ما أن يقترب موعد شهر رمضان المبارك إلا وتدب حياة مختلفة نابضة في كل جنبات العراق كغيره من بلاد الإسلام، فينطلق الجميع في استعداداتهم للتجهيز لاستقبال لهذا الشهر الكريم، حيث تشهد شوارع العاصمة بغداد وبقية المحافظات قبل شهر رمضان بأيام تزيين الشوارع وتعليق اللافتات الضوئية المعبره عن رمضان، وتبدأ جماعات المساجد بحملات تنظيف وترتيب وإعادة فرش المساجد بالسجاد، وتزيينها بالأضواء المتعددة الألوان، وتقوم ربات المنازل بعمليات تنظيف للبيوت، وزيارات متكررة للأسواق الشعبية التي من أبرزها "سوق الشورجة" من أجل شراء احتياجات تساهم في تجهيز المائدة الرمضانية العراقية الشهية. تنوع غذائي يقول الإعلامي العراقي "فراس الدليمي" في حديثه لـ"سبق" إن أهم ما يميز مائدة رمضان في العراق هو التنوع الكبير في الوجبات الشعبية والدسمة، حيث إن العائلة العراقية خلال شهر رمضان لديها هوس كبير في تنوع الوجبات، فهي لا تطبخ صنفاً واحداً لمائدة الإفطار، بل تتفنن في التجهيز والإعداد لأشهى الأكلات والأطباق، ولهذا أصبحت المائدة العراقية مشهورة جداً على مستوى العالم العربي لما فيها من تنوع كبير في وجباتها وأصنافها. ومن أشهر تلك الأكلات هي "الدولما" و"السمك المسقوف" و"البرياني" وأيضاً "الدليمية" التي لابد أن تكون حاضرة، بالإضافة إلى المشويات من اللحوم، فهذه الأكلات تعد أبرز ما تحتويه المائدة العراقية خلال شهر رمضان المبارك. وهناك أيضاً بعض الأكلات المميزة التي تشتهر بها المائدة العراقية خلال شهر رمضان مثل "شوربة العدس" التي تكاد أن تكون رقماً واحداً في المائدة، بالإضافة إلى اللبن البارد والتمر، ثم تأتي بقية أصناف الطعام التي تتنوع بها المائدة العراقية، كمرقة الفاصوليا اليابسة ومرقة الباميا. وتضم المائدة العراقية مجموعة لذيذة من الحلويات التي تعتبر من أميز أصناف السفرة الرمضانية مثل "الزلابية" و"البقلاوة" و"زنود الست" و"البرمة" والكثير من أصناف الحلويات التي يحرص العراقيون على وجودها في مائدتهم خلال هذا الشهر، فمتاجر الحلويات في العراق تكون في أوج مواسمها في هذا الشهر. عصائر رمضان ويضيف "الدليمي" أن في شهر رمضان المبارك تظهر مجموعة من العصائر اللذيذة التي لا نكاد نراها الإ في هذا الشهر، وحقيقة لا نعلم سر ارتباطها الوثيق به مثل: عصير تمر الدين وعصير التمر الهندي وعصير الزبيب وعصير الرمان وعصير نومي البصرة، فهذه العصائر تكاد تختفي في كل أشهر السنة وتظهر في شهر رمضان، فأصبحنا نسميها "عصائر رمضان". تبادل أطباق ومن العادات الرمضانية الشهيرة في العراق والتي لا يمكن تجاهلها يقول "الدليمي" إن العوائل العراقية اعتادت على تبادل أكلات وأطباق مائدة الإفطار، حيث تقوم العائلة بإرسال طبق معين من المائدة إلى جيرانها، الأمر الذي تقابله تلك العائلة الآخرى بإرسال طبق آخر مما تتميز بطبخه للعائلة الأولى. وتتمسك العوائل العراقية أيضاً وبشكل يومي خلال شهر رمضان بعادة إخراج وجبات إفطار الصائمين والتي يتم إعدادها جيداً للفقراء والمساكين والأيتام، وكذلك