هيمن الملف الإيراني، وتحديداً التوتر الحالي في المنطقة بين طهران وواشنطن والهجمات الأخيرة على ناقلات نفط وأنبوب نفط سعودي، على أعمال القمتين الخليجية والعربية الطارئتين اللتين عقدتا في مكة، التي تشهد اليوم انعقاد القمة الإسلامية العادية. انطلقت في مكة المكرمة، أمس، أعمال القمتين الطارئتين العربية والخليجية، اللتين دعت إليهما المملكة العربية السعودية، في حين تعقد، اليوم قمة منظمة التعاون الإسلامي تحت عنوان "قمة مكة... يداً بيد نحو المستقبل". وقبل ساعات من أولى القمم، وضعت أعلام عشرات الدول العربية والخليجية والدول التي تضم جاليات كبيرة من المسلمين، على أعمدة الإنارة الخضراء والذهبية في وسط الشوارع القريبة من المسجد الحرام، أهم مساجد المسلمين، وسار مصلون بالقرب من الأعلام وهم يرتدون الملابس البيضاء، متوجهين نحو الحرم المكي لأداء مناسك العمرة. وكتب على لافتة كبيرة "المملكة العربية السعودية ترحّب بقادة الدول الخليجية"، وعلى لافتة أخرى "المملكة العربية السعودية ترحّب بقادة قمة التضامن الإسلامي". وتشكّل القمم الثلاث مناسبة للرياض لمحاولة إظهار أن الخليج والعالمين العربي والإسلامي كتلة واحدة في مواجهة الجارة إيران، بعدما وجدت المملكة في التوترات الأخيرة مع طهران فرصة لتشديد الضغوط على خصمها الأكبر في المنطقة. وكتبت وزارة الخارجية السعودية على "تويتر" "المملكة جنّدت كل الإمكانات لإنجاح القمم"، وفي تغريدة أخرى "الدول اجتمعت من أجل أمن واستقرار المنطقة والعالم في قصر الصفا المطل على الحرم المكي الشريف". وتنعقد القمم الثلاث في وقت تزدحم فيه شوارع المدينة ومساجدها بالمصلين مع اقتراب نهاية رمضان، إذ تعتبر الأيام العشرة الأخيرة من شهر الصوم الأكثر أهمية من ناحية الصلاة والدعاء، مما قد يشكل تحديا لوجستيا للمنظمين. وتسعى السلطة المحلية في مكة إلى تجنّب حدوث اختناقات مرورية، إذ تنعقد القمم في وقت عادة ما يفضّله المصلون لزيارة الحرم المكي وبدء الصلوات والدعاء، بعيدا عن حرارة الشمس خلال ساعات النهار. ودعت السلطات في إعلان للمقيمين والزوار إلى تجنّب سلوك 6 طرق، وإلى استخدام حافلات النقل العام. وجاء في بداية الإعلان "ساهم في إنجاح القمم". ملف إيران وتبحث القمتان الطارئتان، التعصيد الأمني والسياسي في المنطقة بين الولايات المتحدة وإيران، الذي وصل في الأيام الماضية الى مستوى احتمال اندلاع حرب إقليمية كبيرة، قبل أن يتراجع هذا الاحتمال دون أن يتلاشى، ليبقى التوتر سيد الموقف. وسيبحث قادة الدول الهجمات التي تعرضت لها 4 سفن سعودية وإمارتية ونرويجية قبالة ميناء الفجيرة في عمق المياه الإقليمية الإماراتية، وكذلك هجمات المتمردين الحوثيين المتحالفين مع طهران على أنبوب نفط شرق - غرب السعودي الاستراتيجي. وتأمل الرياض أن توجه القمتان رسالة قوية إلى إيران مفادها أن القوى الإقليمية ستدافع عن مصالحها من أي تهديد. وتقول السعودية والإمارات، اللتان سعتا إلى دفع الولايات المتحدة إلى كبح إيران، إنهما تريدان تجنب الحرب بعد ضربات بطائرات مسيّرة استهدفت محطتي ضخ نفطيتين في المملكة وناقلات نفط قبالة سواحل الإمارات. واتهمت السعودية إيران بإصدار أمر توجيه الضربات بالطائرات المسيرة، التي أعلنت جماعة الحوثي الموالية لطهران المسؤولية عنها. وكتب رئيس الاستخبارات السعودية السابق، الأمير تركي الفيصل، في مقال رأي نشره موقع قناة العربية الإلكتروني "من المرجح أن يناقش زعماء القمة أفضل السبل لتجنب الحرب، ومن جانبه يعتزم الملك سلمان الدفاع عن المصالح السعودية والعربية، وسط التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة وإيران". وأضاف أن اجتماعات القادة الخليجيين والعرب ستتناول "تدخّل" إيران في شؤون العرب. «صفقة القرن» وستركز القمتان على عملية