“غزو الأجسام الخاطفة” (إنتاج 1956)، “حرب العوالم” (1963)، “الشيء” (1982)، “أي تي” (1983)، “الأخ من كوكب آخر” (1984)، “دكان صغير للرعب” (1986)، “يوم الاستقلال” (1996)، “العملاق الحديدي” (1999)، “علامات” (2002)، “حافة الأطلسي” (2013)، “تحت الجلد” (2013)، “حافة الغد” (2014)، “الموجة الخامسة” (2016)، كلها أفلام خاضت في ثيمة الحياة الأرضية مهددة بالأعداء الخارقين والمجهول مصدرهم، وشدت انتباه المتلقي لهكذا نوع من أفلام الخيال العلمي. وفي فيلم “الصمت” للمخرج جون ليونيتي هناك تحد يواجه سكان الأرض ضمن أجواء ديستوبية قاتمة، ويتعلق ذلك بكائنات تمتلك خواص الخفافيش ولكنها ضخمة وذات قدرة قاتلة قد تطورت جينيا في الكهوف حتى وصلت إلى وضع لا يمكن السيطرة عليه بفتكها بسكان الأرض. وفي ظل تلك الأجواء تنصح السلطات السكان بلزوم منازلهم، لكن قصص فتك تلك الكائنات بالبشر تدفع أسرة صغيرة مكونة من الزوج والزوجة وطفلين وجدتهما للنزوح باتجاه مناطق ريفية أكثر هدوءا ابتعادا من تلك الأجواء العصيبة. ونكتشف في ما بعد أن تلك الكائنات عمياء، لكن ما يجتذبها هو إطلاق أي نوع من الأصوات، وبذلك تذكرنا أحداث الفيلم بفيلمين سابقين حملا الثيمة نفسها وسبق أن تحدثنا عنهما في مقالين سابقين في هذه الصفحة، وهما فيلم “صندوق الطيور” (2018) وفيلم “مكان صامت” إنتاج السنة ذاتها، حيث أن الأصوات تستجلب أعداء وحشيين مما يستوجب الصمت الكامل.ويستخدم الفيلم خطوطا سردية عدة، إذ لا يكفي أن تهاجم تلك الكائنات البشر وتفتك بهم، لكن في موازاة ذلك هنالك جانب إنساني عميق يرتبط مثلا بالجدة المصابة بالربو والتي يصعب عليها كتمان صوتها وهي تلتقط أنفاسها بصعوبة بالغة، وهي التي سوف تفدي نفسها لكي تخلص حفيدتها الخرساء. تتحول قضية إطلاق الأصوات إلى فوبيا مدمرة، بحيث تحسب على الجميع حركاتهم وسكناتهم، لكن ذلك لن يكفي في ذلك الوضع المأساوي الذي يؤدي إلى إصابة الزوجة (الممثلة ميراندا أوتو) بجروح قاتلة من جراء مهاجمة الكائنات لها في واحد من أجمل المشاهد المصنوعة بعناية ما يدفع الزوج للبحث عن دواء. وفي موازاة ذلك، يتم بناء خط سردي جديد وابتكار حبكات ثانوية من خلال إيجاد مجموعة من المشعوذين الذين يختبئون خلف شخص يرتدي ملابس قس مقطوع اللسان، وهو الذي يبحث عن أي فتاة مراهقة لغرض ممارسة طقوس قطع لسانها، ويكون الهدف المقبل هو الفتاة الخرساء (الممثلة كيمان شيبكا) التي تنجو بأعجوبة. دراما قطع الأنفاس تتصاعد تحت سحابة من الكائنات الوحشية الطائرة التي تحوم في الأجواء لتهاجم أي مكان يصدر عنه الصوت في تحد يومي يؤدي فيه الممثل ستانلي توسي واحدا من أفضل أدواره. واقعيا لو نظرنا إلى الأفلام الثلاثة التي محورها قضية الصمت الإجباري أو الموت، نجد أن هنالك العديد من المشتركات إذ أنها جميعا تلتقي في ثيمة الكائنات الطائرة الوحشية التي تلاحق البشر في أجواء ديستوبية، فضلا عن القضية الأساسية التي تشكل محور العديد من أفلام الخيال العلمي، ألا وهو حال الناجين من الكارثة وكيف سيواجهون مصائرهم؟ وفي الأفلام الثلاثة سوف يتجه الجميع في الأخير إلى ملاذ آمن يبتعدون فيه عن مكامن الخطر التي يعجزون عن مواجهتها. الإحساس بالعجز واللاجدوى يلاحق الشخصيات في كل الأحوال في هذه الدراما، ونجد أن هنالك مزيجا ملفتا للنظر ما بين سينما الخيال العلمي وأفلام الرعب، مستذكرين هنا رائعة هيتشكوك في فيلمه “الطيور” (1963) التي يبدو أنها أسّست لنوع فيلمي بقيت فيه الطيور أو أشباهها من الكائنات ذات الأجنحة تحديا إنسانيا وموضوعا جذابا في هذا النوع. ولعل التحولات التي تطرأ على الشخصيات إنما تقوم على فكرة وجود تحد وخطر ما تقابله استجابة ورد فعل، وذلك هو المحور الذي اشتغل عليه هذا الفيلم سواء في مواجهة الأب للذود عن ابنته الخرساء أو في لجوئه لحيل ما تجتذب الكائنات المحلقة بإصدار أي أصوات تجتذبها، كما حصل بعد مقتل صديقه عند انقلاب سيارته. وخلال ذلك، عج الفيلم بمشاهد هجوم الكائنات المتوحشة على البشر، ومن ذلك لحظة انقلاب السيارة والانقضاض على ذلك الصديق ومشهد المرأة التي تطلق الرصاص بغباء فيؤدي ذلك إلى اجتذاب الكائنات الطائرة والإجهاز عليها أو اضطرار الجدة إلى الصراخ لكي تجتذبها فتنجو الحفيدة. تم إعداد الفيلم عن رواية للكاتب الألماني تيم ليبين حملت العنوان ذاته لصالح نيتفليكس بفريق عمل ألماني أيضا، ويبدو أن قصة الصمت والطيور أو أشباهها متفشية وتبقى كافية لاجتذاب المزيد من المعالجات السينمائية. وما عدا المعاناة اليومية للشخصية في إطارها الدرامي، فإن الفيلم لم يشكل إضافة كبيرة عن الفيلمين السابقين رغم استعانة المخرج بممثلين بارعين ومميزين ومحاولته الخروج عن التكرار في المعالجة، إلاّ أنه حتى في النهاية أوجد حلا سعيدا من خلال نزوح العائلة إلى أرض متجمدة يصعب على تلك الكائنات الوحشية العيش فيها.
مشاركة :