أرباح الشركات الأمريكية في خطر مع تزايد وتيرة الحرب التجارية مع الصين

  • 6/9/2019
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

سيسجل التاريخ الاقتصادي للحرب التجارية بين الولايات المتحدة وبكين، أن شركات الأحذية الأمريكية كانت أول من حذر من مغبة تلك الحرب ومخاطرها. فنحو 173 شركة من بينها "نيكي"، و"أديداس" حثت الإدارة الأمريكية عبر رسالة موجهة للرئيس دونالد ترمب، بإنهاء التوتر مع الصين، وحذرت من التأثير الكارثي لتلك الحرب في المستهلكين، وأكدت في رسالتها أن مستقبلها كشركات أمريكية محل خطر إذا تواصلت المعركة. تحذيرات شركات الأحذية الأمريكية حول مخاطر الحرب التجارية ضد الصين، ربما كانت الأولى في هذا المضمار، لكنها ليست الأخيرة بالتأكيد، فمع اندلاع الحرب التجارية انصبت الأنظار على شركة أبل، ووضعها في الأسواق الصينية التي تلعب دورا مهما في القيمة الإجمالية لعوائد الشركة وأرباحها. المخاوف بشأن وضعية "أبل" في الأسواق الأمريكية، بلغت مداها عندما أعلنت الشركة إيرادات وأرباح الربع الأول من العام الجاري، فإجمالي الإيرادات انخفض 5 في المائة، ليصل إلى 84.3 مليار دولار، وبررت الشركة الأمريكية في تقريرها أسباب ذلك الانخفاض بتراجع المبيعات في الصين بنحو 27 في المائة. ومع هذا، ظلت مخاوف شركات الأحذية وشركة أبل في إطار المخاوف الاقتصادية من الحرب، وتأثيرها السلبي في الأرباح والعوائد المالية، حتى دخل عملاق البحث الإلكتروني "جوجل" في "المعمعة"، وأعلن موقفه من تلك الحرب وتحدياتها، فتعليقات "جوجل" أحدثت نقلة نوعية في فهم الصراع ومخاطره، ولم تقزم التأثيرات في خسائر مالية حتى لو بلغت المليارات، أو تآكلت حصة شركات أمريكية تعد عمدا من أعمدة الاقتصاد الأمريكي والمحرك الحقيقي له. فـ"جوجل" وصاحباتها وجدت أن الحرب إذا تواصلت قد تؤثر في الأمن القومي الأمريكي، من منطلق سعي الصين لكسر هيمنة الشركات الأمريكية على أنظمة التشغيل الإلكترونية، بحيث يمكنها حتى إن طال الأمد تأسيس أنظمة تشغيل إلكترونية خاصة بها، ربما تكون أقل سعرا وتكلفة من نظيرتها الأمريكية، ما يعني استقلالية الصين عمليا عن نفوذ التأثير التكنولوجي الأمريكي، بل تحديها في الأسواق الدولية. إذا تحذيرات "جوجل" ركزت على الأمن القومي الأمريكي، وبهذا التحذير اكتملت دائرة قلق الشركات الأمريكية من الحرب التجارية بشقها الاقتصادي من جانب أو بشقها الأوسع وهو تأثيرها في مكانة الولايات المتحدة في النظام العالمي ككل. "الاقتصادية"، استطلعت آراء عدد من الخبراء الاقتصاديين حول سؤال آخذ في البروز والتمحور في الآونة الأخيرة، بشأن المدى الذي يمكن أن تصل إليه الشركات الأمريكية في الضغط على إدارة الرئيس ترمب لإنهاء تلك الحرب. بمعنى آخر: هل تنقذ المصالح المهددة للشركات الأمريكية الصين من حربها التجارية مع واشنطن؟ أم أن خسائر الشركات الأمريكية ستظل أقل قسوة من خسائر نظيرتها الصينية التي بات وجود بعضها محل شك إذا ما تواصل الصراع؟. لورين ديملر نائبة المدير التنفيذي في الجمعية البريطانية للتجارة، وأحد المدافعين عن سياسات ترمب الاقتصادية في مواجهة الصين، تعتقد أن هناك مبالغة شديدة في حجم الأضرار التي لحقت بالشركات الأمريكية في الأسواق الصينية، ومدى أن تدفعها خسائرها إلى أن تكون وسيلة ضغط على البيت الأبيض للعدول عن مواقفه الاقتصادية. وتضيف لـ"الاقتصادية"، أنه "بالنسبة لما يروج له بأن مصالح الشركات الأمريكية باتت مهددة، وأن ذلك سيكون وسيلة للضغط على إدارة ترمب لوقف تلك الحرب، استبعد ذلك تماما لعدد من الأسباب. فتلك الحرب معركة مصيرية للولايات المتحدة لتحجيم دور الصين الآخذ في التصاعد على حساب المصالح الغربية ككل والمصالح الأمريكية على وجه الخصوص، وبالنسبة لشركات الأحذية وعلى الرغم من أهميتها الاقتصادية، وانعكاس الحرب سلبا عليها، نلاحظ أنها بدأت في نقل إنتاجها خارج الصين، والأمر يتطلب بعض الوقت لإعادة تنظيم نفسها، ومن ثم فإن خسائرها مؤقتة، كما أن الاقتصاد الصيني يخسر أيضا، إذ إن ثلث الشركات قرر تأجيل أو إلغاء استثماراته في الصين، بسبب الرسوم الأمريكية، وغرفة التجارة الأمريكية نشرت نتائج استطلاع تفيد بأن أكثر من 40 في المائة من الشركات الأمريكية نقلت أو تفكر في نقل إنتاجها خارج الصين، بسب الرسوم الجمركية". وتشير شركة "أبل" إلى أنها تواجه معضلة في الصين لا تعود إلى الحرب التجارية، وإنما إلى أن السوق الصينية باتت مشبعة بالهواتف الذكية إلى حد كبير، ومن ثم فإن مبيعات "أبل" في الأسواق الصينية وتحديدا أيقونة شركة أبل "الآيفون"، كانت مبيعاته ستتراجع حتما سواء تشددت الإدارة الأمريكية تجاه الصين أم لا. وفي هذا الإطار، تشير لورين ديملر إلى تصريحات تيم كوك الرئيس التنفيذي لشركة أبل، الذي أكد فيها أن بكين لم تستهدف ولا يتوقع أن تستهدف شركته. وتضيف لـ"الاقتصادية"، أن "تراجع مبيعات "أبل" في الصين 5 في المائة خلال الربع الأول من العام الجاري، جاء متماشيا مع توقعات الشركة، التي أعلنت ذلك خلال شهري كانون الأول (ديسمبر)، وكانون الثاني (يناير) الماضيين". وحول تحذيرات شركة جوجل بأن اتجاه الحرب التجارية، وحرمان شركة هواوي من أنظمة تشغيل أندرويد، قد يكون دعوة للصين بتطوير قدرتها الذاتية في هذا المجال، والخروج من عباءة التكنولوجيا الأمريكية، تؤكد "جوجل" أن هذا الأمر مستبعد في الأجلين القصير والمتوسط، وأن أفضل ما يمكن أن تقدمه التكنولوجيا الصينية في هذا المجال هو أنظمة تشغيل أولية منخفضة التكلفة، ولكنها منخفضة الجودة أيضا.. ولو كانت الصين تملك تلك القدرة لقامت بتفعيلها سواء كانت في حرب تجارية مع الولايات المتحدة أو لم تكن". وتقابل تلك الآراء المتعاطفة مع المواقف المتشددة للرئيس ترمب من الصين، برفض تام من البروفيسور ك. إس. جينور، أستاذ التجارة الدولية في جامعة أكسفورد، والاستشاري في منظمة التجارة الدولية، ويقول لـ"الاقتصادية"، إن "السياسة الأمريكية تجاه الصين تلحق خسائر