السلام بين إسرائيل والفلسطنيين، وسط تحركات أميركية تمهد للإعلان عن تفاصيل صفقة القرن عشية الورشة الاقتصادية التي ستعقد في المنامة لتشجيع الاستثمار في الأراضي الفلسطينية، إضافة الى القضايا والأزمات العربية، وبينها الأوضاع في سورية وليبيا والجزائر والسودان. حضور وغياب ويترأس العاهل السعودي الملك سلمان القمم الثلاث، التي من المقرر أن يحضرها سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد، الذي وصل أمس الى المملكة. وشارك في القمة العربية الطارئة الـ 14 في تاريخ الجامعة العربية الى جانب العاهل السعودي وسمو الأمير، عاهل الأردن الملك عبدالله الثاني، والرئيس الفلسطيني محمود عباس، والرئيس العراقي برهم صالح، وتمثّل السودان برئيس المجلس العسكري عبدالفتاح البرهان، والجزائر برئيس الحكومة نورالدين بدوي، ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري الذي يمثّل البلاد في القمة الإسلامية حسب العرف، لكون رئيس الجمهورية مسيحيا، في حين بقي مقعد سورية المجمدة عضويتها في الجامعة العربية شاغرا. العساف وطالبت السعودية العالم الإسلامي بـ "رفض تدخّل" إيران في شؤون الدول الأخرى. وقال وزير الخارجية السعودي، إبراهيم العساف، في كلمته خلال افتتاح أعمال المؤتمر التحضيري لوزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي التي تضمّ 57 دولة مساء أمس الأول في جدة، إن "عالمنا الإسلامي يمر بتحديات أخطرها التدخل بشؤونه الداخلية"، مشيراً إلى أن "أمتنا الإسلامية تواجه تحديات في سورية وليبيا والصومال وغيرها من الدول". وأكد العساف أن "السعودية تولي اهتماما كبيرا للاستقرار في اليمن الشقيق، وتأسف لاستمرار الانقلاب على السلطة الشرعية من الميليشيات الحوثية المدعومة من إيران، الذي يعد مثالاً واضحاً على استمرارها في التدخل بالشؤون الداخلية في الدول، وهو الأمر الذي يجب أن ترفضه منظمة التعاون الإسلامي لتعارضه مع ميثاقها والمواثيق الدولية". كما لفت إلى أن "تلك التدخلات أدت إلى تزايد معاناة الشعب اليمني، مجددين التأكيد على تأييدنا لمساعي مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة للوصول إلى الحل السياسي، وفق قرارات مجلس الأمن 2216 والمبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني اليمني ونتائج اجتماعات استوكهولم". وقال العساف إن "الهجمات على منشآت النفط في الخليج يجب التصدي لها بكل قوة وحزم، وإنه "يجب بذل المزيد من الجهود لمكافحة الأعمال التخريبية للجماعات التي نفذتها". وكان الوزير السعودي يشير إلى هجوم على ناقلات نفطية قبالة الإمارات هذا الشهر، وإلى هجمات بطائرات مسيّرة ملغومة، بعدها بيومين، على محطات لضخ النفط في السعودية. وشدد العساف على أن المملكة "متمسكة بمحاربة الإرهاب والوقوف ضد مصادر تمويله". وتابع قائلا: "تمر الذكرى الخمسون لتأسيس منظمة التعاون الإسلامي، ولا يزال النزاع مع إسرائيل أبرز التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية، وأود أن أؤكد أن القضية الفلسطينية هي قضية المملكة الأولى، وبالذات حصول الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المشروعة وفي إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية المؤيدة من قرارات القمم العربية والإسلامية المتعاقبة، وعلى المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤوليته السياسية والأخلاقية في تحقيق ذلك". كذلك أكد وقوف "المملكة مع السودان الشقيق ودعم المجلس العسكري الانتقالي والإجراءات التي اتخذها في مصلحة الشعب السوداني، وإلى ما يراه حيال مستقبله". وشدد على تأييده الخطوات التي أعلن عنها المجلس في الحفاظ على الأرواح والممتلكات، معرباً عن أمله بأن يحقق ذلك الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية