خفض البنك الدولي توقعاته للاقتصاد العالمي في ضوء النزاعات التجارية والضغوط المالية، ومظاهر التباطؤ الحاد بشكل غير متوقع في الدول الأكثر ثراء. ورجح البنك نمو الاقتصاد العالمي بنسبة 2.6 في المائة هذا العام، وسيكون ذلك أبطأ نمو في التقويم السنوي منذ عام 2016، وهو أقل من نمو 2.9 في المائة الذي توقعه في كانون الثاني (يناير). وخفض البنك الدولي التصنيف الائتماني لكل منطقة رئيسة رغم أنه أبقى توقعاته لعام 2019 للنمو في الولايات المتحدة عند 2.5 في المائة. وفي الدول الـ19 التي تستخدم عملة اليورو، من المتوقع أن يتباطأ النمو إلى 1.2 في المائة، منخفضا من 1.8 في المائة العام الماضي، و1.6 في المائة وفق توقعات البنك الدولي في كانون الثاني (يناير). ويتوقع تقرير البنك الدولي الشهري انتعاش معدل النمو في اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية العام المقبل مع انحسار الاضطرابات وحالة عدم اليقين التي أصابت عددا من الدول أواخر العام الماضي وهذا العام. وقد يفسد عدد من المخاطر ذلك الزخم الحساس، ومنها تصاعد المنازعات التجارية بين أكبر اقتصادات العالم، أو تجدد فوضى أسواق المال في اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية، أو الهبوط المفاجئ لوتيرة النمو الاقتصادي في الاقتصادات الكبرى عما تشير إليه التوقعات الحالية. ويثير تراجع معدلات نمو التجارة العالمية إلى أدنى مستوى لها منذ الأزمة المالية قبل عشر سنوات، وهبوط ثقة مؤسسات الأعمال، قلقا بالغا. وأوضح ديفيد مالباس، رئيس مجموعة البنك الدولي، أن "تحقيق نمو اقتصادي أكثر قوة عامل ضروري للحد من الفقر وتحسين مستويات المعيشة، لكن في الوقت الحالي ما زال زخم التعافي الاقتصادي ضعيفا، وتحول مستويات الديون المرتفعة وضعف نمو الاستثمارات في الدول النامية دون تحقيق الدول كامل إمكاناتها. ومن الملح أن تجري الدول إصلاحات هيكلية كبيرة من شأنها تحسين مناخ الأعمال واجتذاب الاستثمارات. وينبغي أن تضع هذه الدول إدارة الديون وتعزيز الشفافية على رأس أولوياتها حتى تؤدي الديون الجديدة إلى تعزيز معدلات النمو والاستثمار". وشدد التقرير المعنون بـ"الآفاق الاقتصادية العالمية: اشتداد التوترات وضعف الاستثمار"، على أن تحقيق نمو منصف أمر ضروري لتخفيف حدة الفقر وتعزيز الرخاء المشترك، مضيفا أنه يجب على اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية تقوية ما لديها من سبل الحماية من موجات ركود اقتصادي مفاجئة. ويواجه واضعو السياسات الاقتصادية ومواطنوهم عديدا من القضايا الحرجة التي تعوق الحفاظ على زخم التحسُّن في هذه البيئة الهشة. ويصدر البنك الدولي تقرير الآفاق الاقتصادية العالمية مرتين في العام، في شهري كانون الثاني (يناير) وحزيران (يونيو)، وذلك في إطار أعماله التحليلية المتعمقة للمستجدات العالمية الرئيسة التي يشهدها الاقتصاد الكلي وأثرها في الدول الأعضاء. وتثير المستويات المرتفعة للديون قلقا متزايدا، فكثير من اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية اقترضت مبالغ كبيرة وتآكلت التخفيضات التي تحققت بشق الأنفس لمستويات الدين العام قبل الأزمة المالية العالمية. وقفزت ديون اقتصادات الأسواق الصاعدة والدول النامية في المتوسط بمقدار 15 نقطة مئوية إلى 51 في المائة من إجمالي الناتج المحلي في 2018. ويمكن تبرير تراكم الديون بالحاجة إلى مشروعات لتعزيز النمو، مثل الاستثمارات في مرافق البنية التحتية والرعاية الصحية والتعليم. ويخلص تحليل البنك الدولي إلى أن الدول منخفضة الدخل ومتوسطة الدخل ستحتاج إلى ما يراوح بين 640 مليار دولار و2.7 تريليون دولار من الاستثمارات سنويا لتحقيق أهدافها الإنمائية بحلول عام 2030. وقد يساعد اتباع سياسات حصيفة