شركات السيارات .. مستقبل ضبابي بفعل التكنولوجيا والمنافسة الصينية

  • 6/2/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

في شهر شباط (فبراير) الماضي، أعلنت شركتا "بي إم دبليو"، و"ديملر" لصناعة السيارات، شراكة بقيمة مليار يورو لتطوير مجموعة من الخدمات بشكل مشترك. وحمل الخبر في حينها أصداءً وتفاعلات قوية في صناعة السيارات العالمية، حيث عدّه بعض الخبراء علامة واضحة على كيفية تغير العلاقات الداخلية في تلك الصناعة التي تتجاوز مائة عام. وقناعة الخبراء بأهمية تلك الخطوة، كان مرجعها التقاليد التنافسية الشديدة في صناعة السيارات الألمانية، فعمالقة صناعة السيارات الألمانية، من أمثال "بي إم دبليو" و"ديملر"، خصوم شرسون لم يُعرف عنهم التكاتف. إلا أن الخطوة الألمانية على أهميتها لم تكن الوحيدة من نوعها، إذ سبقتها وتلتها جهود ممثلة في أماكن أخرى من العالم، إذ وافقت "فولكسفاجن" الألمانية و"فورد" الأمريكية، على البحث المشترك في طرق العمل على المركبات ذاتية التحكم، بينما استثمرت "هوندا" نحو 2.75 مليار دولار في تطوير نظام مشترك مع شركة جنرال موتورز بهدف إطلاق أسطول من سيارات الأجرة ذاتية الحركة. وعلى المنوال نفسه، كانت هناك درجات مختلفة من "التعاون" بين "تسلا"، و"ديملر"، و"فولفو"، و"بي إس أيه"، وكذلك بين شركات صناعة السيارات وشركات التكنولوجيا. آخر مظاهر "الاندماج" في عالم صناعة السيارات، اقتراح تقدمت به شركة "فيات - كرايسلر" للاندماج التحويلي مع شركة رينو الفرنسية. الاندماج المقترح حتى الآن بنسبة 50 في المائة لكل منهما، سيكون كفيلا، وفقاً للبيان الصادر عن شركة فيات، في بروز "قائد عالمي في مجال صناعة السيارات الذي يشهد تحولا بوتيرة سريعة، قائد يتمتع بمكانة قوية على صعيد الصناعات التحويلية بما في ذلك صناعة السيارات الكهربائية وذاتية القيادة"، وفي حال برز هذا الكيان الجديد للعلن، فإن قدرته الإنتاجية المتوقعة ستصل إلى 8.7 مليون سيارة سنوياً. اقتراح "فيات" و"ديملر" هو الأحدث في سلسلة متنامية من الشراكات داخل صناعة السيارات التقليدية، التي تواجه مستقبلاً غير واضح المعالم، حيث تتزايد المخاوف من أن يكون في مقدور الجيل القادم من التكنولوجيا، الانقضاض على الصناعة حيث يصبح الموجه الحقيقي لها هم قادة ورؤساء مجالس وادي السيليكون وليس ديترويت أو فولفسبورج. ويوضح لـ "الاقتصادية"، الدكتور مايكل كريس؛ أستاذ هندسة صناعة السيارات في جامعة جلاسكو، أن "عمليات الشراكة والاندماج تعكس التوتر السائد في صناعة السيارات التقليدية، وعدم وجود رؤية واضحة أو محددة تجاه مستقبل الصناعة أو المسار الذي ستسلكه في ظل التطورات التكنولوجيا المتسارعة، ولذلك تكتلها أو اندماجها يساعد على خفض حدة المخاطر عبر توزيع التكلفة الإنتاجية على أكثر من شريك". وترتبط وجهة نظر كريس؛ بقضية ارتفاع تكاليف البحث والتطوير في التقنيات الجديدة في صناعة السيارات التي تكلف مليارات الدولارات، ولهذا تفضل الشركات الكبيرة المشاركة في الأعباء بدلا من التكرار. ويعود جزء أساسي من عمليات الشراكة الراهنة إلى التحديات التي أطلقتها السيارات الكهربائية في الأسواق. وفي هذا السياق، يقول لـ "الاقتصادية"، مهندس استشاري في شركة فوكسويل لصناعة السيارات، إن "السيارات الكهربائية لا تزال تمثل نسبة صغيرة فقط من المركبات على الطرق، لكنها أحدثت تغيراً في المفاهيم الإنتاجية، حيث عززت العلاقة القائمة بين الصناعات التكنولوجية وعالم السيارات، ومن المتوقع أن تصبح السيارات الكهربائية في مقدمة السيارات المستخدمة في السنوات الخمس القادمة، وذلك نتيجة الجهود الدولية لخفض مستويات انبعاثات المركبات من الديزل والبنزين، وهذا حتماً سيدفع شركات السيارات الكبرى إلى إعادة النظر في مجمل العملية الإنتاجية، نتيجة وجود لاعبين جدد تختلف أساليب الإنتاج لديهم". إلا أن أندريه روبن؛ الباحث الاقتصادي، يعتقد أن للموضوع أبعاداً أخرى، ويفسر ذلك لـ "الاقتصادية"، قائلاً إن "العامل التكنولوجي أحد العوامل التي تدفع إلى الشراكة، ولكن هناك أيضاً العامل الصيني، إذا جاز التعبير، فما يحدث خطوة استباقية من قِبل شركات صناعة السيارات وشركات التكنولوجيا الغربية. الطرفان يعلمان حجم التحديات التي سيواجهنها خلال السنوات المقبلة، من الشركات الصينية العاملة في مجال إنتاج السيارات أو في مجال التكنولوجيا، ولذك صناعة السيارات في العالم الغربي تتحالف وتندمج فيما بينها لإقامة كارتيل عملاق يمكنه التصدي للشركات الصينية، وتتحالف أيضاً مع شركات التكنولوجيا لتطوير قدرتها على مواجهة العملاق الصيني". ويشير روبن؛ إلى أن "صناعة السيارات الصينية لا تزال تعاني كثيراً من الصعوبات، أبرزها ضعف إجراءات الأمن والسلامة والكفاءة في مجال القيادة، وهو ما يضعف من قدرتها على اختراق الأسواق الغربية، التي تعد معايير السلامة في مقدمة العوامل التي تحدد اختيار المستهلك نوع السيارة، تلك العوامل تغيب عن اختيارات المستهلك في عديد من البلدان النامية في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وإذا أخذنا في الحسبان أيضا انخفاض تكلفة إنتاج السيارات الصينية مقارنة بالأوروبية أو الأمريكية، يمكننا أن نفهم حجم التحدي الذي تمثله صناعة السيارات الصينية لنظيرتها الغربية، وهو ما يدفع الشركات الكبرى في عالم السيارات، إلى الاندماج والتحالف في الوقت الحالي". وعلى الرغم من أن بعض الخبراء يضع هذا النمط التحليلي ضمن حدود نظرية المؤامرة، إلا أن التصريحات الصادرة من كبار المسؤولين في شركات إنتاج السيارات والراغبين في الاندماج مع شركات أخرى تعزز الفرضية، فقد أعلنت شركة فيات أن الاندماج مع "ديملر" يعني أن إجمالي العائدات السنوية للشركتين في حالة الاندماج سيتجاوز 17 مليار يورو، بربح تشغيلي يزيد على عشرة مليارات يورو وصافي أرباح ثمانية مليارات يورو.

مشاركة :