لن تتمكن المملكة العربية السعودية من تعويض الصين عن النفط الإيراني. فمن أجل ذلك يجب أولا أن تتمتع الرياض بإرادة سياسية مستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية. إن العقوبات التجارية ضد هواوي، ورفع واشنطن للرسوم الجمركية على البضائع الصينية ليست سوى قطرة في بحر القضية الكبرى الوحيدة: من سيتربع على قمة العالم، الصين أم الولايات المتحدة الأمريكية، من الذي سيعيد بناء العالم أجمع كما يتراءى له، ويحصد الضرائب الاستعمارية الجديدة "النيوكولونيالية" في القرن الواحد والعشرين. لذلك فإن حل مشكلة هواوي، ومن منظور أوسع، الحصول على تنازلات في مجال الحرب التجارية بين الصين وأمريكا، يعتمدان فقط على استعداد القيادة الصينية للتنازل عن طموحاتها القيادية. فهل يبدو ذلك أمرا واقعيا وارد الحدوث؟ إن لدى الصين تجربة تاريخية، تعود إلى وضع مشابه، مطلع القرن التاسع عشر، حينما كانت تتمتع بفائض تجاري هائل مع بريطانيا العظمى، بينما كانت البضاعة الوحيدة التي تستطيع بريطانيا بيعها للصين في المقابل هي المخدرات، وتحديدا الأفيون الهندي. كان الأفيون في تلك الآونة (١٨٣٥) يمثل ثلاثة أرباع واردات الصين، ما أدى إلى وقوع ملايين الصينيين في براثن المخدرات، وانهارت الأمة الصينية وقتها، وبدأت في التآكل. وحينما منعت الصين تجارة المخدرات، شرعت بريطانيا في حصارها وتدخلت عسكريا في إطار ما يسمى بـ "حروب الأفيون". تمكن الجنود الانجليز من تدمير الصينيين، وفرضت بريطانيا على الصين، نتيجة للحرب، توقيع "صفقة" مثل تلك التي يحاول دونالد ترامب الآن فرضها على الصين. كانت النتيجة هي الانهيار الاقتصادي للصين، والحرب الأهلية والركود الذي استمر لأكثر من قرن. لذلك فإن القيادة الصينية، وبكل تأكيد، سوف تناور وتحاول تجنّب المواجهة المباشرة، طالما لازالت الولايات المتحدة الأمريكية قوية، وطالما ظل ميزان الربح والخسارة بالنسبة لبكين إيجابيا، وظل إيقاع تصاعد القوة الصينية أسرع من الأمريكية. لكن واشنطن تدرك هي الأخرى ثمن الإبطاء، بل وأعتقد من وجهة نظري أن ما يمكن ألا تكون راضية عنه فقط، هو بطء إيقاع سقوطها. على أمريكا أن تحل قضية العقود القادمة، ولديها الآن الفرصة الأخيرة لحلها. لذلك فإن تجنّب الصين للمواجهة لن يجدي نفعا، وسوف تحاول واشنطن من جانبها الإيقاع ببكين في أتون المواجهة على أية حال، ومع أن الحرب الآن هي حرب تجارية فحسب، إلا أن المواجهة العسكرية أيضا غير مستبعدة، في حال فشلت الحلول الاقتصادية. لا أظن أن التسوية سوف تحدث، لأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تنتظر التسوية، بل تنتظرالاستسلام. إن النخبة الأمريكية تذهب بإرادتها نحو التصعيد على كل الجبهات، مع روسيا، ومع الصين، ومع البقية، ذلك أن الولايات المتحدة الأمريكية تزداد ضعفا بمرور الوقت، بينما يطرح السؤال الوجودي نفسه بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية: "إما الآن أو لن يحدث أبدا" It’s Now or never. وهي حرب البقاء بالنسبة لها، لذلك فهي تحشد كافة الموارد للوصول إلى هدفها، بما في ذلك موارد حلفائها، والدول الدائرة في فلكها. إن الحرب التجارية الأمريكية الصينية تقسّم العالم إلى شقّين متصارعين، ولن تتمكن الرياض من البقاء على الحياد طويلا، لتحافظ على السوق الصيني. سوف يتعيّن على العرب في الخليج، إما في العام الجاري أو المقبل على أقصى تقدير، مع تصاعد الحرب التجارية الأمريكية الصينية، أن يحسموا أمرهم بشأن منع هواوي أم لا، وفرض رسوم جمركية إضافية على البضائع الصينية أم لا، بل وتوفير النفط للصين، حال اندلاع حرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وبكين أم لا. أظن أن الخيار العربي الخليجي محسوم وواضح، وهو أمر تدركه بكين أيضا. إن النفط سلعة "سياسية"، والصين لا تستطيع التخلي عن مصادر النفط المستقلة عن الولايات المتحدة الأمريكية، بما في ذلك إيران. والتخلي عن إيران وارد فقط في حال تخلي الصين عن المقاومة بالأساس. وهذا أمر محتمل نظريا، لكنني لا أرى له أي علامات في الأفق المنظور. من جانبها فإن المملكة العربية السعودية ودول الخليج سوف يتضررون من الحرب التجارية أكثر من غيرهم، لأن الأسواق الرئيسية اليوم توجد في آسيا، بما في ذلك سوق الصين الضخم والمتنامي، بينما تحولت الولايات المتحدة الأمريكية من مستهلك رئيسي للنفط وشريك للخليج إلى منافس شرس له. وفي الوقت الذي أصبح فيه التحالف السياسي بين الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة العربية السعودية غير طبيعي، يدفع الرياض وسائر العواصم الخليجية إلى المواجهة مع الشريك التجاري الأساسي لهم - الصين، فإنني أعتقد أنه لن يكون أمام الرياض أي إمكانية للاختيار، في ظل النظام العالمي القائم. وبلا إرادة سياسية مستقلة، فإن وعود المملكة العربية السعودية لتعويض صادرات النفط الإيراني بالنسبة للصين لن تساوي الكثير، وإيران، من وجهة نظري الشخصية، سوف تحافظ، بل وسترفع من صادراتها النفطية إلى الصين على المدى الطويل. المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة
مشاركة :