تساءل الروائي العُماني سليمان المعمري: كيف يفكّر الرقيب؟ ما الذي يدفعه لمصادرة كتاب، والسماح بتداول كتاب آخر؟ وهل يراجع الرقيب نفسه؟ هل يؤنبه ضميره مثلا لمنعه كتاباً ما، فيسمح به بعد سنوات من المنع؟ وأجاب عن هذا السؤال الأخير - بجلسة الشهادات الأدبية التي ترأستها الروائية الأردنية ليلى الأطرش ضمن فعاليات ملتقى القاهرة الدولي السابع للإبداع الروائي "الرواية في عصر المعلومات" - قائلا: نعم. يحدث ذلك. فنحن البشر – بمن فينا الرقباء- يتطور وعينا مع مرور العمر، وتتبدل كثير من قناعاتنا بمضي الزمن، وما يغدو اليوم ممنوعا يصبح متداولاً في الغد. وكل الرقباء خطّاؤون، وخير الرقباء التوابون عن المصادرة والمنع. لكن هل يحدث العكس؟ هل يتراجع إيمان الرقيب بحرية الكتابة والرأي مع الوقت بحيث يمكن أن يعيد النظر في كتاب سمح بتداوله، فيقرر منعه بعد سنوات من هذا السماح؟ ويجيب المعمري ثانية: أيضا نعم. والشاهد على ذلك ما حدث في معرض مسقط الدولي للكتاب عامي 2018 و2019 حيث جرت مصادرة كُتُبٌ ظلت قبل ذلك متداولة في المعرض نفسه لسنوات عديدة، بل إن بعضها كان قد فاز بجائزة المعرض! ويتساءل مرة أخرى: ما الذي يودي بالرقيب إلى هذا النكوص؟ ما هي الأمور والملابسات التي قد تكون استجدت فجعلت المسموح به ممنوعا؟ هل هي ملابسات تتعلق بالكتاب؟ أم بالرقيب؟ أم بطرف ثالث مجهول؟، وهل يجدي المنع في عصر السماوات المفتوحة التي تجلب لك كتب العالم إلى غرفتك بكبسة زر؟ ويسعى الكاتب العماني من خلال طرحه لهذه الأسئلة وغيرها إلى تقليبها على طاولة النقاش من خلال شهادة عن تلقّي الرقيب العُماني لروايته "الذي لا يحب جمال عبدالناصر" التي صدرتْ عن دار الانتشار العربي ببيروت عام 2013، وفازت عام 2014 بجائزة الكتاب الأكثر قراءةً في معرض مسقط الدولي للكتاب، وعام 2018 تم منعها من التداول في سلطنة عُمان، وما زال هذا القرار ساريا حتى كتابة هذه الشهادة. لا يعد الكاتب هنا بتقديم إجابات شافية عن الأسئلة أعلاه، بقدر ما يعد بتفجير الأسئلة. أليست هذه أصلاً هي مهمة الكاتب النبيلة؟ ومن رواية "الذي لا يحب جمال عبدالناصر" إلى التحديات القومية والسرد الروائي في شهادة الكاتب المصري محمد سلماوي الذي قال: في الوقت الذي يبدو فيه أن الرواية في الغرب تتجه إلى مزيد من الغوص داخل النفس البشرية والتعبير عن عوالم الكاتب الذاتية، فإن الرواية العربية تبدو أكثر التحامًا بالقضايا القومية الآخذة في التفاقم بشكل متزايد على الساحة العربية، التي صارت تحتل المساحة الأكبر في حياة الإنسان العربي في الوقت الحالي، سواء كانت قضايا سياسية أو اجتماعية أو ثقافية، فالأزمة التي يمر بها الوطن العربي في الوقت الراهن تولَّدت عنها أزمات تتعلق بمشاكل الاقتتال والتجزئة وبالحروب الأهلية وبالصراعات الطائفية في ظل غطرسة واستعلاء القوة الإسرائيلية وتشوُّش الهوية القومية الجامعة، وغياب الحرية وحقوق الإنسان. ويرى سلماوي أن الأديب العربي الذي كان يمكن أن يقنع في الماضي بتقديم قصص الحب أو الصراعات العاطفية، يجد نفسه الآن في مواجهة التداعيات الناتجة عن تلك القضايا التي تستحوذ على اهتمام القارئ وتتقدم على انغماسه في مشاعره العاطفية. وعن تجربته الأدبية الخاصة وجد سلماوي أن القضايا القومية الكبرى، كالصراع العربي الإسرائيلي وقضايا الحرية والديمقراطية وعلاقة المواطن بالسلطة، تشغل موقعًا متقدمًا في أعماله الروائية والمسرحية والقصصية، ففي رواية "الخرز الملون" على سبيل المثال، تحتل قضية الصراع العربي الإسرائيلي مركز الصدارة باعتبارها القضية الأم التي تتحكم في الوجود العربي ذاته، وتجسد آلام وآمال المواطن منذ ما يزيد على سبعة عقود، وقد تداخلت تطورات ذلك الصراع مع أحداث الرواية وأثرت في تشكيل شخصياتها بقدر ما تتداخل وتؤثر في حياة الإنسان العربي المعاصر، وبطلة الرواية، نسرين حوري، تتحول من خلال أحداث الرواية إلى رمز لفلسطين ذاتها بما تخوضه من صراعات عاطفية في حياتها الشخصية تتقاطع تفاصيلها مع الأحداث القومية الكبرى، فتنتصر مع انتصارات الوطن وتنهزم مع انكساراته. أما