الحراك الشعبي يعري الدراما الجزائرية في موسم التحولات الكبرى

  • 6/7/2019
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

غرقت الدراما الجزائرية في شهر رمضان المنتهي حديثا في منافسة غير شريفة بين القنوات المحلية، وتحوّلت الأعمال التي كانت مقترحة على المشاهد الجزائري، إلى تصفية حسابات ضيقة أكثر منها إلى منافسة للارتقاء بالإنتاج المحلي الذي تتجاذبه في السنوات الأخيرة، شح في الموارد المالية وتحوّلات سياسية واجتماعية عميقة في المجتمع. وحاول منتجو الأعمال الدرامية في الجزائر اللحاق عشية دخول الموسم الدرامي حيز الخدمة، بالتحوّلات السياسية والاجتماعية التي أفرزها الحراك الشعبي المندلع في البلاد منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وذلك بإيعاز من منصات العرض، التي حاولت فرض مواقفها ومواقف الجهات التي تدعمها، والتموقع الجيد في الخارطة الفنية والإعلامية التي سيفرزها الحراك الشعبي. وفجرت ملكية بعض الأعمال الدرامية صراعا قويا بين قنوات فضائية خاصة، عشية دخول شهر رمضان 2019، حيث دخلت وصاية سلسلة “دقيوس ومقيوس”، و”مسلسل الرايس قورصو” و”مشاعر”، إلى أروقة القضاء قبل بداية العرض، حيث زعمت إدارة مجمع “الشروق” الخاص ملكية الأعمال المذكورة، في حين استحوذ مجمع “النهار” الخاص أيضا عليها، بدعوى دفع حقوقها إلى الشركات المنتجة بطرق شرعية، بعدما كانت معطلة لأكثر من عام. ومع ذلك لم ترق الأعمال المعروضة على المشاهد الجزائري خلال الموسم الحالي، إلى طموحات الرأي العام الفني، قياسا بالمنافسة الشرسة التي تفرضها القنوات العربية، وباستثناء أعمال محدودة عرضت هنا وهناك، استطاعت إقناع الجمهور، فإن بقية الأعمال سقطت في فخ الرداءة والعنف والتكرار. وفشلت سلسلات “الكاميرا الخفية” لموسم آخر في استقطاب المشاهد الجزائري، بسبب سقوطها في دوامة التكرار والعنف والأفكار المبتذلة، وتحوّلت بعض الأعمال المعروضة في بعض القنوات الخاصة كـ”الشروق” و”الحياة” إلى أعمال عنف وشغب على المباشر، وإلى مصدر لانزعاج الضحايا والجمهور معا، ما يؤكد غياب الإبداع وبروز أسماء أو شركات إنتاج معينة في هذا المجال. الحراك الشعبي على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، أفرغ فيها الجزائريون كل ما يختلج في صدورهم طيلة عقود كاملة من الأحادية في الرأي والفكر، ولم يعد هناك ما يجذبهم لأعمال فنية ودرامية تسترق الفرص لتبليغ رسالة ما وباتت سلسلة “الكاميرا الخفية” التي بثت في قناة 218 الليبية، مضرب المثل في المتابعة والتداول على شبكات التواصل الاجتماعي، وطرحت أوجه المقارنة بينها وبين الأعمال المعروضة في القنوات الجزائرية، رغم فارق الإمكانيات والوضع في البلدين. وفيما نجح الحراك الشعبي في تحرير الجبهة السياسية والاجتماعية، فإن الواقع الفني والإعلامي لا يزال يراوح مكانه، بسبب تداول سلطة الرقيب والولاء بين نظام عبدالعزيز بوتفليقة وبين سلطة الأمر الواقع المتمثلة في السلطة العسكرية، ولذلك لا زالت الولاءات لمراكز القوة، أكثر منها للرسالة الحقيقية للفن أو مواكبة للتحوّلات التي يأمل فيها أن تكون نقطة فارقة في المسار الديمقراطي للبلاد. وإذ حاولت سلسلة من “الكاميرا الخفية” في إحدى قنوات “الشروق”، أو سلسلة “دقيوس ومقيوس” الفكاهية التي عرضت على قناة “النهار”، ملامسة الحراك الشعبي، عبر جس نبض الشارع الجزائري، في الأولى بمقلب ومضة إخبارية في راديو سيارة نقل جماعي تعلن عودة نظام بوتفليقة، وفي الثانية بمحاكاة اختراق المظاهرات الشعبية من قبل رموز السلطة، فإن صوت الحراك الشعبي بقي غائبا عن الأعمال الفنية والدرامية التي قدمت للمشاهد الجزائري في هذا الموسم. ويرى مختصون في الإنتاج الفني، بأن عامل الوقت بين موجة الحراك وبين موعد الموسم وانحراف المنافسة إلى التفرد بنسب المتابعة للاستحواذ على سوق الإعلانات الناشطة في شهر رمضان بدل الاجتهاد في الارتقاء بجودة ونوعية الأعمال، فوّت موسما آخر على الدراما الجزائرية التي عادة ما توفّق في أعمال استثنائية ومحدودة، لكنها تفشل في العموم. وكانت سلسلة “بوبالطو” للمخرج نسيم بومايزة، التي عرضصت على قناة “نوميديا” الخاصة المملوكة لرجل الأعمال محي الدين طحكوت، المحسوب على اللوبي المالي الموالي لنظام بوتفليقة، نموذجا للأعمال التي نجحت في استحضار أجواء رعاة البقر في الولايات المتحدة الأميركية، بفضل الديكور وأستوديو التصوير والمشاهد العامة، لكنها فشلت في بناء فكرة معينة للعمل الذي ضاع بين الكوميديا والدراما، ولم يتم استغلال اللهجة الجزائرية في أجواء رعاة البقر، لتكون ورقة نجاح لو وجدت سيناريو مناسب. والنجاح الذي حققه مسلسل “الرايس قورصو” في جزئه الأول، بفضل جرأته في طرح العديد من المسائل السياسية والاجتماعية والتاريخية، لم يحافظ عليه خلال هذا الموسم، فعلاوة على تجريده من المقاطع ذات الدلالات المماثلة، يكون قد وجد نفسه متأخرا عمّا طرحه الحراك الشعبي على مدار أكثر من ثلاثة أشهر، أفرغ فيها الجزائريون كل ما يختلج في صدورهم طيلة عقود كاملة من الأحادية في الرأي والفكر، ولم يعد هناك ما يجذبهم لأعمال فنية ودرامية تسترق الفرص لتبليغ رسالة ما.

مشاركة :