إذا نشبت حرب بين أمريكا وايران فستكون خاطفة، مضيفا أنه «على الرغم من أن التقارير أشارت إلى نية واشنطن إرسال 120 ألف جندي إلى المنطقة، فإن هذا العدد غير كاف لبدء حرب برية، بالتالي فهي ستكون خاطفة». وقال: «عندما تكون الحرب خاطفة فستكون سيناريوهاتها مختلفة، وسنتحدث عن أهداف محددة، ما بين 10 أهداف و15 هدفا استراتيجيا كمراكز سيادة وسيطرة ومفاعلات نووية وما شابه ذلك، ثم تصل إلى درجة أعلى لتصبح بالمئات يتم فيها إدراج الموانئ والمطارات والحرس الثوري، لتصل إلى أهداف قد تتجاوز الألف. وفي هذه الحالة تتم مهاجمة البنية التحتية الرئيسية». اغلب المحللين الغربيين يرجحون سيناريو الهجمات العسكرية الجوية الأمريكية المكثفة على الأهداف الإيرانية، ولفترة محدودة. وبشكل عام، هناك شبه إجماع بين الخبراء والمحللين على أمرين محددين بشأن الحرب: الأول: ان الحرب لن تكون حربا برية بأي معنى، وانما ستقتصر على الهجمات الجوية والصاروخية. الحرب البرية ضد بلد كبير مثل إيران تتطلب وفق تقديرات الخبراء حشد نحو مليون جندي أمريكي، وهذا امر مستحيل التحقق. وبالإضافة الى هذا، أمريكا ليست بحاجة الى القيام بغزو لإيران او الدخول في حرب برية كي تحقق أهدافها. هذه الأهداف يمكن ان تتحقق عبر الهجمات الجوية. والثاني: ان الحرب في التخطيط الأمريكي لن تكون حربا طويلة، بل محدودة المدى، تمتد ما بين بضعة أيام الى أسبوعين على الأكثر. وبالطبع، يتوقف أمد الحرب على طبيعة الرد الإيراني سواء في مواجهة أمريكا مباشرة او في المنطقة بشكل عام. }}} الدمار الرهيب اذا اندلعت الحرب، وفقا لأي سيناريو، كيف ستكون نتائجها؟.. ما الذي سيحل بإيران بالذات؟.. وما الذي سيحدث للمنطقة؟ معروف ان الرئيس الأمريكي ترامب هدد بمحو إيران من الوجود، وقال ان القيادة الايرانية اذا أرادت الحرب، فلن تكون هناك إيران. بالمقابل، هدد قادة الحرس الثوري الإيراني بإلحاق الهزيمة الساحقة بأمريكا إن هي شنت هجوما عسكريا على ايران، وقالوا ان بمقدورهم إغراق سفن أمريكا الحربية واستهداف قواعدها العسكرية في المنطقة، وان كل الجنود الأمريكيين الموجودين في المنطقة سيكونون في مرمى النيران الإيرانية. أين الحقيقة في كل هذا؟ الحقيقة انه وفق تقديرات اغلب الخبراء والمحللين انه اذا نشبت الحرب، وهاجمت أمريكا إيران، فإن الدمار الذي سيحل بإيران سيكون دمارا رهيبا بما يفوق التصور. يقولون ان هذا هو ما سوف يحدث بحكم التفوق العسكري الأمريكي النوعي الكاسح، ونوعية الأسلحة الرهيبة التي تمتلكها أمريكا وعدم قدرة إيران على التصدي لها. يجمع المحللون والخبراء على ان هذا الدمار الرهيب سوف يحل بكل مصادر ومواقع القوة العسكرية والاقتصادية والنووية الايرانية وبنيتها التحتية. الأستاذة والمحللة السياسية الأمريكية من أصل إيراني شيرين هنتر تطرقت الى التأثيرات الرهيبة للحرب على ايران، وقالت ان الهجمات الجوية الأمريكية العنيفة والمكثفة بمقدورها وحدها ان تدمر قدرات إيران العسكرية والاقتصادية والبنية التحتية. وقالت أيضا انه من الممكن ان تفكر أمريكا في السيطرة على بعض الموانئ الإيرانية على الخليج. ونقلت الكاتبة عن خبراء تقديرهم أنه اذا نشبت الحرب، فإن ايران ستكون بحاجة الى أربعين عاما كي تتعافى من الدمار الهائل الذي ستتعرض له في أي هجوم أمريكي. واعتبرت انه من الوارد أيضا ان تتمزق ايران الى أجزاء او تغرق في الحرب الأهلية. وقالت الكاتبة ان أمريكا أيضا ستدفع بلا شك ثمنا فادحا نتيجة الحرب، كما ان دول الخليج العربية ستتضرر بشدة من الحرب، ولكن كل هذا لا يمكن ان يقارن بالثمن الذي ستدفعه إيران. ولهذا، توجه الكاتبة انتقادات حادة إلى المحللين الغربيين الذين يخدعون ايران ويضللونها حين يقولون، وهم جالسون في مكاتبهم المريحة، ان الحرب ستكون مدمرة لأمريكا، وان ايران ليست العراق وان ايران بمقدورها إلحاق الهزيمة بأمريكا.. وهكذا. بطبيعة الحال، ليس معنى ان المحللين والخبراء يقدرون ان ايران سوف يحل بها دمار هائل، انها ستقف مكتوفة الأيدي في الحرب، او أنها لن ترد او أن أمريكا لن تلحق بها خسائر هي ودول المنطقة. جانب كبير من تقديرات كيف ستكون الحرب ونتائجها يتوقف إذن على طبيعة الرد الإيراني على أي هجوم أمريكي. فكيف سيكون هذا الرد في رأي الخبراء؟ }}} الرد الإيراني عدد كبير من الخبراء والمحللين اهتموا بمناقشة طبيعة الرد الإيراني على أي هجوم أمريكي وكيف سيكون. وهم يطرحون في الحقيقة تصورات متشابهة الى حد كبير. وفيما يلي استعراض لأهم ما طرحه المحللون والخبراء بهذا الشأن. أمين سايكل، أستاذ العلوم السياسية ومدير مركز الدراسات العربية والاسلامية في الجامعة الوطنية الاسترالية، ومؤلف كتاب «مستقبل الجمهورية الاسلامية» كتب تحليلا مهما لطبيعة الرد الإيراني. يقول بداية انه اذا اندلعت الحرب، فلن تكون لدى ايران القدرة العسكرية على مواجهة الضربات الأمريكية، وبمقدور أمريكا وبسرعة إلحاق دمار هائل وشامل بالمنشآت العسكرية الإيرانية، والمواقع النووية، والبنية الأساسية. وبالإضافة الى هذا، تستطيع أمريكا منع إيران من إغلاق مضيق هرمز الذي يمر عبره 30% من نفط العالم. ومع ذلك، يرى الكاتب ان بمقدور ايران ان تجعل أي هجوم عسكري امريكي مكلفا جدا لأمريكا وللمنطقة. بمقدور ايران مثلا إغراق بعض السفن في مضيق هرمز. كما أنه يجب عدم التقليل من قدرات إيران الصاروخية وما يمكن ان تفعله. حتى لو كانت الصواريخ الايرانية غير دقيقة تماما، فبعضها على الأقل يمكنه تفادي النظم الدفاعية وإصابة أهدافها. ويحذر الكاتب من ان النظام الإيراني يمكن ان يستهدف بعض المعالم البارزة في دول الخليج العربية مثل برج خليفة في دبي، الأمر الذي من شأنه لو حدث ان يفجر انهيارا ماليا في المنطقة. كما يجب في رأي الكاتب عدم التقليل مما يمكن ان تفعله شبكة عملاء ايران في المنطقة، وقدرتها على حشد آلاف من العناصر الانتحارية في كل انحاء المنطقة. وينتهي الكاتب الى الخلاصة التالية: يقول: «لقد عمل النظام الإيراني طويلا من اجل تقوية أمنه الوطني في الإطار الإقليمي. ولهذا، في حالة الصراع المباشر مع أمريكا، لن تكون ايران عاجزة. على العكس، أي هجوم عسكري يمكن ان يحول المنطقة الى جحيم إقليمي من الصعب السيطرة عليه. لهذا، من مصلحة الكل عدم التفكير في المبادرة بشن الحرب». محلل سياسي آخر هو ديفيد برينان، حدد طبيعة الرد الإيراني المتوقع في جوانب أربعة: 1 – الألغام البحرية الإيرانية من الممكن أن تحول السفن المعادية الى «حقول للقتل» بالنسبة للقوات الإيرانية. 2 – الصواريخ المضادة للسفن يمكن ان تلحق دمارا كبيرا بالسفن الأمريكية، وتمثل خطرا شديدا على الملاحة في مضيق هرمز. 3 - من الممكن ايضا ان تتمكن ايران من القيام بعمليات تخريب لناقلات النفط. 4 – يعتبر عملاء ايران في المنطقة ميزة كبرى لايران، فبإمكانها عبر هؤلاء العملاء مهاجمة العدو من دون ان تضطر الى استخدام قواتها، في العراق وسوريا ولبنان واليمن. فلاديمير سازهين، الخبير في معهد الدراسات الشرقية بالأكاديمية الروسية للعلوم يحذر بصفة خاصة من الزوارق الحربية الإيرانية وما يمكن ان تفعله. يقول: «ايران لديها اسطول من الزوارق الصغيرة التابعة للحرس الثوري. هذه الزوارق الصغيرة سريعة جدا وتحمل أسلحة عدة بما في ذلك الصواريخ الصغيرة. وغير هذا، هذه الزوارق لا تظهر تقريبا على شاشات الرادار نظرا الى صغرها. وهناك الكثير جدا من هذه الزوارق، مثل الناموس، ويمكن ان تظهر فجأة وتطارد السفن المعادية وتدمرها». محلل