للسودان. وأشار وزير الخارجية السعودي إلى أن بلاده تريد حلا في سورية وفق جنيف 1، وإنهاء وجود الميليشيات الطائفية، ودعا الى عودة لاجئي الروهينغا إلى ميانمار وتحقيق العدالة، كما جدد دعم السعودية لليبيا للخروج من أزمتها الحالية. ولم يحضر وزير الخارجية الإيراني محمّد جواد ظريف الاجتماع الذي كان لقاء تحضيريا للقمة الـ14 لمنظمة التعاون الإسلامي، ونابَ عنه الوفد الإيراني الدبلوماسي. الجبير من ناحيته، أكد وزير الشؤون الخارجية السعودي عادل الجبير أن بلاده واضحة في أنها لا ترغب في نشوب حرب بالمنطقة، لكنه شدد على أنها "ستسعى لحماية أرضها وشعبها ومصالحها بالطرق المناسبة". وقال، في تصريحات صحافية نشرت أمس، إن على إيران أن تتوقف عن سياستها في المنطقة "إذا أرادت أن تكون جزءا من المجتمع الدولي". وفيما يتعلق بالقمم الثلاث، أوضح الجبير أن القمتين الاستثنائيتين لدول مجلس التعاون والجامعة العربية "هدفهما إدانة الأحداث الأخيرة في المنطقة والسياسات الإيرانية التي تأتي خلف هذه الأحداث"، أما القمة الإسلامية فهي "قمة اعتيادية يتم فيها نقل الرئاسة من دولة الرئاسة الحالية تركيا إلى دولة الرئاسة المقبلة ممثلة في السعودية". وعن احتمالات نشوب حرب في المنطقة إثر التوترات الأخيرة، قال الجبير إن السعودية "تسعى بلا شك إلى تفادي الحرب بأي شكل من الأشكال. وكانت المملكة واضحة في هذا الجانب بشكل دقيق وواضح منذ البداية، ولكن في الوقت نفسه نحن لا نريد أن تستمر إيران في سياستها العدوانية بالمنطقة". وأكد أن المملكة "ماضية في حماية أراضيها وشعبها وفق ما تتطلبه الحاجة". العثيمين من جانبه، قال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي، يوسف العثيمين إن التطرف والإرهاب يهددان أمن واستقرار المنطقة والعالم، مشددًا على ضرورة وضع آلية واضحة لمحاربته، وأكد أن التطورات المؤسفة التي تتعرض لها الدول الأعضاء في المنظمة تدعو الى تكثيف المشاورات بشأنها، والعمل على تجنيب المنطقة كل اضطراب وتهديد للأمن والاستقرار. وتابع العثيمين أن المنظمة تتطلع إلى مزيد من التعاون بين الدول الأعضاء والمنظمات الدولية لمحاربة التطرف الديني والتشجيع على الحوار بين الأديان. وأضاف أن التنظيمات الإرهابية تستغل الاضطرابات السياسية في بعض البلدان لتنفيذ مخططاتها. في سياق آخر، قال العثيمين إن "استهتار" إسرائيل بالمعاهدات الدولية يستدعي مزيدًا من الجهود، لوضع حد للاحتلال ومعاناة الشعب الفلسطيني". وأعرب عن قلقه تجاه الأوضاع التي يشهدها العديد من الدول الإسلامية والمجتمعات المسلمة، مؤكدا أن التطرف والإرهاب يظلان من اكبر المخاطر التي تهدد الأمن والاستقرار في المنطقة والعالم، وتستهدف تقويض تماسك المجتمعات الإسلامية وتعطيل التنمية فيها واستنزاف طاقاتها وقدراتها. بيان ختامي واختتم وزراء خارجية منظمة التعاون الإسلامي، أمس الأول، اجتماعهم التحضيري في جدة برفع مشروع البيان الختامي الى القمة الإسلامية المزمع عقد دورتها الـ 14 بمكة المكرمة اليوم لاعتماده. ومن المنتظر أن يصدر عن القمة الإسلامية "إعلان مكة"، إضافة إلى البيان الختامي الذي سيتطرق إلى العديد من القضايا الحالية في العالم الإسلامي. كما يبحث القادة موقف الدول الأعضاء في المنظمة من آخر المستجدات الجارية في القضية الفلسطينية، إضافة إلى إعلان موقف موحد إزاء التطورات الأخيرة في عدد من الدول الأعضاء، وكذلك اتخاذ مواقف واضحة من الأحداث الأخيرة الخاصة بالأقليات المسلمة وما يتعلق منها بتنامي خطاب الكراهية ضد الجاليات المسلمة وما يعرف بظاهرة الإسلاموفوبيا. وسيبحث القادة أيضا سبل التصدي للإرهاب والتطرف العنيف، وغيرها من القضايا السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية التي تعنى بها المنظمة.
مشاركة :