في رواية "أجنحة الفراشة" فيؤكد سلماوي أن البطل هو المجتمع المصري المأزوم قبيل اندلاع ثورة ٢٥ يناير ٢٠١١ و٣٠ يونيو ٢٠١٣، وهنا أيضًا تضغط الأحداث السياسية الكبرى على تفاصيل حياة أبطال الرواية فتحول دون تطورهم وازدهار أحلامهم، فكلٌّ منهم يبحث عن نفسه في مجتمع يتسم بالضياع، ويسعى دون جدوى لتحقيق ذاته، لكن الذات الفردية يصعب أن تتحقق بعيدًا عن تقدم الوطن وازدهاره، وليس من قبيل المصادفة أن تصل كل شخصية في النهاية لتحقيق ذاتها المفقودة - كل منها بطريقتها - في الوقت الذي تندلع فيه الثورة ويسقط النظام فيتحقَّق الخلاص على المستوى الجمعي للمجتمع. وعن "الطابق المسحور في المنظومة الثقافية" يقول الكاتب المصري نبيل عبدالحميد: أبدأ بحمد الله وشكره على أن وفقني لنيل جائزة الدولة التقديرية في الفنون والأداب عام 2016، وعلى الدولة وبتصويت نخبة من رواد الثقافة الأجلاء. وهذا التوفيق عوضني عن بعض الضيق الذي لاحقني منذ فترة طويلة لم أتوان فيها عن العطاء الإبداعي والمشاركة الحقيقية في المنظومة الثقافية، فقد أنجزت سبع روايات وعشر مجموعات قصصية وكتابية في النقد الأدبي وسبعة أعمال درامية ما بين أفلام وسهرات تليفزيونية ومسلسل إذاعي. وأوضح عبدالحميد أنه سبق أن حصلت على جائزة الدولة التشجيعية في الرواية عام 1984 ووسام الفنون والآداب من الطبقة الأولى عام 1986 ثم جائزة محمود تيمور في القصة القصيرة 1995 وجائزة التميز بإتحاد الكتاب عام 2014. وقال: ما زلت أزاول عطائي بالمشاركة العضوية في لجنة القصة يالمجلس الأعلى للثقافة منذ حوالي ثماني سنوات ورئاسة مجلس إدارة نادي القصة منذ سنة 2010 إلى الآن . وأضاف: في هذه الشهادة أرى أنه من واجبي أن القى بعض الضوء على نادي القصة بصفتي المشرف على إدارته في الوقت الحالى وكنت أحد المسئولين عن إدارته منذ أوائل السبعينيات. وأشار إلى أن نادي القصة بالقاهرة من أعرق المنشآت الثقافية الإبداعية في مصر. إذ ترجع فكرة إقامته إلى مجموعة من رواد فن كتابة القصة وعشاقها وأصحاب البصمة في تطورها، وتحققها بلغتها العربية على مستوى العالم. ففي أوائل النصف الثاني من القرن الماضي بدأ رائد الفكرة الكاتب الروائي يوسف السباعي في بلورة الهدف المنشود، وتجميع الأعضاء والأشلاء، ووضع مشروع الميزانية التأسيسية، ثم إتخاذ طريق التنفيذ الفعلي للمشروع حيث أصبحت الفكرة واقعا ملموسا. وهكذا انضم إلى النادي مجموعة من أعلام الفكر والإبداع القصصي أمثال طه حسين والشرقاوي وعبدالحليم عبدالله وجوهر وتيمور وبنت الشاطئ وصوفي عبدالله وثروت أباظة. وبدأ النادي يزاول نشاطه في إقامة الندوات الأدبية حول فن كتابة القصة، ومناقشة القضايا الفكرية المعاصرة في النقد والإبداع.، وفي دور اللغة وتطويرها وتنميتها الخ. مما يساعد على إتاحة المناخ الجيد للتحاور والمناظرة بين الرواد الراسخين في هذا الفن، وبينهم وبين براعم الشباب من الموهوبين الملتمسين طريق التماسك وإثبات الذات في هذا المجال. بالإضافة لذلك قام النادي بتحديث مسابقة سنوية كبيرة لكتاب القصة الأصلاء ورصدت لها جوائز قيمة على رأسها الجائزة الأولى التي تمنح ميدالية ذهبية باسم عميد الأدب العربي طه حسين، إلى جوار جائزتها المالية. وإذا ما عدنا إلى لوحة الشرف المعلقة في صدر النادي منذ الستينيات من القرن الماضي لوجدنا الكثير من أسماء أعلام الفن القصصي الذين يتصدرون حياتنا الإبداعية في الوقت الراهن. وفي شهادته على مسيرة نادي القصة قال نبيل عبدالحميد: أصدر النادي سلسلة الكتاب الفضي وقتها وشارك في مادته الكثيرون من الأسماء المعروفة، أصحاب المدارس والاتجاهات المختلفة في فن الإبداع القصصي. ثم حمل الراية، من بعدهم جيل لاحق من المخلصين لفن القصة. وهكذا أثرت سلسلة الكتاب الفضي المكتبة العربية بإصداراتها القيمة في هذا الفن. وأخيرا فمن ضمن نشاطات النادي إصدار مجلة القصة، لتكون المجلة الوحيدة المعنية بنشر القصة ونقدها وقضاياها على مستوى العالم العربي. وبالتالي فقد لاقت هذه المجلة إقبالا كبيرا بين براعم الفن القصصي وروّاده على حد سواء.
مشاركة :