القضاء على البطالة يعيق فرص النمو المستقبلية!

  • 6/2/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعد البطالة أحد أهم المؤشرات الكلية لأي اقتصاد، لما تقدمه من مؤشر على قدرة الدولة على استغلال الموارد البشرية المتاحة، بما يسهم في تحقيق النمو من ناحية ويلبي الاحتياجات الإنسانية للذين يعملون من ناحية أخرى. ورغم أن هدف الحكومات باستمرار يكون تخفيض البطالة قدر المستطاع، فإن «إيكونوميست» مثلاً حذرت من الضرر الذي يتعرض له الاقتصاد الأميركي جراء انخفاض البطالة إلى معدلات قياسية (%3.8 في مارس الماضي)، وأن ذلك يشبه رفع درجة حرارة محرك السيارة، وبعيد عن «معدلات البطالة الطبيعية». ويختلف تعريف معدل البطالة الطبيعية، فبينما يراه البعض نسبة البطالة إذا لم تتدخل الدولة من خلال توظيف العاطلين عن العمل، يراه آخرون معدلاتها إذا تم استخدام عنصرَي رأس المال والمواد الخام بدرجة عالية من الكفاءة. غير أن غالبية الاقتصاديين يقصدون من معدلات البطالة الطبيعية، أي تلك التي تضمن للاقتصاد وجود العمالة المطلوبة، من دون أن تؤدي وفرة عنصر العمالة إلى انخفاض أجورها بشكل يضر بالتوازن بين العرض والطلب عليها. وفي اميركا مثلت تقدر دراسة للبنك الفدرالي نسبة البطالة «الطبيعية» بـ4.5 الى %5 تقريباً طوال العقد الماضي بأكمله، رغم أن تقديرات البنك للنسبة نفسها كانت أعلى خلال سنوات سابقة. ولذلك فإنه رغم احتفاء مؤيدي الرئيس ترامب بتراجع البطالة بشدة، فإن موقع «ذا بالنس» يرى في هذا التراجع مؤشراً سلبياً للمستقبل، ومن ذلك أن أدنى معدل بطالة في تاريخ الولايات المتحدة كان عام 1944 عند نسبة %1.2، وفي عام 1958 بنسبة %2.5، وفي كلتا الحالتين اقترن التراجع الشديد للبطالة بالحروب. الحالة اليابانية ففي منتصف الأربعينات احتاج الاقتصاد الأميركي الى توظيف كل من يقدر على العمل، دعماً للإنتاج الداخلي والمجهود الحربي على حد سواء، بينما في الخمسينات كان السبب وراء تدني معدل البطالة الحرب الكورية، وفي كلتا الحالتين لم يكن السبب طبيعياً. الأزمة أنه في الحالتين تراجع «الإنتاج ذو الطابع المدني» بنسبة كبيرة، ففي الحرب العالمية الثانية تراجع هذا الإنتاج بنسبة %17، بينما تراجع في فترة الحرب الكورية بنسبة %8، وذلك رغم تراجع معدلات البطالة. وفي أعقاب الحربين شهدت نسب البطالة تزايداً مطرداً في ظل تحول جزء كبير من الإنتاج من العسكري إلى نظيره المدني، وأدى هذا إلى تراجع كبير في مستويات الأجور (%15 تقريباً في أعقاب الحرب العالمية الثانية) في ظل قلة العمالة المُدربة واحتياجها الى عمليات إعادة تأهيل. وتبرز «الحالة اليابانية» في تبيان مدى ضرر انخفاض معدلات البطالة الشديد على الاقتصاد، ففي ظل معدل بطالة لا يتجاوز %2.5 خلال السنوات الأخيرة تقلصت الفجوة بين الأجور بشدة في بلاد الشمس المشرقة، حيث لا تجد الوظائف الأدنى من يشغلها إلا بمقابل مادي كبير. والأزمة هنا أن العمالة اليابانية التي تضطلع بالأعمال المتدنية قادرة على القيام بما هو أفضل أو بما له قيمة مضافة أعلى، ولكن العجز الشديد في العمالة يدفع العمال وأصحاب العمل الى توظيف بعض ذوي المهارات العالية في مهن لا تستغل مهاراتهم بما يعكس قيمة مُهدرة. البطالة «المثالية» تشير دراسة لجامعة «يال» إلى أن النسبة الطبيعية للبطالة ليست رقماً جامداً بمعنى أن تكون %5 على سبيل المثال فحسب، بل يجب أن تكون تلك النسبة مؤهلة لكي تشغل وظائف متاحة بالسوق، ولا تحمل مهارات عفى عليها الزمن أو غير مرغوبة على نطاق واسع. ولذلك يوصف رقم البطالة في ألمانيا بأنه «الأكثر مثالية في العالم» (%3.1 في فبراير الماضي)، ففي ظل ما يتلقاه الألمان من دورات تدريبية تفوق المتوسط في دول العالم المتقدم بـ1.4 دورة في العام، فإن هذه العمالة تكون مؤهلة للعمل، ولكنها لا تجد ما يلائمها (مادياً أو معنوياً). فرغم أن تعريف البطالة في ألمانيا يستلزم استمرار الشخص في البحث عن عمل دون إيجاده لستة أشهر على الأقل، فإن تقديرات مكتب الإحصاء الألماني العام تشير إلى أن %86 من هؤلاء العاطلين بوسعهم القبول بأعمال عُرضت عليهم، لكنهم يبحثون عما هو أفضل، بما يجعل الأعمال قادرة على العثور على احتياجاتهم، والعمال قادرين على البحث عن عمل أفضل. وتدني البطالة عن نسب معينة، وهي حالة تختلف باختلاف حالة كل اقتصاد، يؤشر الى أزمة مستقبلية ستعترض هذا الاقتصاد في تدبير العمالة بـ«الكلفة المناسبة»، ففي حالة تخيل وصول اقتصاد إلى %0.0 بطالة، فإن ذلك سيعيق فرص النمو المستقبلية. فإذا سعى شخص الى إنشاء شركة جديدة أو التوسع في أخرى قائمة، فإنه لن يجد العمالة المطلوبة، فسيضطر الى دفع أجور أعلى لبعض العاملين ليتركوا أعمالهم، وهكذا تفرض الأجور المتزايدة ضغوطاً على الاقتصاد ويبقى العجز في عنصر العمل قائماً. (أرقام)

مشاركة :