بداية تصدع تهدد باندثار أكبر تحالف يساري في تونس

  • 5/30/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

في الوقت الذي بدأت فيه مختلف الأحزاب ترتيب أوضاعها استعدادا للانتخابات المقبلة من خلال الاندماج والتحالف مع أحزاب أخرى، تعصف الخلافات بالجبهة الشعبية (تحالف أحزاب يسارية وقومية) ما ينذر باندثارها. وصنفت الجبهة الشعبية كقوة سياسية ثالثة في البلاد، بناء على نتائج انتخابات 2014، بعد حركة النهضة ونداء تونس، قبل أن تتراجع في الانتخابات المحلية التي جرت في مايو 2018. وأودع الثلاثاء تسعة من نواب كتلة الجبهة مطالب استقالاتهم لدى مكتب مجلس البرلمان الذي يتوقع أن يبت فيها في وقت لاحق. وقال عبدالمؤمن بالعانس، أحد النواب الذين قدموا استقالاتهم من كتلة الجبهة الشعبية “لم يتم حلّ كتلة الجبهة بعد، صحيح أن تسعة من أعضائها أودعوا مطالب استقالاتهم من الكتلة، مساء أمس (الثلاثاء)، لكن هذه الاستقالات لا تصبح نافذة إلاّ بعد مرور 5 أيام من تقديمها”. وعن أسباب الاستقالة، أوضح بالعانس أن “الجبهة شهدت، في الفترة الأخيرة، خلافات ومشاكل كثيرة بخصوص مرشّحها للرئاسية”. وأضاف أن الائتلاف شهد أيضا “مشاكل تتعلق بالانتخابات التشريعية، وأخرى بتقييم أداء الجبهة وكيفية تنشيط هياكلها، وعدم انعقاد الندوة (المؤتمر) الوطنية للجبهة، ومجلسها الوطني”. واعتبر أن “هذه الإشكالات تتلخص في الاختلاف حول كيفية إدارة النقاش داخل الجبهة، وفي هذا الإطار تندرج استقالة النواب التسعة”.وتابع “كانت هناك محاولات لإيجاد حلول عوض اللجوء إلى الاستقالة، لكنها لم تؤد إلى أي نتيجة، وخلال الاجتماع الأخير للكتلة، أمس (الثلاثاء)، قرّر أغلبية الحاضرين الاستقالة، حفاظا على كتلة الجبهة ومن أجل جبهة موحدة ومهيكلة وفاعلة”. وشدّد بالعانس على أنّ “تعطل إدارة النقاش داخل الجبهة هو ما أدى إلى الخطوة الاضطرارية (استقالة تسعة نواب)، لكن هذا لا ينفي أن الجميع متمسك بالجبهة ولم يعلنوا استقالاتهم منها بل من الكتلة”. وأكّد “ما زلنا في حالة نقاش حاليا بين الأحزاب المكونة للجبهة، والجميع لديه رغبة الحفاظ على الكتلة وعلى الجبهة”. ولم يستبعد بالعانس التراجع عن هذه الاستقالات حتى في صورة تفعيلها. وتعكس تصريحات بلعانس أن تلك الاستقالات هي نوع من الضغط على رافضي ترشح المنجي الرحوي، لكن إمكانية التمسك بالرفض تضع الجبهة على طريق التفكك والاندثار. وأعلن حزب الطليعة العربي الديمقراطي، استقالة القيادي بالحزب والنائب أحمد الصديق من رئاسة كتلة الجبهة الشعبية، وذلك “لاستحالة استمراره في الاضطلاع بدوره بسبب ما وصل إليه الأمر داخل الجبهة الشعبية وانعكاس ذلك على الكتلة”. ولدى كتلة الجبهة 15 مقعدا في البرلمان، وفي حالة استقالات النواب، التي تصبح نهائية ورسمية بعد خمسة أيام من إيداعها، فإن الكتلة ستضمحل لأن الحد الأدنى للكتل البرلمانية لا يجب أن يقل عن ثمانية نواب. وتشكل هذه الخطوة ضربة قوية للائتلاف