العوامية (السعودية) - تنتشر محلات التسوق وسط شوارع تزينها أشجار النخيل في الحي القديم في بلدة العوامية الشيعية في السعودية بعد عملية تطوير مخطط لها منذ مدة في مواجهة عمليات تخريب وإرهاب طبعت الحياة في هذه المنطقة بشرق المملكة. وحتى قبل عام كان حي المسورة يشبه منطقة حرب بعد اشتباكات بين مخربين شيعة وقوات الحكومة التي سعت إلى هدم الحي المتهالك الذي يعود تاريخه إلى حقبة السلطنة العثمانية. وبعد القضاء على عناصر إرهابية شيعية، مضت الحكومة في خططها في إعادة تطوير المسورة وقالت إن أزقتها الملتوية والمتداخلة ومبانيها التي تعود إلى قرون خلت كانت إلى وقت قريب "بؤرة للإرهاب". والآن، هناك ساحة مترامية الأطراف تحيط بها المتاجر في المنطقة التي كانت مسرحا لاحتجاجات الأقلية الشيعية منذ ما يُسمى بالربيع العربي عام 2011. وأصبح الفرق شاسعا بين ما أصبحت عليه المنطقة وما كانت عليه، حيث كانت المباني والمساجد عبارة عن هياكل نخرها الرصاص، بينما تناثرت السيارات المحترقة في الشوارع. وخلال جولة نُظمت مؤخرا، قال نائب رئيس بلدية المنطقة عصام عبداللطيف الملا "هذه المنطقة القديمة والمكتظة بالسكان والأزقة الضيقة كانت تعج بالتحديات الأمنية"، مضيفا أن "عملية التجديد هدفها تحويل المنطقة إلى مقصد حضاري". إلا أن وقال الملا إن كلفة المشروع بلغت نحو 64 مليون دولار إضافة إلى 213 مليون دولار دفعت تعويضات لأصحاب مئات المنازل التي تم هدمها لتجديدها، موضحا أن الهدف الآخر هو ما يصفه الإعلام السعودي بـ"عزل الفكر المتطرف". وقضى المشروع على ما أكد مسؤولون أنه مخابئ للمسلحين وأوكار القناصة. ولا تزال العربات المدرعة تجوب الشوارع لتحافظ على الهدوء. ويبدو المسؤولون السعوديون واثقون جدا من سيطرتهم على العوامية بحيث قالوا إن نقاط التفتيش المتعددة والحواجز المحصنة ضد التفجيرات والتي تحيط بالمدينة وكانت في وقت من الأوقات تحد من حركة السكان، أصبحت دون حراسة. إلا أن التطوير الذي أحدث نقلة نوعية في المدينة لايزال يثير استياء بعضا من السكان الشيعة الذين لا يرومون الاعمار والتطوير ويفضلون بقاء المدينة على حالها لأسباب ربما تتصل بأجندة ايديولوجية. وتنفي السلطات ادعاءات أقلية من الشيعة تزعم أنه "تم الاستيلاء على معظم الأراضي من المواطنين بالقوة". ويقول الملا إن معظم السكان أيّدوا إعادة الاعمار لأن منازلهم لم تكن صالحة للسكن. كما رفض الملا الانتقادات بأن إعادة الإعمار ألغت تراث المنطقة الفريد وأن المسؤولين عن التطوير استشاروا السكان للإبقاء على الهياكل القديمة بما فيها الجدران التقليدية. وواجهت السلطات السعودية بحزم محاولات مجموعات شيعية لنشر الفكر المتطرف وزرع الفتنة وتأجيج النعرات الطائفية. وأعدمت السلطات في 2017 عددا من المدانين في عمليات إرهاب وتخريب ثبت بالأدلة تورطهم في مخططات تستهدف زعزعة الاستقرار والأمن في شرق المملكة. والعوامية هي البلدة التي يتحدر منها نمر النمر رجل الدين الشيعي الذي أعدمته السلطات عام 2016 بعد ثبوت تورطه في الإرهاب. ويزداد التوتر الإقليمي منذ الهجمات التخريبية التي تعرضت لها ناقلات نفط سعودية قبالة الإمارات والهجمات بالطائرة المسيرة التي شنها المتمردون الحوثيون على محطات لضخ النفط في المملكة. لكن رغم تزايد التوتر، تبنى ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لهجة تصالحية تجاه الشيعة في المملكة ضمن تحرك يستهدف الحفاظ على النسيج الاجتماعي.
مشاركة :