سياسي آخر هو دانييل دويترس اعتبر في تحليله للرد الإيراني المتوقع ان القوة الإيرانية لا تقارن بالقوة الأمريكية، لكن المشكلة ان أي عمل عسكري ضد ايران ستكون كلفته اكبر بكثير من أي منافع لأمريكا. واعتبر ان المشاكل التي تسببها ايران للمنطقة لا يمكن ان تحل عن طريق الغارات الجوية او بإغراق أسطول الحرس الثوري في مياه الخليج. وفي رأيه من الناحية العسكرية ان ايران تملك القدرة على الرد عن طريق القوى العميلة لها الموجودة في عديد من الدول، في لبنان واليمن والعراق وسوريا. واعتبر ان ايران ستكون قادرة على استخدام بعض هذه القوى على الأقل في حال تعرضت لهجوم عسكري. وفي هذه الحالة، سيكون عشرات الآلاف من الجنود الأمريكيين الموجودين في المنطقة عرضة للخطر. وكلما زادت أعداد هذه القوات أصبحت لدى إيران أهداف اكثر تستهدفها. ويقول ان ايران قد تكون أضعف من أمريكا، ولكن هذا لا يعني انها لن ترد وتحارب. واي هجوم على ايران سيكون كارثة، وسيفتح «صندوق بندورا» ويفجر أزمات جديدة في المنطقة. }}} نحن والحرب ما الذي يمكن ان نخلص اليه من كل ماعرضناه في المقال السابق ومقال اليوم؟.. وما الذي يجب على الدول العربية، ودول الخليج العربية بالذات ان تفعل؟ قبل كل شيء، على الرغم من ان كل التقديرات الحالية، وكذلك المواقف الرسمية المعلنة من قادة أمريكا وايران، تشير الى انه من المستبعد اندلاع الحرب في الوقت الحاضر، الا ان هذه الحرب يمكن ان تندلع في أي وقت مستقبلا اذا لم يحدث اختراق كبير في اتجاه المفاوضات بين أمريكا وايران وبقي الوضع متأزما كما هو. ولهذا السبب تحديدا، فإن دول الخليج العربية يجب ان تستعد للحرب بشكل جاد، ويجب ان تبني حساباتها على وقوع الأسوأ. والاستعداد للحرب هنا يعني بداهة اتخاذ كل الإجراءات الأمنية المطلوبة، والتأكد من جاهزية كل القوى العسكرية والأمنية تحسبا لأي تطور. ويعني أيضا دراسة كل التوقعات التي يمكن ان تكون واردة فيما يتعلق بما سوف تتعرض له دول الخليج العربية، والاستعداد لها. نقول هذا لأن دول الخليج العربية ستكون حتما ساحة من ساحات الحرب بصور وأشكال شتى. إذا تعرضت إيران لهجوم عسكري أمريكي، فمن البديهي انها ستعتبر دول الخليج العربية شريكا مع أمريكا، على الأقل بحكم وجود القواعد الأمريكية وانطلاق العمليات العسكرية من المنطقة. ومن المتوقع في ضوء هذا أن النظام الإيراني سوف لا يتردد في استهداف دول الخليج العربية عسكريا بكل الصور التي تستطيعها. لنلاحظ انه إذا تعرضت ايران لهجوم كاسح كما تتوقع السيناريوهات المختلفة وتتعرض لدمار كبير، فلن يكون لديها ما تخسره، او ما تحسب له أي حساب، ولن تتردد في استخدام كل ما تستطيع استخدامه من قدرات عسكرية ضد دول الخليج العربية. كما ان ايران ستراهن، كما اكد كل المحللين على شبكة عملائها الواسعة في الدول العربية. وهؤلاء العملاء لن يترددوا بدورهم في تنفيذ أي عمليات إرهابية وتخريبية داخل دول الخليج العربية. الأمر الآخر ان الحرب اذا اندلعت فستكون كارثة تحل بالمنطقة كلها. صحيح ان ايران ستتعرض لدمار رهيب كما يقدر الخبراء، لكن دمار الحرب يمكن ان يطول المنطقة كلها، ولن ينجو احد من هذه التبعات الكارثية المدمرة للحرب. حقيقة الأمر انه أيا كان ما سيحل بإيران، المؤكد أن الحرب لن تطوي صفحة خطر ايران ، او صفحة أزمات المنطقة، بل إنها ستفتح صفحة جديدة للكوارث والأزمات في المنطقة تمتد لسنين، بل لعقود. باختصار كما ذكرنا، اذا اندلعت الحرب فسوف يعني هذا فتح أبواب الجحيم، ليس بالنسبة إلى إيران وحدها، ولكن للمنطقة كلها. وكما نرى، من جميع الأوجه، ليس من مصلحة دول الخليج العربية في شيء اندلاع هذه الحرب، ويجب ان تبذل كل جهد ممكن للحيلولة دون اندلاعها.
مشاركة :