ماذا وراء هدم خيام اللاجئين السوريين في عرسال اللبنانية؟

  • 6/5/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أصدر المجلس الأعلى للدفاع اللبناني قرارا بهدم "خيم الإسمنت" العائدة للاجئين السوريين في عرسال. منظمات حقوقية حذرت من هدم هذه المخيمات. مهاجر نيوز استطلع الأسباب الكامنة وراء قرار الهدم. يصعُب أن تزور مدينة "عرسال" وتنأى بذاكرتك عن ماضيها القريب، ففي هذه المساحة الجغرافية شمال شرقي لبنان، كانت جبهة النصرة قبل أربع سنوات حاضرة، كما داعش وأخواتها، وهو حضور يُفسر صرامة الإجراءات الأمنية اللبنانية المُتخذة راهنا، و"إحكامها القبضة على كل شاردة وواردة، كي لا يتكرر ظهور الإرهابيين ثانية". قبل التوجه إلى عرسال لا بدّ من أن تستطلع قليلا مسار رحلتك وبعض المعلومات. اسم المدينة بدايةَ يحمل دلالة؛ فهو مؤلف من كلمتين أراميتين: "عرس" أي عرش، و "ال" وتعني الله، ليصبح المعنى "عرش الله"، وذلك لموقعها المرتفع نسبيا والمُنعزل. هي تبتعد عن مدينة بعلبك نحو 40 كلم، وعن بيروت 122 كلم. اكتسبت المدينة هذه أهمية خاصة مع بداية الأزمة السورية، لقربها جغرافيا من سوريا، واشتراكها معها بخط حدودي بطول 50 كلم، ما حتّم عليها التحول إلى وجهة للاجئين السوريين، من السُنة تحديداً كما من المعارضين للنظام. فقصدها من اللاجئين ما يفوق عدد سكانها، ووجدوا فيها بيئة حاضنة، ما أعطاها خصوصية معينة. حتى في الداخل اللبناني، اسم عرسال يترك انطباعاً قد لا تُحسن تفسيره. هل هو نتيجة قلق مسبق من زيارتها على صلة بأحداثها القريبة، أم أنه ناتج من موقعها البعيد جغرافيا عن العاصمة اللبنانية، أم لأن ما قاساه أهلها يبقي عندهم بعض القلق من أي غريب زائر. مهما كان، ثمة ما هو مثير. يعزز الإثارة هذه قول أحد العارفين بشؤون منطقة البقاع اللبناني لنا: "أن تزور عرسال يعني أن تزور ما هو مثابة خزّان لللاجئين السوريين. فعدد من في عرسال يساوي بل قد يفوق عدد اللاجئين في كل البقاع". بعد اجتيازنا الحاجز الأمني عند أحد مداخل عرسال، نبدأ بتلمس جغرافية المنطقة الجبلية. مغاور، رمال وصخور، كلها من طبيعة المكان. في البال، أن التصوير هنا وفي عموم عرسال يحتاج إذناً مسبقاً من أعلى المراجع الأمنية، وقد يتطلب وقتاً. كلما اقتربنا من مركز المدينة، ظهرت أمامنا محال تجارية سورية. ألبان وأجبان، حلويات، ولوازم عمّال وغيرها. كما تظهر عشرات الدراجات النارية المُستقدمة من سوريا. يقول مرافقنا في هذه الجولة "إنك لوهلة تشعر أنك في سوريا وليس في أرض لبنانية. ثمة اندماج إلى حدّ صعوبةِ التمييز بين اللهجات المحكيّة". اللاجئون السوريون قدموا إلى عرسال من قرى القلمون الغربي. من قارة، الجراجير، يبرود، فليطا، جبعدين، ومن القصير وريفها. خلفيات القرار يوجد في عرسال قرابة 126 مخيماً، يقطنها نحو 35 ألف لاجئ سوري، وهي كانت أول مدينة تشهد ظهور ما يُعرف بـ "مخيمات(الإسمنت)" و"مخيمُ البَرَاء" كان أول تلك المخيمات على الإطلاق في لبنان، ما أثار الكثير من المخاوف اللبنانية من وجود نوايا لتوطين اللاجئين، فكان التشدد بملاحقة مهربي الإسمنت إلى المخيمات، وغيرها من الإجراءات، وسط تأكيدات بضرورة عدم إغفال الشأن الإنساني. قبل تفقد أحد المخيمات، كان لا بدّ من اتصالات للتمكن من إجراء مقابلة مع رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري. فهو