تعتزم هيئة تنمية المجتمع في دبي إنشاء مركز تأهيل ورعاية المتعافين من الإدمان داخل مقر المؤسسات الإصلاحية والعقابية في دبي يستوعب 50 نزيلاً في المرحلة الأولى بحلول 2020. كشفت الهيئة عن ذلك خلال جولة لـ«البيان» في «عنبر عونك» داخل المؤسسات الإصلاحية والعقابية في دبي، الذي أطلقته هيئة تنمية المجتمع في فبراير من العام الماضي 2018، بالتعاون مع الإدارة العامة للمؤسسات العقابية والإصلاحية، ويضم 22 نزيلاً، بغرض الاطلاع على البرامج التأهيلية للنزلاء في قضايا الإدمان، وإجراء لقاءات معهم. وتبذل المؤسسات جهوداً لافتة لإعادة صياغة أسلوب الكثير من الأفراد الذين انحرفوا عن جادة الصواب، وتراعي آدمية النزلاء وتصون كرامتهم، إضافة إلى اتباع القواعد الأمنية والصحية والنظافة، بما يؤهلها للصفوف الأولى ضمن التصنيفات العالمية لحقوق الإنسان. جهود حثيثة واطلعت «البيان» بشكل كامل على المشروع الرائد «عنبر عونك» الذي يهدف إلى تأهيل الموقوفين بقضايا الإدمان، اجتماعياً ونفسياً، بما يعزز فرص اندماجهم في الأسرة والمجتمع بعد الإفراج عنهم، ويقلل احتمالات عودتهم، فهو بمنزلة مركز تأهيل متكامل خلف القضبان. وأكدت الدكتورة هدى السويدي، مديرة إدارة الفئات الأكثر عرضة للضرر بهيئة تنمية المجتمع بدبي، أن الهيئة لديها خطة واضحة ومنهج عمل شفاف لإعادة الأمل إلى نفوس هذه الفئة، ومساعدتهم والأخذ بيدهم للعودة إلى طريق الصواب والتعافي بشكل كامل من الإدمان، مؤكدة أن التعافي الكامل من الإدمان يحتاج إلى إرادة صلبة ومتابعة حثيثة. وكشفت السويدي عن عزم الهيئة إنشاء مركز تأهيل ورعاية المتعافين من الإدمان، داخل مقر المؤسسات الإصلاحية والعقابية بدبي يستوعب 50 نزيلاً في المرحلة الأولى، بحلول 2020، وذلك بعد أن يتم نقل الأحداث الجانحين إلى مقر آخر، ليتم استغلال المركز، على أن تتم توسعته ليستوعب 100 نزيل في المرحلة الثانية. وأفادت بأنه تم وضع جدول يتضمن تأهيل اجتماعي وصحي وديني وحرفي، وأن هذا البرنامج مفتوح ومستمر حتى بعد الإفراج عن المدمنين، من خلال قسم رعاية السجناء وأسرهم الذي يعمل على معالجة المشكلات الاجتماعية والنفسية لنزلاء المؤسسات العقابية والإصلاحية، ومساعدتهم على تبنّي أفكار إيجابية تساعدهم على مواجهة الحياة داخل المؤسسات الإصلاحية وبعد الإفراج عنهم. وقالت إن هيئة تنمية المجتمع تقدم الخدمات النفسية والاجتماعية والإرشادية المتخصصة لجميع نزلاء المؤسسات الإصلاحية من الرجال والنساء، على اختلاف القضايا والأحكام التي يواجهونها، وأياً كانت جنسياتهم ودياناتهم، مع التركيز على فئة المواطنين، عبر برنامجها التأهيلي «عنبر عونك»، ويهدف إلى مساعدة الأشخاص على التعافي من الإدمان والمساهمة الفاعلة في التنمية المجتمعية، وذلك ضمن مبادرات هيئة تنمية المجتمع التأهيلية داخل المؤسسات العقابية والإصلاحية، وبعد دراسة وتخطيط مع عدة جهات ذات الصلة. نجاح لافت ونوهت بأن برنامج «عنبر عونك» يعتمد على برامج معتمدة عالمياً، أثبتت نجاحاً