بالاقتصاد الصيني لا جدال، لكنها تلحق أيضا أضرارا مباشرة بالشركات الأمريكية الكبرى، وعندما يتعلق الأمر بالعقوبات المفروضة على شركة هواوي الصينية، فإن 1200 شركة أمريكية تضررت بشكل مباشر، وهذا كله يؤثر في معدلات التوظيف، لكن الأهم أنه يؤثر في المكانة الاقتصادية للشركات الأمريكية، وينعكس على قيمة أسهمها في أسواق المال، ومن ثم فإن المستهلك الأمريكي تتراجع مداخيله الاقتصادية نتيجة تقلص عوائد الشركات وأرباحها، والنتيجة انخفاض القدرة على إعادة الاستثمار من قبل الشركات الأمريكية". ويشير جينور إلى أنه "ليس بالضرورة أن يتيح ذلك فرصة أفضل للشركات الصينية، لأن تحل محل الشركات الأمريكية، ولكنه يفتح مجالا أكبر لتغير موازين القوة الاقتصادية في العالم، عبر إيجاد ثغرات للشركات المنافسة في الاتحاد الأوروبي والاقتصادات الناشئة، لاحتلال موقعا أفضل نسبيا في ميزان القوة الاقتصادية العالمية". ويواصل جينور قائلا، إن "الشركات الأمريكية تعي حجم تلك المخاطر المستقبلية، ومن الواضح أن تمثل تصريحات "جوجل" الأخيرة، مؤشرا على حالة من التحذير الأولي قد يتبعها ضغوط متصاعدة في الفترة المقبلة على إدارة ترمب، من قبل مزيد من الشركات الأمريكية، لإعادة النظر في مجمل فكرة العقوبات ضد الصين". ويعتقد ستيفن صن الخبير الاستثماري، أن الأضرار الراهنة التي تتعرض لها الشركات الأمريكية نتيجة الحرب التجارية يمكن تحملها، ومن ثم فإن الضغوط التي ستمارسها على البيت الأبيض لوقف تلك الحرب محدودة، إلا أن الأمر قد يتغير برمته إذا أخذت الحرب منحى جديدا وألحقت إصابات مباشرة وطويلة الأمد بالشركات الأمريكية. ويضيف لـ"الاقتصادية"، أن "الصين ترسل إشارات متناقضة للإدارة الأمريكية بشأن تلك الحرب التجارية وتداعياتها، فالرئيس الصيني يخاطب نظيره الأمريكي بصديقي، في الوقت ذاته تضع الحكومة الصينية قائمة بالكيانات غير الموثوق بها من الشركات والأجانب، وهي خطوة أولى واضحة للانتقام من الولايات المتحدة عبر حرمان شركاتها من الأسواق الصينية للضغط على الإدارة الأمريكية". ولكن الأكثر خطورة، بالنسبة لستيفن صن، هي تلك المبررات التي ساقتها الصين لوضع تلك الشركات والأفراد الأجانب في تلك القائمة، إذ إن تلك المبررات تمثل أرضية يمكن لجميع دول العالم أن تقلص بمقتضاها تعاملاتها مع الشركات الأمريكية، وتتضمن المبررات الصينية لتلك القائمة شركات لا تتبع قواعد السوق، وتنتهك روح العقود، وكذلك تحظر وتوقف تزويد الشركات الصينية لأسباب غير تجارية، وتضر بشدة بالحقوق والمصالح المشروعة للشركات الصينية". وحول تعليقات "جوجل"، يرى ستيفن صن أن "كلا من (جوجل) و(مايكروسوفت) يديران عمليات بحث وتطوير كبيرة في الصين، وسيكون من الصعب عمليا على الصين أن تتحرك في هذا المجال باستقلالية تامة عن عمالقة التكنولوجيا الأمريكية، إلا أن نسبة المساهمة الصينية في تلك الصناعة ربما تزداد، وهو ما يعني تقلص الحصة الأمريكية في هذه السوق على الأمد الطويل

مشاركة :