«عزام».. أشعار تحلّق على جناحي الغزل والبطولة

  • 6/6/2019
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

دبي: «الخليج» كثير هم شعراء النظم الشعبي في منطقة الخليج، فالمكان يغري بالشعر لقوم تربوا بين ذاكرة البحر والصحراء، وكلها فضاءات باعثة لمشاعر الشوق والحنين والبطولة، فالصحراء لها شؤون في المشاعر، فهي تحض بطبيعتها الصعبة على حياة الفروسية، وفي ذات الوقت؛ فإن هدأتها وسكونها مثيران للعواطف والتأمل، ولكنّ قليلاً من هؤلاء الشعراء من استطاعوا أن يختطوا لأنفسهم منهجاً واضحاً يظهر في أغراضهم الشعرية، ومن هؤلاء القلة برز سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم للمعرفة، والملقب ب«عزام»، مبدعاً يطوع الأشعار بجمال المفردات فتسري كلماته عبر الأثير، معطرة بروائح شعرية خاصة، مثل الحرير نعومة وجمالاً، تخرج من شغاف قلب الشاعر، فتتلقاها القلوب بالسحر والألق نفسيهما، أما في جهة نظم الفروسية والبطولة، فهو شاعر يستنطق الصخر العصي، ويبرع في الوصف، وكل تلك المؤهلات في النظم جعلت منه واحداً من أهم فرسان الشعر الشعبي في الخليج العربي. تفيض أشعار سموّه رقة وعذوبة؛ وتلقفها المغنون في منطقة الخليج، ولا عجب أن يأتي شاعرنا، وهو مجيد ومتمكن من أدواته الشعرية، فهو شاعر ابن شاعر وتربى في بيت شعر وأدب، وكذا الحال بالنسبة لشقيقه سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي، والملقب ب«فزاع»، وكلاهما نهل من معين شعري عظيم، وهو صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي عرف بالشعر وعرف به، فهو صاحب مقام رفيع في النظم، ومكانة خاصة بين الشعراء الفحول. إشراقات يأخذ شاعرنا من الطبيعة وألوانها وعطورها وأزهارها، ما يكلل به الأبيات الشعرية، فتشتمّ في بعض قصائده العذبة التي تميل نحو الوصف، رائحة المسك والعود، وتشعر بنسمات الصباحات الندية وإشراقاتها، وتلك نجدها واضحة في قصيدته التي يحيي فيها دبي بعنوان «الله يحفظك يا دبي»، وهي القصيدة التي كان قد أهداها إلى والده صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، فقد أتت كنهر عذب حافلة بالمعاني وكلمات الحب والشوق، فهي دفقة شعورية نابعة من القلب، وتلك هي حال الأشعار التي تنظم في الأوطان، لكن القصيدة لا تستمر مكللة بتلك العطريات، ومبللة بندى المحبة فقط، بل تميل في بعض منعطفاتها إلى الشدة والعزم والقوة، خاصة عندما يتعلق الأمر بكون دبي هي راية، ظلها «المكتوم»، فلا سبيل لأحد أن يوطيها أو ينكسها، فذلك دونه المهج والأرواح، ثم يأتي ختامها بديعاً، حيث يتوجه الشاعر بالابتهال أن يحفظ الله تعالى صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، قائد ركب دبي وحاديها، وأن يجعله ذخرا لها ولأهلها، ثم إنه من بعد ذلك يفصح عن مشاعره ودفقاته العاطفية التي أنتجت القصيدة، فهي عند شاعرنا تأتي عبر مقامات ومنعطفات، ولكل مقام مقاله الشعري المختلف في طرق وصفه وتناوله، ويقول في القصيدة: تحية يا بلاد الخير وهْل العز وهْل الجودْ                                    تحية من صميم القلب والأشعار نهديها بريح المسك والجوري وريحان ودهن العودْ                                   قصايد في معانيها تحليني.. وحلّيها تحية من يحب وحبه الطاغي بدون حدودْ                                   باشواقه يصبِّحها.. بأشواقه يمسيها صباح العز يا ديرة تقفَّاها القلوب السودْ                                  صباح كل ما يصبح قِرَن اسمه بطاريها صباح العز يا ديرة جدودي والمقام العودْ                                  وراية ظلها (المكتوم) من يقدر يوطيها عسى الله يحفظك للأم والشايب وللمولودْ                                  وعسى الله يحفظك ل«دبي» ويحفظك لأهاليها شعور الشاعر يحتِّم عليه ويفضح المفنودْ                                 وهذي قصه مشروحه من اولها لتاليها ولعل القارئ لنظم سموّه، يلاحظ تلك الإمكانيات الكبيرة جهة تطويع اللغة في خدمة المبنى الشعري، فتنتج هذه العملية المعنى الذي ينسال عبر الأبيات