لافتاً في مختلف دول العالم، وتتلخص فلسفة البرنامج في توحيد جهود الجهات المعنية في مساعدة المدمن على التعافي بشكل صحي وآمن، وتوفير البيئة الحاضنة لإعادة انخراطه في المجتمع من خلال مبادرات ونشاطات تحول المدمن إلى شخصية فعالة مساهمة في جميع المجالات المجتمعية، وذلك من خلال المشاركة مع الآخرين الذين يتعاملون مع مشكلات من النوع نفسه. وأوضحت أن الخدمات التي تقدمها الهيئة لهذه الشريحة تشمل المساندة الفردية والجماعية والدعم النفسي للنزيل وأسرته لمساعدته على تجاوز تأثيرات الماضي ومشكلاته النفسية والاجتماعية، وإعادة بناء حياته من خلال دراسة جميع تفاصيل قضيته وظروفه الأسرية والاجتماعية، وتقديم الإرشاد النفسي والاجتماعي والاقتصادي له، كما تشمل الإحاطة بالأسرة من خلال المساعدات المادية والإرشاد النفسي والاجتماعي لكل الأفراد، لتقبل الفرد بعد الإفراج وإيجاد بيئة صحية لتفادي تكرار الأخطاء المؤدية إلى عقوبة السجن. وأكدت الدكتورة السويدي أهمية احتواء وتأهيل نزلاء المؤسسات العقابية والإصلاحية قبيل الإفراج عنهم، بما قد يسهم في منحهم آفاقاً جديدة وفرصاً لاختيار نهج جديد لحياتهم بعيداً عن أخطاء الماضي، مشيرةً إلى ضرورة أن يعلم النزلاء أن لديهم أملاً جديداً في حياة أفضل تنتظرهم في الخارج بعد الإفراج. وأشارت إلى أنه من الضروري أن يجد هؤلاء النزلاء الدعم اللازم للحول بينهم وبين العودة إلى الإدمان ليشكّل هذا الدعم نقطة تحول لهم في حياتهم المستقبلية، وأن يسهم في دمجهم بصورة أفضل في أسرهم ومجتمعهم، مشددة على أن 50% من علاج المدمن يكون من خلال تأهيل أسرته للتعامل معه بشكل سليم. وقالت: «ما يقع به المدمن من مشكلات ويتكبده من خسائر مادية واجتماعية ونفسية يشكّل سبباً إضافياً لغرقه في مستنقع الإدمان، ويحيطه باليأس من المستقبل، ما يشكّل عائقاً دون شفائه التام وخطراً قائماً باحتمالية النكس، ومن هذا المنطلق باتت برامج تطوير الذات والتمكين جزءاً لا يتجزأ من خططنا التأهيلية، لأنها تعمل على بناء ما هدمه الإدمان، وتمنح الأمل بمستقبل أفضل وهو ما يوفر الحافز النفسي وفي الوقت نفسه تزود المتعافي بأدوات عملية يمكنه من خلالها الاندماج في المجتمع بشكل إيجابي وفعال، ونلاحظ تطوراً كبيراً في خطط التأهيل للنزلاء وانعكاس البرامج التأهيلية على استجابتهم النفسية والعملية في تحسين فرصهم في الاندماج في المجتمع بعد انقضاء فترة إيقافهم وفي الحصول على فرص عمل مناسبة وبدء حياة جديد. وأوضحت أن 6 من أصل 22 نزيلاً في قضايا الإدمان شملهم العفو الرمضاني وتم الإفراج عنهم، وسيقوم مركز عونك بدوره تجاههم في الرعاية اللاحقة لهم ولأسرهم. تأهيل اجتماعي ومن ناحيته، أكد الدكتور أحمد مسعد، اختصاصي تأهيل إدارة الفئات الأكثر عرضة للضرر بهيئة تنمية المجتمع، أن مركز عونك للتأهيل الاجتماعي يوفر خدمات الرعاية اللاحقة للمتعافين من الإدمان، عن طريق مجموعة من برامج منع الانتكاسة تشمل برامج متابعة دورية وبرامج لتنمية المهارات الاجتماعية