في الإنفاق الحكومي الدول على التغلب على تباطؤ النشاط الاقتصادي. لكن الإفراط في الاستدانة ينطوي على مخاطر بالغة، حتى في سياق انخفاض أسعار الفائدة، قد تتراكم الديون لتصل إلى مستويات يتعذر الاستمرار في تحملها. ويثير ارتفاع مستويات الديون في أذهان المستثمرين والمستهلكين أن الحكومات قد تعمد في نهاية المطاف إلى زيادة الضرائب لكبح العجز في الموازنة العامة، وهو ما يُضعِف إنفاق مؤسسات الأعمال والمستهلكين، وفي الحالات القصوى، قد يؤدي ارتفاع مستويات الديون إلى التخلف عن السداد واللجوء إلى صفقات الإنقاذ. ويتسائل التقرير عن الحد الذي يكون مستوى الديون عنده مفرطا؟ ويجيب أنه يجب على كل حكومة أن تحقق التوازن الصحيح، فالحكومات التي لديها موازنات عامة سليمة قد تجد أن الاقتراض لتعزيز النمو نهج لا غبار عليه. وقد يتعين على الاقتصادات التي تعاني اهتزاز أوضاع ماليتها العامة توخي مزيد من الحذر وإيجاد سبل لتعزيز إيراداتها أولا. لكن ينبغي أن تكون الاستدانة لأغراض الحفاظ على الاستقرار وحفظ المرونة والقدرة على مجابهة الصدمات. ويضيف التقرير، أن "تحقيق نمو اقتصادي أكثر قوة عامل ضروري للحد من الفقر وتحسين مستويات المعيشة، لكن في الوقت الحالي، ما زال زخم التعافي الاقتصادي ضعيفا، وتحول مستويات الديون المرتفعة وضعف نمو الاستثمارات في الدول النامية دون تحقيق الدول كامل إمكاناتها. ومن الملح أن تجري الدول إصلاحات هيكلية كبيرة من شأنها تحسين مناخ الأعمال واجتذاب الاستثمارات. كما ينبغي أن تضع هذه الدول إدارة الديون وتعزيز الشفافية على رأس أولوياتها حتى تؤدي الديون الجديدة إلى تعزيز معدلات النمو والاستثمار". وفي مسار يرتبط بالمخاوف بشأن ركود النمو الاقتصادي العالمي، يثير ضعف نمو معدلات الاستثمار القلق بشأن صحة الاقتصاد على الأمد الطويل في اقتصادات دول الأسواق الصاعدة والدول النامية. وعلى الرغم من الانتعاش الطفيف الذي تحقق في الآونة الأخيرة، من المتوقع أن يكون نمو الاستثمار دون متوسطاته في الأمد الطويل في السنوات المقبلة. ويشير هذا إلى أن التقدم الذي حققته دول الاقتصادات الصاعدة والدول النامية في اللحاق بالاقتصادات المتقدمة سيتراجع. ويشكل تراجع معدلات تراكم الثروة والموجودات أيضا عاملا معوقا للإنتاجية في أي بلد. ويثير ذلك أيضا القلق بشأن تلبية الاحتياجات الإنمائية المتزايدة خلال السنوات العشر المقبلة. وتشتمل سبل تعزيز الاستثمارات العامة على إعادة تخصيص الموارد بعيدا عن المجالات غير المنتجة، وزيادة كفاءة النفقات. ومن الاستراتيجيات التي تكفل تعزيز الاستثمارات الخاصة إزالة معوقات أنشطة الأعمال، ومعالجة مواطن النقص والقصور في الأسواق، وضعف حوكمة الشركات، وينبغي للسلطات أن توفر قدرا أكبر من الوضوح بشأن اتجاه السياسات، وأن تسعى إلى تعزيز الاندماج في سلاسل القيمة العالمية. ويمكن للاقتصادات المصدرة للسلع الأولية أن تسعى إلى زيادة تنويع النشاط الاقتصادي باعتباره وسيلة للحد من مواطن الضعف في مواجهة تقلب أسواق الموارد الطبيعية. وثمة جانب آخر مثير للقلق من جوانب ضعف وتيرة النمو الاقتصادي وهو أثره على أشد اقتصادات العالم فقرا. فالنمو الاقتصادي السريع في بعض الدول منخفضة الدخل منذ بداية القرن قلص معدلات الفقر، وقفزت دول كثيرة إلى مصاف الدول متوسطة الدخل. ولكن ما هي آفاق المستقبل لتلك الدول التي لا تزال مصنفة أنها منخفضة الدخل استنادا إلى أن متوسط نصيب الفرد فيها من الدخل القومي يبلغ 995 دولارا أو أقل في 2017. وهبط عدد الدول منخفضة الدخل منذ عام 2001 من 64 بلدا إلى 34 بلدا في 2019، بفضل انتهاء الصراعات في عدة دول، وتخفيف الديون، والتكامل التجاري مع دول أكبر وأكثر حيوية ونشاطا من الناحية الاقتصادية.
مشاركة :