التاريخ العربي والإسلامي مليء بالفتن والدسائس والمؤامرات، ففي عهد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم حاولت مجموعة من المنافقين التملّص من الخروج لمقاتلة الروم بحجة أنهم لن يقدروا على مقاومة جمال الروميات الشقراوات لذلك قالوا للرسول عليه الصلاة والسلام كما جاء على لسانهم في القرآن الكريم (ومنهم من يقول ائذن لي ولا تفتني ألا في الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين). وفي عهد الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه جاء مقتله على يد الفارسي أبو لؤلؤة فيروز المجوسي لتبدأ فتنة عظيمة في عهد الخليفة الراشد الثالث عثمان بن عفان الذي قُتل في منزله وهو يقرأ القرآن الكريم بعد أن جاء دعاة الفتنة من كل مكان ليتسلقوا جدار بيته ليقتلوه، ثم جاءت قصة مقتل الإمام على بن أبي طالب رضي الله عنه وكرم الله وجهه على يد الخارجي عبدالرحمن بن ملجم، فكانت فِتَنًا عظيمة خسر فيها الإسلام ثلاثة من أعمدة الصحابة رضوان الله عليهم. وهكذا دواليك سواء في عهد الدولة الأموية أو العباسية أو الفاطمية أو عهد ملوك الطوائف، مؤامرات تنتهي بقتل بعض الخلفاء أو سمل أعينهم أو ركنهم دون سلطة بعد أن استولى البويهيون الفرس والسلاجقة الأتراك على سدة الحكم في البلاد العربية والإسلامية. ولذلك ليس غريبا أن تمتد هذه المؤامرات والدسائس إلى عصرنا الحاضر، وأن تكتوي بلدنا البحرين ببعضها، ومنها ما جاء الكشف عنه مؤخرًا عن عدد من المحاولات المشبوهة التي تجري عبر وسائل التواصل الإجتماعي بإنشاء حسابات تدار من خارج الوطن في إيران وقطر والعراق وبعض الدول الأوروبية وتدار بواسطة أشخاص هاربين من العدالة في محاولة بائسة لإثارة الفتنة والتحريض وتهديد السلم الأهلي والإجتماعي وضرب الوحدة الوطنية التي تمتاز بها مملكتنا الغالية. ومن هنا فإننا نتفق تمامًا مع الدعوة التي أطلقها صاحب الجلالة الملك المفدى حفظه الله ورعاه عندما اجتمع بعدد من النخب التي تمثل المجتمع خلال لقائه السنوي في شهر رمضان المبارك، حيث وجه الأجهزة الأمنية المختصة لوضع حد لسوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وتطبيق القانون على كل المسيئين ومن يثيرون الفتن ويحاولون شق الصف في المجتمع. كما نتفق مع مدير عام الإدارة العامة لمكافحة الفساد والأمن الاقتصادي والالكتروني من أن التصدي لحسابات التواصل الاجتماعي المثيرة للفتنة والتحريض والتي تهدد النسيج الاجتماعي والسلم الأهلي يعد واجبا وطنيا يجسد الشراكة المجتمعية الفاعلة من أجل أمن وسلامة الوطن. إن ما تقوم به تلك المواقع الإلكترونية من بث الفرقة والإنقسام بين فئات المجتمع ليس له أي علاقة بحرية التعبير، فحرية التعبير والرأي مكفولة في الدستور البحريني والقوانين البحرينية، فالإساءة إلى الوطن وتشويه سمعته وشق صفوفه أمر مرفوض جملة وتفصيلاً وليس له علاقة مطلقا بحرية الرأي والتعبير. وقد كان تحذير البيان الختامي لقمة مكة الإسلامية يوم السبت الماضي من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي لدعم الإرهاب والخطاب المتطرف الذي تنشره الجماعات الإرهابية تأكيد على أن خطر هذه المواقع بات كبيرًا وأن التعامل معها يجب أن يكون حازمًا وفعالاً.
مشاركة :