المنظومة، كما ينداح الجمال عبر المفردات الشعرية الرقيقة، وهذا نجده بشكل أكثر وضوحاً في نظمه الذي يميل نحو الغزل، الذي يأتي حافلاً بالكنايات والتشبيهات مما يمنح النظم قوة وتماسكاً وجمالاً، ويكشف عن صدقية عالية، فتأتي القصيدة وهي محافظة على وحدتها الموضوعية من أول بيت إلى آخر بيت، ولعل أقرب مثال يوضح تمكن شاعرنا من ساحة الشعر العاطفي، تلك القصيدة التي تحمل عنوان «سنا خدك»، فالكلمات تأتي كنسمة مبللة بالندى، كما أن الوصف يجيء دقيقاً يستخدم فيه من الاستعارات ما يخدم اللحظة الشعرية دون إكثار، فجمال النظم لا يحتاج إلى كثير محسنات بديعية، فالمتلقي يكون منشغلاً بالمعنى، وبالحالات الإنسانية الكامنة في القصيدة التي يقول فيها: اكشف سنا خدك ونوِّر به الليلْ                             وغطّي بظلام الليل خصر معزّلْ وابسم بثغر نسمته نفحة الهيلْ                            فيه البرد من ردم سحبه منزّلْ لون اللهب في وجنتك ويل والويلْ                           لا من حرقني قمت فيه أتغزّلْ نعس العيون اللي هدبها مظاليلْ                           أموت فيها وارتعد واتزلزلْ دايمٍ من رهاف الشفايف مباليلْ                         ترياق سم الشوق منها تبزَّلْ أسلوب مميز لعل من المميزات الواضحة في أشعار سموّ الشيخ أحمد بن محمد، تعدد الأغراض الشعرية، بحيث إن كل غرض له فيه رؤيته ومنهجيته وأسلوبيته الشعرية المختلفة، ولئن كانت له عطريته الشعرية الخاصة في مقام المحبة والهوى؛ فإن شاعرنا يبدع في غرض شعري آخر وهو المدح، حيث يجد القارئ نفسه أمام شكل مغاير، رغم تشابه الأغراض، ففي المدح يجمع شاعرنا بين الدفقات العاطفية الشعورية وقوة الوصف، فتأتي القصيدة هادرة بالكلمات والتعبيرات المتخيرة، حتى تكون في مقام الممدوح، وتعبر في ذات الوقت عن الفخر به، ويبدو ذلك الأمر جلياً في قصيدة أهداها سموّه إلى شقيقته التي يحبها، وهي سموّ الشيخة حصة بنت محمد بن راشد، بعنوان «وردة مشاعر»، فالقصيدة تبرز محبته الخاصة لشقيقته، لكنها تتناول مميزاتها الرفيعة من الأدب أيضاً، فهي حسيبة نسيبة ابنة بيت أورثها الشموخ والعز والصفات النبيلة التي تتفرد بها، لذلك أتت القصيدة وهي قوية جهة الوصف والتشبيهات. يقول فيها: الله خلقها ومن خلقها ما به أحد قدّها                                    عزت مثل شمسٍ تسامت عن مثيل وعن شبيه مادام ابوها من ابوها وجدّها من جدّها                                   من حقها لو غير شموخ التيه ياها ألف تيه من حق داري ل فرحت كل الفضا ما سدّها                                   لعيون «حصة» كن هذا الكون جا تومي يديه «حصة» ويقوم الصبح يرقص عند طلة خدّها                                  «حصة» ولو الحسن دين قلت بسمتها نبيه «حصة» ولو قلت القمر أدري القمر مُبْ ندّها                                 لكن مجاز.. وللشعر وصف لحصة ما لقيه أستغفر الله كن ربي يوم صورها مدّها..                                حسن العذارى صورة لكنها الاصل النزيه تجربة متفردة سموّ الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم، صاحب تجربة متفردة وخاصة في الشعر، ولكنها أخذت كثيراً من منابع الوالد صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد، فقد تكونت ذائقته الشعرية عبر الاستماع إلى أشعار والده، والشعراء الآخرين الذين كانوا يأتون إلى مجلس الوالد، وربما ذلك الاستماع والمعايشة لتجارب متعددة، قد أنتجا عنده تعدد الأغراض والأساليب الشعرية، فقد برع شاعرنا في المجالات التي طرقها، وكان له لونه الخاص في كل غرض شعري. صور واقعية يمتاز شعر سمو الشيخ أحمد بن محمد بن راشد آل مكتوم بحسن التقاط للمشاهد والصور الواقعية، التي يعيد إنتاجها داخل النص الشعري بابتكار خلاق يحدث عن خيال جامح للشاعر، ولعل ثراء القاموس اللغوي عنده، قد ولد لديه قدراً كبيراً من المفردات والتشبيهات، ما جعل القصيدة تنبع منه منسابة، حيث تتميز معظم قصائده بالسلاسة الشعرية، وجزالة الألفاظ، والمعاني الرقراقة.

مشاركة :