المكون من أحزاب يسارية وقومية معارضة وسياسيين مستقلين، وتأتي بسبب خلافات داخلية بين حزب العمال وحزب الوطنيين الديمقراطيين، حول المرشح الموحد للانتخابات الرئاسية التي ستجرى في 17 نوفمبر. ويدعم حزب العمال ترشيح القيادي البارز حمة الهمامي رئيس حزب العمال والناطق الرسمي باسم الجبهة، للانتخابات الرئاسية بعد أن كان مرشحها أيضا في انتخابات 2014 التي حل فيها ثالثا وانسحب من الدور الأول. وقال القيادي عن الجبهة الجيلاني الهمامي المؤيد لترشيح حمة الهمامي ”تؤكد الاستقالات رغبة الوطنيين الديمقراطيين في الإضرار بالجبهة وهي تعطي انطباعا للرأي العام بأن المشكلة الأساسية هي الرئاسية، وهذا غير صحيح”. وأضاف الهمامي أن حزب “الوطنيين انسحب من الجبهة منذ أشهر وقد قمنا بمحاولات عديدة للتفاوض معه لكننا لم نفلح، في الجبهة هناك ثمانية أحزاب تدعم ترشيح حمة الهمامي وحزب الوطنيين رفض القبول بخيار الأغلبية”. وفي المقابل، يدعم الجناح الآخر داخل الجبهة ترشيح النائب في البرلمان منجي الرحوي لانتخابات هذا العام، وهو قيادي في حزب الوطنيين الديمقراطيين الذي طالب في وقت سابق باستشارة موسعة تشمل قواعد الجبهة حول اختيار مرشح للرئاسية.وأرجع النائب المستقيل عن الجبهة هيكل بلقاسم سبب الاستقالة إلى غياب مؤسسات قادرة على الحسم في الخلافات الموجودة صلب الجبهة. وظهرت الخلافات داخل الجبهة الشعبية على مرشح الرئاسة في مارس الماضي عندما أقدم حزب الوطنيين على ترشيح المنجي الرحوي ما قوبل بمعارضة داخلية. وبدا أن الخلاف انتهى بمجرد اجتماع مجلس أمنائها وتصويتهم لصالح المتحدث الرسمي حمة الهمامي. ولم تتضمن قائمة الأحزاب الموافقة على الهمامي في بيان حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي اعترض على “آلية الحسم” في اختيار المرشح وطالب بدلا من ذلك بـ“آلية جماهيرية” واستشارة موسعة لأنصار الجبهة وهو ما عكس استمرار الحرب الباردة. ويعتبر حزب الوطنيين الديمقراطيين الموحد الذي كان يقوده السياسي الراحل شكري بلعيد قبل اغتياله في 2013، من أبرز مكونات الجبهة بجانب حزب العمال لزعيمه حمة الهمامي. وفقدت الجبهة الشعبية في تونس عبر نتائجها الهزيلة في الانتخابات المحلية الأخيرة تموقعها في الساحة السياسية بالبلاد كقوة ثالثة لفائدة حزب التيار الديمقراطي الذي يقوده محمد عبو. ولم تحصد الجبهة الشعبية في تلك الانتخابات سوى 3.95 بالمئة من الأصوات لتحل في المركز الخامس خلف قوى سياسية أخرى وهي حركة النهضة الإسلامية ونداء تونس والتيار الديمقراطي. وتوقع مراقبون حينئذ أن تربك النتائج التي حقّقتها الجبهة الشعبية مكوناتها وتزيد في تعميق أزمتها الداخلية باعتبار أنها مكونة من أحزاب يسارية وقومية مختلفة التوجهات والخيارات السياسية، مشدّدين على أنها فقدت الكثير من وزنها الشعبي مقارنة بعامي 2013 و2014 غداة اغتيال المعارضين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

مشاركة :