الرئيس عبدالفتاح السيسي الذي اعتلى سدة الحكم في ظرف دولي خطير يعيش أفضل أيامه، إذ يبدو أنه عبَر ببلاده من عنق الزجاجة في وقت ظن الكثير أن مصر دخلت نفقاً مظلماً، إلا أن الجبهة الداخلية المصرية أثبتت مناعتها وقوة حصانتها استناداً للإرث السياسي المبني على عمل حزبي وليس مشروعات طائفية أو دينية أو إثنية. استطاع الرئيس المصري - الذي راهنت المملكة ودول الخليج على قدرته إخراج بلاده من أزمة سياسة دولية وداخلية حرجة - أن يكون على الموعد ومستوى الاستحقاق، فمضى نحو أصعب الملفات وأكثرها تعقيداً، وهما الملف الاقتصادي وسدّ النهضة. فمنذ تولي الرئيس السيسي الرئاسة أدرك أن الرهان على نجاحه يتعلق بقدرته إنعاش الاقتصاد المصري المتداعي، إذ كان لابد من كسب الثقة لدى المجتمع الاقتصادي الدولي، فالأسواق العربية أصبحت قلقة بسبب التداعيات السياسية، وكان لمشروع قناة السويس أثر كبير لدى المصريين الذين كانوا في أمسّ الحاجة إلى استعادة الثقة في بلادهم، خصوصاً أن لدى المصريين الرغبة في النهوض ببلادهم خشية أن تذهب إلى ما ذهبت إليه مشروعات "الربيع العربي" في سورية والجارة ليبيا، لذا فإن المكاسب المعنوية لمشروع القناة لا تقل أهمية عن المكاسب الاقتصادية. الأهم من ذلك أن القاهرة بدأت تسجل حضوراً على المستوى الخارجي كقوة إقليمية على المستوى العربي والإفريقي، خصوصاً أن مصر نسيت خلال عقود من حكم مبارك أنها تنتمي للقارة السمراء، لذا كانت الزيارات الأولى التي قام بها الرئيس السيسي خارجياً إلى الجزائر ثم غينيا، إيماناً منه بالعمق الذي تمثّله دول القارة لبلاده. وجاء مؤتمر دعم وتنمية الاقتصاد المصري - الذي فاقت نجاحاته ما كان يأمله عبدالفتاح السيسي نفسه - إذ استطاع المؤتمر أن يجلب استثمارات بنحو 151 مليار دولار، لم تحصل عليها مصر حتى في أيام مبارك التي كان الاستقرار الداخلي سمة واضحة فيها. دفع ذلك النجاح الرئيس السيسي أن يذهب إلى أديس أبابا بثقة كبيرة ليعزز مكاسبه الداخلية والخارجية، وينجح مرحلياً في الاتفاق على بنود من شأنها نزع فتيل أزمة سد النهضة الإثيوبي أكثر الملفات الخطرة التي تؤرّق أجيال مصر المقبلة. هذه الإنجازات تأتي في ظل التزام مصر بالأمن الإقليمي الذي تراهن عليه كثيراً في استتباب أمنها الداخلي الذي تدفع التنظيمات الإرهابية والمتطرفة من أجل زعزعته من خلال الهجوم على الأمن المصري أو زرع القنابل.. وخلال الفترة القليلة الماضية قامت مصر بعمليات عسكرية في الخارج في ليبيا ضد متطرفي "داعش"، وفي اليمن حيث "الحوثيين" المدعومين من إيران، تأكيداً لالتزامها الداخلي والخارجي بأمن المنطقة. لكن الرئيس السيسي اليوم بحاجة إلى العودة إلى الرهان الداخلي إذ ينتظر أن تنطلق الانتخابات البرلمانية أحد أهم الاستحقاقات المقبلة التي على إثرها ستتحدد وجهة البلاد التي للتو سلكت طريق الاستقرار، ومن خلالها سيبرهن الرئيس للداخل والخارج أنه ملتزم بخارطة الطريق التي أعلنها، كما أن إطلاق الحياة السياسية في مصر سيكسب الجبهة الداخلية مزيداً من الحصانة والحماية لثورة 30 يونيو التي خلعت نظام الإخوان المسلمين في مصر. ورغم أهمية ما قام به الرئيس المصري على المستويين الاقتصادي والأمني، إلا أن أهمية مشروعي السد والقناة وأولوياتهما للرئاسة تعيد لأذهاننا مقولة هيرودوت بأن "مصر هبة النيل".
مشاركة :