من الشخصيات الفاعلة جداً هنا. في نهاية المطاف تمكنا من اللقاء به لنتعرف من خلاله على قصة مخيمات الباطون، بدايتها، مسارها ومصيرها بعد ذلك، قصدنا برفقة أحد مساعديه مخيماً من بين المخيمات تلك. لمجرد وصولنا تحلّق صغار السن حولنا، فيما كانت عيون "الكبار" تراقب من بعيد، وسط غياب لاحظناه للنساء، اللواتي بقين بعيدات من عدسة الكاميرا. القضية الهامة اليوم هي اقتراب موعد تنفيذ قرار مجلس الدفاع الأعلى اللبناني بهدم "خيم (الإسمنت) العائدة للاجئين السوريين، والمقدرة بنحو 1400 غرفة، حسبما يقول رئيس بلدية عرسال باسل الحجيري لنا. خلفيات القرار كما يقول الحجيري "غير محددة تماما إنما هي على صلة مباشرة بالخوف من بقاء اللاجئين في لبنان وعدم عودتهم إلى سوريا". وقد منحت السلطات اللبنانية اللاجئين السوريين فيها مهلة حتى التاسع من حزيران/يونيو لتنفيذ قرار الهدم. ويقطن في تلك المساكن أكثر من 25 ألف شخص. يوجد في عرسال قرابة 126 مخيماً، يقطنها نحو 35 ألف لاجئ سوري  تحذير منظمات حقوقية من الهدم مع وجودنا في أحد مخيمات الإسمنت حاولنا استطلاع آراء قاطنيه. الملفت ألا أحد يود التحدث أمام الكاميرا أو حتى اسمه، فكان أن تحدث أحدهم بعد جهد باسم المخيم، شارحا المخاوف من هدم المخيمات، ومبديا الاستعداد للذهاب إلى أي مكان شرط البقاء آمنين ومتمعين بعيشة كريمة. ونقلت منظمات حقوقية عن إحدى اللاجئات السوريات التي تقيم في عرسال منذ عام 2013 قولها "حين سمعت بقرار الهدم، فكرت بيني وبين نفسي أني سأنام فوق أطفالي وأجعلهم يهدمون المنزل فوق رؤوسنا". كيفما جلت بناظريك سيظهر أمامك أطفال صغار بعمر التعليم. نسأل عن أعدادهم الرسمية فيأتينا الجواب أن من هم بعمر التعليم يقدر عددهم بنحو 12 ألفا، أما العدد الإجمالي لهم مع من هم دون السادسة من العمر، فيفوق العدد عندها الـ 14 ألفاً. وأمام الكاميرا بدو نجوماً صغيرة في فضاء شاسع من المآسي. غالبيتهم العظمى تتلقى التعليم، ولكن نحو 3 آلاف من أصل 12 ألفاً يتعلمون في 4 مدارس رسمية لبنانية متواجدة في عرسال وفق المنهج اللبناني، أما ما يُقدّر بتسعة آلاف فيُحصّلون التعليم وفق منهج المعارضة السورية. ويذكر أن منظمات حقوقية حذرت من خطة السلطات اللبنانية لهدم المساكن ودعت المنظمات الثلاث ومن بينها "سايف ذي شيلدرن" و"وورلد فيجن" الحكومة اللبنانية إلى وقف تنفيذ قرار الهدم.  وذكرت المنظمات في بيان أصدرته بهذا الشأن "بالنسبة لطفل لا يأكل سوى القليل، فإن فقدانه مسكنه سيكون صادماً جداً". المديرة الإقليمية لمنظمة "سايف ذي شيلدرن" أليسون زيلكوفيتش  قالت "تلتقي فرقنا مع أطفال لا يزالون يعانون الاضطراب نتيجة فقدانهم منازلهم في سوريا. لا يجدر بهم أن يشاهدوا منازلهم تُدمر مجدداً ليعيشوا الصدمة ذاتها مرة أخرى". نغادر عرسال، ونتابع ملف مخيمات الإسمنت سائلين جهات على صلة وثيقة بالملف. فيظهر أن اجتماعات مكثفة عُقدت للتوصل إلى حل يزيل المخاوف اللبنانية، ويريح اللاجئين نسبيا، خصوصا أن ممثلين عنهم شاركوا في الاجتماعات التي انعقد بعضها في بلدة "اللبوة" البقاعية المجاورة. وكان الاتفاق على هدم السقوف الإسمنتية والجدران والإبقاء فقط على نحو متر ارتفاعا عن سطح الأرض بما يحمي صيفاً من دخول الزواحف والحشرات، ويقي شتاء من سيول الثلوج ومياه الأمطار. لبنان- خلدون زين الدين  مهاجر نيوز

مشاركة :