فاروق حلمي يكتب لـCNN: محاربة الفساد بمصر أولوية قومية تسبق ما عداها

  • 3/30/2015
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

أما وقد نجح المؤتمر الاقتصادي في تحقيق نتائج باهرة، فمن واجبنا أن نجعل محاربة الفساد أولوية قصوى في المرحلة التالية، ليس فقط لإثبات مصداقيتنا في أعين المستثمرين، وللحيلولة دون تبديد أو اختلاس أي قدر مما اتفق على استثماره، وانما أيضا لنبدأ اصلاحا جديا لما فسد في مجتمعنا وأخلاقياته نتيجة شيوع الفساد. ولنا في ذلك تجربة حية في الصين يجب أن نهتدي بها. فلقد جاء ترتيب مصر في قائمة منظمة "الشفافية الدولية" لعام 2014 في المرتبة ألـ 94 من بين 175 دولة، واعتبرت من دول الفساد العالي في قطاعها الحكومي تأسيسا على الانطباع السائد بين الخبراء ودوائر الأعمال حول العالم، بالنظر لانتشار الرشوة وغياب العقاب وعجز المؤسسات العامة عن تلبية احتياجات الفئات الأكثر معاناة. كما كشف مسح لمؤسسة "ارنست آند يونغ" الدولية في نوفمبر أن القطاع الخاص المصري يعتبر الأكثر فسادا في العالم، حيث أشارت جهات الأعمال ومكاتب المراجعة الى مستويات عالية من الفساد في شركاتنا سعيا لحجم أعمال أو ربح أكبر وباستخدام الرشوة والغش لضمان اغتنامه. ولا يقتصر ضرر الفساد فقط عادة على سرقة الموارد من الطبقات الكادحة وانما يعتبر آفة الآفات التي تصيب المجتمع، حيث يقوض العدالة ويهدر المال العام ويعرقل التنمية الاقتصادية والاجتماعية ويدمر ثقة الشعب في الحكومة والزعماء، بل وانه - مع انعدام المساءلة والجزاء الرادع - أشاع الكثير من الصفات الكريهة بين المواطنين في بلدنا، بما فيها الغش والسرقة والكذب والسلبية والتواكل والفردية والانتهازية والابتزاز وفرض الاتاوات مقابل الخدمة العامة وغيره، كما أفقدهم الأمل في الاصلاح وجعلهم يستسلمون لليأس وأضعف وازع الانتماء للوطن لديهم، بل وسهل تجنيد بعضهم لصالح تيارات متطرفة، ودفع الكثيرين للسفر للخارج متسببا في هجرة العقول التي كان يمكننا الاستفادة منها. ولاشك أن الرئيس السيسي والنظام الحالي يعلم بكل هذه المساوئ، لكنني أتمنى أن يدرك جيدا أنه لن يتمكن من حشد طاقات الجماهير إلا اذا سارع لإطلاق حملة قومية لا هوادة فيها على الفساد بنفس القوة التي تشهدها حربنا ضد الارهاب، حيث حتى اذا صدقت التوقعات الخاصة بغالبية المشروعات الاستثمارية فان الكثير منها سيتطلب تنفيذه سنوات ولا يفي الا بالقليل من متطلبات الجماهير العريضة، ويفيد المستثمرين بأكثر من السواد الأعظم من الفقراء. والرئيس لن ينقذ البلاد بهذا التحرك من التدهور المستمر ويضعها على بداية طريق الاصلاح فحسب، وانما يزيل كذلك الانطباع الذي تولد لدى البعض - رغم الثقة الكبيرة في نزاهته ووطنيته - بأن نظامه امتداد محسن للنظام البائد، آخذا في الاعتبار عدم معاقبة مبارك ورموز عهده على ما أفسدوه في مصر سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأخلاقيا، وعدم استرداد أي من الأموال المنهوبة والمهربة. *********** ولقد أدرك الزعماء الصينيون الذين تولوا القيادة في 2013 الحاجة للإصلاح الشامل، لمحاربة آفات أصابت مجتمعهم نتيجة فجوة الثروات الناجمة عن تسارع النمو وحرية القطاع الخاص وتزايد التسيب والفساد، وذلك بهدف تنقية المجتمع واستعادة الثقة التي