تقدمها لموائد إفطار الصائمين المنتشرة في عدد من المساجد والجوامع والميادين. مائدة واحدة يؤكد "الإعلامي فراس" أن لدى العوائل العراقية في شهر رمضان المبارك ترابطاً متيناً فيما بينهم، وهذه من التقاليد التي لا تزال سارية في العراق، حيث يحرص كافة أفراد الأسرة العراقية على جلسات الإفطار الجماعية التي تلم شمل الأسرة على مائدة إفطار واحدة مع والديهم أو أبنائهم، حيث إنهم يلتزمون بالعودة جميعاً من أعمالهم ومصالحهم التي قد تكون داخل أو خارج المدينة من أجل تناول وجبة الإفطار والسحور في منزل واحد وعلى مائدة واحدة، كذلك الأبناء المتزوجون الذين يسكنون في منازل مستقلة عن والديهم يحرصون على الحضور والاجتماع وتناول وجبة الإفطار في منزل والدهم أو أخيهم الأكبر. تبادل الزيارات ويتميز المجتمع العراقي خلال هذا الشهر بالعديد من السمات الجميلة، حيث تنشط العوائل العراقية في رمضان بتبادل الزيارات الودية بينهما، والتي من شأنها زيادة الألفة والمحبة بينهم، وتحرص تلك العوائل على أن تكون الزيارات إما على وجبة الإفطار أو وجبة السحور أو في بين هذين الوقتين. لعبة محيبس وتشتهر مدينة "بغداد" وعدد من المحافظات العراقية في شهر رمضان تحديداً بلعبة "محيبس" الشعبية وهي تصغير لكلمة "محبس" أي خاتم، ويوضح "الدليمي" أن هذه اللعبة التي لا تشاهدها بالعراق إلا في شهر رمضان المبارك فقط بالمناطق الشعبية، حيث يقوم الأفراد بتكوين فرق خاصة بأي عدد ممكن ويتنافسون فيما بينها، حيث يقوم أحد الفريقين الذي يشتري المحبس، بعدد من النقاط التي يتم منحها للفريق الآخر، بتخبئته بيد أحد أفراد فريقه بدون علم الفريق الثاني، وعندها يقوم أحد أفراد الفريق الثاني بالبحث عن المحبس بين أيادي الأشخاص المقفلة والتي يعتقد بعدم وجود المحبس بيدهم، فإن أخرج أحد اللاعبين وكان المحبس بيده يخسر الفريق نقطة. ويعاد تخبئة، ويستمر اللعب هكذا لحين وصول أحد الفريقين لمجموع النقاط التي يتفق عليها مسبقاً، وبذلك يكون هو الفريق الفائز ويحصل على الجائزة ويدفع الفريق الخاسر تكلفة أطباق الحلويات التي يتم توزيعها على أفراد الفريقين والحضور، وعادة ما ترافق "لعبة محيبس" مجموعة من الأهازيج والأغاني التراثية، مثل المربعات والجالغي البغدادي لبث الحماس بين المشاركين والحضور. أجواء روحانية ويكشف "الإعلامي فراس الدليمي" عن طقوس آخرى لدى العراقيين خلال شهر رمضان المبارك والتي تعتبر من "الطقوس الروحانية" التي تشهد فيها المصلين والعاكفين وهم يتهافتون لأداء الصلاة وإقامة الخطب والمحاضرات الدينية المتعلقة بشهر رمضان في مساجد العراق التي تبقي أبوابها مفتوحة منذ صلاة العصر إلى صلاة الفجر. وليلاً يقول: إن العاصمة "بغداد" وكل المحافظات العراقية تعيش أجواءً ليلية جميلة جداً وسهرات حتى موعد وجبة السحور، حيث الأسواق الشعبية تشهد رواجاً كبيراً إضافة إلى المقاهي الشعبية، حيث تبدأ العوائل العراقية في أواخر الشهر بالنزول لتلك الأسواق بشكل كبير من أجل الاستعداد لشراء ملابس عيد الفطر للأطفال والكبار.
مشاركة :