حملت تحذيرات الحكومة التونسية من المخاطر، التي تهدد اقتصاد البلاد بسبب عدم القدرة على تغطية الطلب المحلي المتزايد على الطاقة، إقرارا ضمنيا بعجز الدولة عن معالجة هذا الملف الحساس. وقال رئيس الحكومة يوسف الشاهد في افتتاح الحوار الوطني حول قطاع الطاقة والمناجم، الأول من نوعه منذ 2011، “لقد نبهنا مرارا إلى مخاطر وضع الطاقة في البلاد نتيجة العجز الذي يثقل كاهل الاقتصاد التونسي”. ويتفجر في كل مرة يتم فيها طرح هذه القضية جدل واسع حول تغلغل الفساد في القطاع وغياب اعتماد رؤية استراتيجية تساعد على كبح استنزاف المال العام. وقد أشار الشاهد إلى هذه المسألة في حديثه بالقول إن “تونس واجهت خلال السنوات الماضية مشاكل عديدة متعلقة بسوء التصرف ونقص الشفافية في قطاعي الطاقة والمحروقات”. وأقام إلحاق وزارة الطاقة والمناجم في أغسطس الماضي برئاسة الحكومة في أعقاب الكشف عن فضيحة فساد في عقود امتياز لشركات نفط عالمية الحجة على أن القطاع تائه في دروب غياب الشفافية منذ سنوات طويلة. ولم تخل تقارير دولية صادرة عن البنك الدولي ومحلية صادرة عن دائرة المحاسبات من إشارات تؤكد ضرورة اعتماد الحوكمة الرشيدة في قطاعي الطاقة والمناجم. ولذلك ترى السلطات أن الوقت قد حان لاعتماد رؤية طويلة المدى لدفع مجال الطاقة إلى الأمام كون تونس تزخر بإمكانيات وكفاءات كبيرة في مجال الطاقات المتجددة يمكن الاستفادة منها لكبح مستويات الإنفاق في بند الطاقة. وتظهر البيانات أن تونس تسد 8 بالمئة من احتياجاتها الأساسية السنوية من الطاقة من موارد النفط والغاز المحلية والباقي يأتي عبر الاستيراد. 2.1 مليار دولار حجم فاتورة استيراد النفط والغاز وهي تعادل ثلث العجز التجاري في 2018 وتنتج تونس حاليا حوالي 40 ألف برميل يوميا من النفط الخام انخفاضا من نحو 110 آلاف برميل يوميا في 2010، بسبب الاحتجاجات والإضرابات، التي شهدتها حقول النفط والغاز. وخلال السنوات الثماني الأخيرة، شكل بند الطاقة في الميزانية السنوية صداعا مزمنا للدولة، حيث تشير التقديرات إلى أن تكاليف استيراد النفط والغاز تلتهم أكثر من 6.3 مليار دينار (2.1 مليار دولار) من مخصصات الإنفاق. ووفق أرقام المعهد الوطني للإحصاء، فقد بلغ عجز الطاقة العام الماضي ثلث الحجم الإجمالي للعجز التجاري لتونس، الذي بلغ مستويات قياسية عند حوالي 19 مليار دينار (6.2 مليار دولار). وتأتي معظم واردات الغاز من الجزائر وفق عقود مبرمة مع شركة سوناطراك بأسعار تفضيلية، بينما تقوم شركة سونلغاز بتزويد تونس بالكهرباء خلال فترات الذروة في فصل الصيف. ولكن أمام تونس خيارات محدودة لتلبية احتياجاتها المستقبلية من الطاقة مع توقعات الخبراء بانحسار إنتاج الغاز بداية من العام المقبل. وسعى وزير الصناعة والطاقة سليم الفرياني في يناير الماضي إلى بث بعض التفاؤل حينما أكد في مقابلة مع وكالة رويترز أن بلاده تقترب من مضاعفة إنتاج الغاز الطبيعي، في محاولة لتغطية الطلب المحلي المتزايد. وقال حينها إن “إنتاج تونس من الغاز سيتضاعف تقريبا إلى 65 ألف برميل يوميا من المكافئ النفطي مع بدء تشغيل حقل نوارة في الجنوب في يونيو المقبل”. ومن المتوقع أن يبدأ حقل نوارة الواقع في صحراء ولاية تطاوين، وهو مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للأنشطة البترولية وشركة أو.أم.في النمساوية باستثمارات تصل إلى 700 مليون دولار، الإنتاج منتصف هذا الشهر. ويعد حقل نوارة من المشاريع المهمة، التي تعول عليها الحكومة حيث سيتيح تغطية نصف الطلب المحلي السنوي من الغاز والبالغ 2.7 مليار متر مكعب، وسيقلص 30 بالمئة من إجمالي واردات الغاز. كما تهدف تونس إلى رفع إنتاجها من النفط. وقال الوزير الشهر الماضي إن “عدد رخص الاستكشاف ارتفعت لأول مرة منذ 2011 ليبلغ 30 رخصة إلى جانب حفر وتطوير 13 بئرا“. ووسط كل ذلك، لدى الحكومة خطط لإنتاج 1900 ميغاواط من الطاقة المتجددة في 2022 باستثمارات تصل إلى ملياري دولار. وتعمل تونس حاليا على استقطاب استثمارات أجنبية لإنتاج 1900 ميغاواط من طاقة الرياح والطاقة الشمسية، وهو ما يمثل نحو 22 بالمئة من إجمالي إنتاج الكهرباء. وتأمل الحكومة في أن يصل إنتاج البلاد من الطاقة المتجددة إلى حوالي 3800 ميغاواط بحلول عام 2030.
مشاركة :