أكدت مصادر إعلامية أميركية أن تركيا مقبلة على كارثةٍ على صعيد السياسة الخارجية لا تقل عن تلك التي تواجهها في المجال الاقتصادي، وذلك في ظل تفاقم المأزق الذي يعانيه نظام الرئيس رجب طيب أردوغان في سوريا، بعدما أصبح يقع بين شقيْ الرحى هناك، بفعل الضغوط الأميركية والروسية. وقال موقع «أل مونيتور» الإخباري الأميركي، المعني بتناول قضايا منطقة الشرق الأوسط: «إن السياسة الخارجية لتركيا لم تكن قط في مأزق كما هي الآن، مُشيراً إلى أن (التبعات الكارثية) لتوجهات أردوغان حيال الملف السوري، تحديداً، جعلت بلاده «تحت رحمة أميركا أو روسيا، أو كلتيهما». وحذر الموقع - في مقالٍ للكاتب والمحلل السياسي التركي جينجيز شاندار - من أن هناك «عواقب وخيمة وشيكة» للأخطاء التي يرتكبها نظام الحكم الحالي في أنقرة على الساحتين الإقليمية والدولية، خاصة مع تزايد وطأة الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، والتي تترافق مع الجدل الواسع الناجم عن القرار المثير للجدل بإعادة الانتخابات على رئاسة بلدية إسطنبول في الثالث والعشرين من الشهر المقبل، بعد أن خسر الحزب الحاكم التصويت الأول الذي أُجري أواخر مارس الماضي أمام مرشح للمعارضة. وشدد شاندار على أن هذا «الاقتراع المشؤوم الذي يدنو موعده بسرعة.. أصبح أكثر من مجرد انتخاباتٍ.. بل صار تصويتاً يمكن أن يحدد ما إذا كانت حقبة حكم أردوغان قد انتهت أم لا»، لا سيما أن الرئيس التركي حوّل هذه الانتخابات إلى «مواجهةٍ حاسمةٍ ونهائيةٍ بشأن حكمه الاستبدادي، الذي أحدث أردوغان خلاله عمداً انقسامات في نسيج المجتمع التركي، بغية تعزيز قاعدته» الجماهيرية. وأشار المحلل السياسي التركي المخضرم في المقال، الذي حمل عنوان «تركيا مضغوطة بين أميركا وروسيا في سوريا»، إلى أن من بين التطورات «المحتومة» المرتقبة على الساحة الداخلية في بلاده «ذلك الانهيار الذي سيحدث لاقتصاد البلاد المُثقل بالديون»، وهو ما لن ينفصل في الوقت نفسه عن أي أثمانٍ قد تدفعها أنقرة على الصعيد الخارجي، «بعدما أصبحت في مرمى تبادل إطلاق النار بين واشنطن وموسكو» فيما يتعلق بالأزمة السورية من ناحيةٍ، والتوتر المتصاعد مع أميركا على خلفية مساعيها لإتمام صفقة شراء منظومة «إس 400» الروسية المتطورة للدفاع الصاروخي، من ناحية أخرى. وأبرز شاندار في هذا الصدد التقارير التي تداولتها وسائل الإعلام الأميركية قبل أيام بشأن منح الولايات المتحدة مهلة لتركيا لا تتجاوز نهايتها أواخر الأسبوع الأول من شهر يونيو المقبل، «لتحديد ما إذا كانت مصرةً على المضي قدماً على طريق صفقة الأسلحة (الروسية) أم لا، وهو ما سيُعرّضها لعقوباتٍ أميركية صارمة» في هذه الحالة. وأفاد المقال، بأنه سيتعين على نظام أردوغان قبل انقضاء المهلة «إلغاء صفقته، البالغ قيمتها مليارات الدولارات مع روسيا، وشراء منظومة صواريخ باتريوت الأميركية، وإلا تم استبعاد أنقرة من مشروع تصنيع أجزاء من مقاتلات إف-35، وحرمانها