حذرت صحيفة «فاينانشيال تايمز» البريطانية من أن تشبث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بإتمام صفقة شراء منظومة «إس 400» الروسية للدفاع الصاروخي، يزيد من خطورة الأزمة الراهنة مع الولايات المتحدة والتي وضعت البلدين على طريق مواجهة وصدامٍ مباشريْن. وفي تقريرٍ لمراسلتها في أنقرة لورا بيتيل، أكدت الصحيفة أن التصريحات الأخيرة لأردوغان التي شدد فيها على أن نظامه لن يتراجع عن هذه الصفقة «تفاقم الضغوط» التي تتعرض لها العلاقات بين أنقرة وواشنطن، في ظل استمرار الرفض الأميركي الصارم لشراء تركيا أسلحةً متطورةً من روسيا، وتحذيرها من أن ذلك سيؤدي إلى عواقب وخيمة. وأشار التقرير إلى أن مضي النظام التركي على هذا الدرب، سيُعرضه لا محالة لعقوباتٍ أميركيةٍ من شأنها «إغراق تركيا في الأزمة الأسوأ مع حلفائها في حلف شمال الأطلسي منذ عقود»، ومراكمة المزيد من الضغوط على الاقتصاد المحلي المترنح. وتشمل العقوبات المنتظرة في هذا السياق تدابير اقتصاديةً، فضلاً عن حرمان تركيا من شراء مقاتلاتٍ أميركية من طراز «إف 35» المتطورة، وكذلك إخراجها من مشروعٍ لتصنيع أجزاء من هذه المقاتلة، باعتبار أن واشنطن ترى أن اقتناء أنقرة لمنظومة «إس 400»، سيشكل خطراً على أمن هذا الطراز من الطائرات الحربية. وقالت «فاينانشيال تايمز» إنه من المتوقع أن يشرع الكونجرس الأميركي في اتخاذ إجراءاتٍ عمليةٍ في هذا الصدد بموجب قانون يحمل اسم «مواجهة خصوم أميركا من خلال العقوبات»، وذلك بمجرد بدء وصول بطاريات الصواريخ الدفاعية الروسية إلى الأراضي التركية. وأبرزت الصحيفة البريطانية المرموقة خطورة التَبِعات التي ستترتب على ذلك بالنسبة للأتراك، قائلةً إن هذا السيناريو يعني إلزام إدارة الرئيس دونالد ترامب «باتخاذ خمسة إجراءاتٍ على الأقل من إجمالي 12 إجراءً عقابياً محتملاً يحددها هذا القانون». وتتفاوت هذه التدابير في شدتها من «منع دخول شخصياتٍ تركيةٍ بعينها مشمولةٍ بالعقوبات للأراضي الأميركية، إلى حظر جميع المعاملات المصرفية وتبادلات النقد الأجنبي، التي تتصل بالمصالح المرتبطة بهذه الشخصيات». وسلط تقرير الصحيفة الضوء على تحذيراتٍ أطلقها محللون من أن العقوبات الأميركية المرتقبة «ستلحق آلاماً مُبرحةً بالاقتصاد التركي في وقتٍ يعاني فيه من هشاشةٍ هائلة». وذَكَّرَ المحللون في هذا الشأن بأن تركيا ما تزال «تترنح من الأزمة المالية التي ضربتها الصيف الماضي، والتي نجمت بدورها من عقوباتٍ فرضها آنذاك الرئيس ترامب في مسعى لإجبار (أنقرة) على إطلاق سراح قس أميركيٍ كان معتقلاً في أنقرة» بزعم تورطه في الانقلاب الفاشل الذي وقع هناك عام 2016. وشددت الصحيفة على أن الاحتياجات المالية لتركيا تجعلها «عرضةً لتقلباتٍ مفاجئةٍ في توجهات المستثمرين، من النوع الذي قد يسببه التصاعد في الأزمة التركية الأميركية» على خلفية العلاقات المتنامية بين أردوغان والكرملين. وأشارت في تقريرها إلى التحذيرات التي وردت مؤخراً في تحليلٍ أصدرته وكالة «موديز» للتصنيف الائتماني الدولي، وأفادت بأن أي توتراتٍ جيوسياسيةٍ جديدةٍ «قد تفضي إلى تكرار الأزمة المالية التي حدثت العام الماضي (في تركيا)، أو خلق ظروفٍ أكثر تعقيداً». وعزا التقرير الانهيار المستمر لقيمة الليرة التركية على مدار الشهور القليلة الماضية، إلى أسبابٍ من بينها صفقة السلاح المزمعة بين أنقرة وموسكو، وهو التراجع الذي يحاول أردوغان وقفه ولو مؤقتاً، من خلال السعي لإرجاء عمليات تسلم منظومة الدفاع الصاروخية الروسية، إلى ما بعد الانتخابات البلدية المُعادة في إسطنبول والمقررة في 23 من الشهر الجاري. وأشار إلى أن هذا الإرجاء - إن حدث - قد يُجنب حزب «العدالة والتنمية» خسارة المزيد من أنصاره، الذين انقلبوا عليه بالفعل، وأفقدوه السيطرة على العديد من المدن التركية الكبرى في الانتخابات البلدية الأخيرة التي أُجريت مارس الماضي.
مشاركة :