ضعفت في الحزب الشيوعي والحكومة ودفع عجلة النمو، وأعطوا الأولوية في ذلك لحملة قومية أطلقوها ضد الفساد وممارسات العمل الضارة، تشن يوميا بصرامة متناهية لا استثناء فيها حتى أعلى المستويات في الحزب والحكومة، لتعقب ومعاقبة كل ممن أطلق عليهم اسم "النمور" و"الذباب" نسبة لكبار المسئولين الفاسدين وصغارهم. وتركز الحملة ليس فقط على رصد السلوكيات غير المشروعة مثل المتاجرة بالنفوذ من أجل الأموال واساءة استغلال السلطة والغش في تنفيذ المشروعات والاثراء غير المشروع والرشاوى، وانما أيضا ممارسات العمل الضارة كالبيرقراطية والمظهرية والرفاهية والبذخ وحتى التقصير في أداء الواجب. وتتشدد السلطات في تتبع مخالفات الانضباط التي تشمل الاستخدام الشخصي لسيارات رسمية وتلقي مساعدات غير شرعية وتقديم أو قبول هدايا والانفاق ببذخ، واستخدام أنشطة ترفيهية ورحلات وسفر للخارج من الأموال العامة اضافة للتراخي في العمل. ولضيق المساحة، فسوف نعرض في مقال منفصل آخر تطورات تلك الحملة عسى أن تلهمنا وتدفعنا للتحرك، أخذا في الحسبان أن الكثير من المفاسد بالصين يماثل ما هو سائد لدينا . *********** وينعقد الأمل على أن يقدم الرئيس السيسي وحكومته دون ابطاء على اطلاق حملة جادة شاملة في كافة أرجاء البلاد لمحاربة الفساد، ليتسنى تعبئة الشعب وراء عملية إعادة البناء وما ستتطلبه من تواصل المعاناة والتضحية لفترة لاشك أنها ستطول، وكلما أمكن تحقيق نتائج ملموسة للجماهير كلما ضمننا اكتساب ثقتها في الحكام وحشد الطاقات لمساندة جهود الدولة. وهذا بالإضافة لتحقيق غاية أسمى وهي بدء تعويد الناس - من خلال تغليظ العقوبات الرادعة وتطبيقها الحازم - على عادات وصفات جديدة تعيد تدريجيا احياء القيم والأخلاقيات التي سادت في الماضي البعيد، مثلما أشاعت الدولة عكسها في السابق من خلال التهاون مع الفساد لعقود طويلة. وسنكون آملين المستحيل لو نادينا بإصلاح الأفراد لما بأنفسهم وتركنا الأمر لهم، ونخدع أنفسنا لو تصورنا اقدام الناس على تغيير ما بذاتهم وانتظرناه، فهي في المقام الأول مسئولية الدولة التي يتحتم عليها خلق الأطر لسلوكيات أفضل وفرضها. وما أدل على هذا من أن المصري الذي يهاجر لدولة أخرى منظمة تعلي القانون وتصون الحقوق والحريات وتكافح الفساد غالبا ما يظهر أحسن الصفات والسلوكيات ويكون منضبطا ومجتهدا ومتفوقا في العمل، ومن واجب الدولة لدينا أن توفر الأساسيات التي تضمن اخراج أفضل ما في الانسان تحقيقا لتقدم المجتمع. ولنتخذ من الصين عبرة ومثالا يحتذى، ونسارع لإنشاء "هيئة عليا مستقلة لمكافحة الفساد"، تنسق الجهود مع الأجهزة الرقابية القائمة أو تدمج تلك الأجهزة فيها لتفادي الازدواجية وهو الأفضل، بحيث تتخذ زمام المبادرة لرصد الانتهاكات والتحقيق فيها، واحالة الجسيم منها للقضاء والأقل جسامة الى الحكومة لتوقيع الجزاءات الملائمة، الى جانب اقامة خطوط ساخنة ومواقع على الانترنت لتمكين المواطنين من الابلاغ عن وقائع الفساد مع التدقيق في مدى مصداقية الشكاوى. ينبغي ألا تصرفنا الحرب ضد الارهاب والجهود الجارية لجلب الاستثمارات عن هدف محاربة الفساد وما تؤدي اليه من اصلاحات نحن في أمس الحاجة اليها، وانما يجب أن تسير هذه التحركات جميعا بالتزامن والتوازي لتحقيق أملنا في انقاذ البلاد والنهوض بها.

مشاركة :