والنفسية وبرامج رعاية اجتماعية، كما يوفر بالتعاون مع إدارات هيئة تنمية المجتمع دراسة اجتماعية متكاملة لمنتسبي المركز، للوقوف على تحدياتهم، والإسهام في وضع خطط لمعالجتها، بما يساعدهم على التطور الإيجابي ويمنع انتكاستهم. ويوفر برنامج عونك، الذي تشرف عليه هيئة تنمية المجتمع في المؤسسات العقابية والإصلاحية بشرطة دبي، خدمة تأهيل المتعافين من الإدمان في مرحلة الرعاية اللاحقة، وبشكل مشابه لما يقدمه مركز عونك للتأهيل الاجتماعي من برامج تأهيل اجتماعي متكامل للمتعافين من الإدمان، ويهدف البرنامج إلى استقطاب المتعافين في مرحلة مبكرة وقبل انتهاء فترة محكوميتهم بما يتيح لهم قطع شوط كبير من خطط التأهيل قبيل الإفراج عنهم. العلاج بالفن وقالت مريم الحلواني، اختصاصية علاج نفسي، إن مركز أتيك الإرشاد وللعلاج النفسي أطلق، بالتعاون مع هيئة تنمية المجتمع، أول برنامج تجريبي للعلاج النفسي عن طريق الفن في المؤسسات العقابية والإصلاحية لـ19 نزيلاً من المتعافين من الإدمان، إذ تقدم هذه الطريقة شكلاً آمناً من أشكال الرعاية العلاجية، وتوفر وسيلة يستطيع بها المحتجزون التعبير عن أنفسهم بطريقة مبتكرة وآمنة. وذكرت مريم الحلواني أنه من المعروف أن النزلاء قد يعانون عدداً من الأعراض النفسية بسبب الحبس، مثل الاكتئاب والقلق وإيذاء النفس والصدمات العاطفية والنفسية، موضحةً أن البرنامج التجريبي يعالج المشكلات المتعلقة بالإدمان التي دفعت الأفراد من الأساس إلى ظروف أدت في النهاية إلى حبسهم، من خلال إتاحة الفرصة لهم للتعبير عن مشاعرهم بالرسم والتلوين. وأضافت أن جميع المشاركين عبروا عن امتنانهم لتوفير هذا النوع من العلاج الذي يعد وسيلة للتخلص من القلق، ووسيلة علاجية تمكنهم من البدء بمواجهة معركتهم مع الإدمان سعياً لاستعادة رصانتهم، ما يجعله خطوة إيجابية على طريق التعافي، وضمان صحتهم الذهنية خلال قضائهم مدة الحبس. وأفادت بأن نتائج العلاج بالفن جاءت مذهلة، وأثبتت النسب المرصودة زيادة الوعي الذاتي بعد جلسات بنسبة 100%، إضافة إلى فهم أفضل لإدمانهم، فيما أكد 95% من المشاركين أن الجلسات سهّلت عملية تعافيهم من الإدمان. تأهيل شامل وأوضح النقيب محمد عبد الله العبيدلي، مدير إدارة تعليم وتدريب النزلاء في المؤسسات العقابية والإصلاحية بدبي، أن الإدارة تعمل على تأهيل النزلاء من الناحية الاجتماعية والنفسية والدينية والعلمية والرياضية والمهنية والثقافية، مشيراً إلى أنه عكف على تطوير الإدارة حتى أصبحت مدينة تأهيل متكاملة، وتضم 4 أقسام، وينظم فيها محاضرات توعوية ودورات تدريبية، حتى أصبح النزلاء يستمتعون بالاستفادة من أوقاتهم فيها. دعم أكد النقيب محمد عبد الله العبيدلي أن مكتبه مفتوح للنزلاء للاطلاع على مقترحاتهم واستفساراتهم، التي تلقى كامل الدعم، كما شكّلت الإدارة مجلس النزلاء للتشاور والاستفادة واكتشاف المواهب والقدرات بين النزلاء لتنميتها والاستفادة منها. متعافون: أصدقاء السوء وراء الانزلاق في مستنقع المخدرات