أضعف الإيمان (تبييض الإرهاب)

  • 3/31/2015
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

رفضت الجبهة الشعبية التونسية المشاركة في المسيرة الدولية المناهضة للإرهاب، التي شهدتها تونس يوم الأحد الماضي، تضامناً مع ضحايا الهجوم الإرهابي على متحف باردو. موقف الجبهة جاء اعتراضاً على مشاركة حركة «النهضة» التونسية الإسلامية، التي تتهمها الجبهة بالتراخي في مكافحة التطرف والعنف. موقف الجبهة التونسية الشريف لا يختلف، في مضمونه وهدفه، عن موقف النخب الفرنسية، التي رفضت المشاركة في المسيرة التضامنية مع ضحايا الهجوم على مقر مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية، لوجود رئيس وزراء إسرائيل نتانياهو، الذي اعتبرت مشاركته نفاقاً سياسياً، وتبييضاً للإرهاب، الذي تمارسه إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني. النقاش الذي أثارته مسيرة تونس فرضته دوافع وطنية وأخلاقية، ولا ينبغي تفسيره برؤية سياسية، واعتباره مجرد صراع أحزاب على زيادة عدد مقاعدها في البرلمان. فضلاً عن أن رفض اليسار التونسي التماهي مع المتهمين بالتشدد، والتحريض على العنف، سيكون أكثر تأثيراً على واقعنا العربي والإسلامي، من الموقف النبيل للنخب الفرنسية. موقف الجبهة التونسية لامس واقعنا العربي، واتسم بالشجاعة، وسعى إلى المطالبة بكشف حساب لتاريخ كل من سكت، أو أيد التطرف والإرهاب. الجبهة الشعبية كانت حاسمة في رفضها المشاركة في المسيرة «لأنها تضم أطرافاً خارجية مسؤولة عن الإرهاب وتردي الأوضاع في ليبيا وسوريا والعراق». وهذه إشارة إلى مسؤولية بعض المشاركين عن تجنيد الشباب التونسي للقتال في العراق وسورية. الجبهة التونسية قالت بوضوح أن السير جنباً إلى جنب مع كل من تحمل مسؤولية أخلاقية أو سياسية عن تنامي ظاهرة الإرهاب تكاذب سياسي مرفوض، وأعلنت أن التعامل مع المسؤولين عن التطرف والإرهاب، اعتماداً على مبدأ عفا الله عما سلف، لم يعد ممكناً. هذا الموقف طال انتظاره في منطقتنا، ويجب أن يؤخذ على محمل الجد، ويصار إلى تفعيله عملياً في دولنا، وصولاً إلى إقناع الحكومات بأن تغيير البعض لموقفه بسبب ظروف «تكتيكية» وسياسية، لا ينبغي أن يقبل من دون مراجعة ومحاسبة، واعتذار يتضمن التوبة عن هذا الاثم. فالتطرف المحرض على الإرهاب ما زال يشكل خطاب دعاة وقيادات وأحزاب. وانخراط بعض هؤلاء في حركة المجتمع والعملية السياسية، لا يعفيه من المسؤولية. المثقفون التونسيون أطلقوا مبادرة مهمة للجم تنامي التطرف والإرهاب، وهي بحاجة إلى دعم من مؤسسات المجتمع المدني في البلاد العربية. لا شك في أن تبييض الإرهاب لا يقل خطورة عن تبييض الأموال. ومثلما أن الأموال القذرة تهدم الاقتصاد، وتتستر على تهريب المخدرات والجريمة المنظمة، فإن تبييض الإرهاب يحمي الفكر المتشدد، ويبقيه حياً ومتربصاً بالمجتمع والدولة. الأكيد أن رفض الجبهة التونسية المشاركة في مسيرة جمعت بين الضحية والجلاد، موقف أخلاقي وشجاع. ومن حق المثقفين التونسيين على نظرائهم في العالم العربي تفعيل هذا الموقف، وتحويله إلى دعاوى قضائية لمحاسبة من غرر بشبابنا، وكرس التطرف والعنف في خطابنا ومجتمعاتنا.

مشاركة :