كذلك من الحصول على 100 مقاتلة من هذا الطراز ». ووفقاً لوسائل الإعلام الأميركية، فإن هذه المهلة تمثل «العرض الأميركي الأخير لتركيا»، وأنه لا مجال لتمديد أجلها أو تعديل ما هو مطروح على أنقرة. ويزيد من ضعف الموقف التركي في لعبة عض الأصابع مع الإدارة الأميركية، إدراك أنقرة حاجتها لتجنب أي صدام جديد مع واشنطن، لتحاشي العقوبات المحتملة التي ستترتب على ذلك، والتي ستزيد من نكبة اقتصاد تركيا الذي يعاني بشدةٍ من الأصل، بسبب انهيار قيمة الليرة وتفاقم معدلات التضخم والبطالة. ولكن شاندار، حذر من أن هامش المناورة في هذا المجال يضيق لدى أردوغان ونظامه، مع عدم قدرته على الاستعانة بالورقة الروسية لمواجهة الضغوط الأميركية المتزايدة، نظراً للخلافات القائمة بينه وبين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بشأن كيفية التعامل مع الوضع في منطقة إدلب السورية. فبينما تدعم روسيا شن القوات الحكومية السورية هجوماً جوياً وبرياً على إدلب، التي تمثل آخر منطقة رئيسة لا تزال تحت سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا، تُرسل تركيا، بحسب معارضين مسلحين، مزيداً من الأسلحة لمساعدة قوات المعارضة على التحضير لصد هذا الهجوم المحتمل. ويقول معارضون سوريون: «إن إرسال أنقرة هذه الإمدادات العسكرية، نجم عن فشلها في إقناع موسكو، بالضغط على الحكومة السورية لكيلا تمضي على طريق تصعيد الوضع في إدلب». وبالتوازي مع الخلافات الروسية التركية الحادة على صعيد هذا الملف، أشار «أل مونيتور» إلى أن الأجواء بين واشنطن وأنقرة ليست أقل تلبداً بغيوم التوتر، في ظل رفض كبار معاوني الرئيس ترامب، وعلى رأسهم مستشاره للأمن القومي جون بولتون «تسليم المناطق الواقعة في شمال شرقي سوريا إلى تركيا التي تبدو أقرب إلى إيران منها إلى واشنطن». ولخص محللون أميركيون مأزق أردوغان في هذا الإطار بالقول «إن تركيا تحاول الحفاظ على علاقاتٍ دافئةٍ مع روسيا لإحياء جهود وقف التصعيد في إدلب، ومواصلة الحوار في الوقت نفسه مع واشنطن لإقامة منطقةٍ آمنةٍ في الأراضي التي يسيطر عليها الأكراد. لكن هذه الاستراتيجية لم ترض لا الولايات المتحدة ولا روسيا حتى الآن». وأشار الموقع إلى أن ذلك يكشف عن أن إدلب تمثل «مؤشراً واضحاً على الفشل» الذي يلاحق سياسات الرئيس التركي حيال الأزمة السورية، واصفين «هجوم إدلب (الوشيك) بأنه يشكل الطريقة التي تُبلغ بها روسيا تركيا بأنها لن تسمح لها وللولايات المتحدة بوضع قواعد لعبة جديدة في سوريا دون رضاها». وخَلُصَ «أل مونيتور» للقول «إن روسيا تسعى برغم كل ذلك إلى إبقاء تركيا في صفها على صعيد الاصطفافات الراهنة إزاء الملف السوري، وذلك بهدف إحداث (صدعٍ) أكبر في صفوف حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتعميق هوة الخلاف الراهن بين أنقرة وواشنطن، وهو ما يعني أنه لم يعد بمقدور أردوغان التخلي عن صفقة ال (إس 400) بسهولة، حتى لو كان يرغب في ذلك».
مشاركة :