شباب تتراوح أعمارهم بين 25 إلى 45 عاماً، وقعوا فريسة ببراثن المخدرات، وأسرهم يترددون ذهاباً وإياباً ويدعمونهم معنوياً ونفسياً، ليخرجوهم من مستنقع الإدمان، وفي ذاكرتهم العديد من القصص والأحداث التي يودون لو تمحى من ذاكرتهم عن قصة إدمان أبنائهم ورحلة العذاب التي عاشوها حتى آل بفلذات أكبادهم المطاف إلى داخل السجون. «البيان» التقت عدداً من الموقوفين في قضايا الإدمان، حيث أكدوا مدى استفادتهم من برنامج «عنبر عونك» ورقي المعاملة التي يلقونها في السجن، والبرامج المتنوعة التي تقدم لهم بشكل دوري، والرعاية الصحية العالية. 8 مرات البداية سيجارة وشيشة هذا ما قاله الشاب (ع.ح) الذي انزلق في وحل الإدمان منذ أن كان عمره 13 عاماً ودخل السجن وعمره 15 عاماً، ليتوالى دخوله السجن 8 مرات، وبعد أن خرج في المرة الأولى صمم والده أن يزوّجه علّ مسؤولية الزوجة والأبناء، تنضج عقله وشخصيته، من دون فائدة، فالتعافي من وجهة نظره يحتاج إلى العزيمة والإرادة وتقوية الوازع الديني وكلها صفات لم يكن يتحلى بها. وعندما علم أن أخاه حصل على حكم مؤبد نتيجة تجارته في المخدرات، أفاق من غيبوبته والتحق ببرنامج 12 خطوة في عنبر عونك عن رغبة صادقة في التعافي، فتعلم الصلاة وأصبح يبر والديه وزوجته وأبناءه من خلال محادثتهم في الهاتف بشكل شبه يومي ليطمئن عليهم ويطلب منهم الصفح والغفران، بل وحفظ 5 أجزاء من القرآن الكريم ليشمله العفو ويخرج للحياة النظيفة التي قررها لنفسه. توعية أصدقاء السوء ونقص التوعية والفضول ثالوث قاد (م.ع) إلى الإدمان على المخدرات منذ أن كان عمره لا يتجاوز 16 عاماً، حتى ضاعت أجمل أيام عمره، ووأدت طموحاته في الوظيفة والمركز المرموق، حيث كان يخطط أن يصبح ضابطاً في الدفاع المدني وفي طيران الإمارات، ولكنه رسب عامين في المدرسة، ولم يكمل دراسته. سُمعته السيئة بسبب التعاطي الذي قاده للسجن 3 مرات ألقت بظلالها على أختيه ففر ّمنهما العرسان والأسر الراغبة في تزويج أبنائها من فتيات ينحدرن من أسر مشرفة. وكونه الابن الوحيد وسط أختين، كانت الأسرة تعول عليه ولكنه خيّب أملها حين ساعدته أسرته وشجعته للسفر خارج الدولة لدراسة اللغة، واستكمال تعليمه ليعلو شأنه، فهبط بشأن أسرته وانزلق إلى مستنقع الإدمان. ثقة «الدراسة والوظيفة قد تتعوض، ولكن ثقة أهلي والمجتمع والعمر الذي ضاع لن يعوضهم شيء» بهذه الكلمات بدأ (أ.ج) البالغ من العمر 41 عاماً، حديثه معنا، حيث تعرّض للسجن 6 مرات خلال 16 عاماً قضاها في آفة المخدرات تخللتها مواقف صعبة كثيرة، وفي كل مرة كان يسجن فيها كان ينتظر بلهفة ويعد الأيام ليس ندماً ولا ليبدأ حياة نظيفة ليفتح مع نفسه فيها صفحة بيضاء جديدة، وإنما ليعود إلى التعاطي مرة أخرى. وأضاف: «أصبحت أخشى الخروج من السجن لأن شلة الظلام سيتلقفونني ويجروني إلى التعاطي مرة أخرى رغم أنني بدأت رحلة التعافي وأستمتع بالسكينة، بعد أن أنار لي «عونك» الطريق».طباعةEmailÙيسبوكتويترلينكدينPin Interestجوجل +Whats App
مشاركة :