وثيقة مكة المكرمة تعبير عن الفهم الحضاري الإنساني للدين الإسلامي الحنيف (1)

  • 6/10/2019
  • 00:00
  • 21
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت في مكة المكرمة من جوار بيت الله الحرام في الخامس والعشرين من شهر رمضان المبارك 1440 للهجرة، الموافق للتاسع والعشرين من شهر مايو 2019 للميلاد «وثيقة مكة المكرمة» لإرساء قيم التعايش والوئام والمحبة بين أتباع الأديان والثقافات والأعراق والمذاهب العديدة في العالم، ولتحقيق السلم بين مكوّنات المجتمع الإنساني، وتعزيز التنمية الإنسانية المستدامة، والتي أقرها نحو (1200) شخصية إسلامية من (139) دولة يمثّلون (27) مكونًا إسلاميًّا من مختلف المذاهب والطوائف، من علماء ومفتين ومفكرين ومثقفين وأكاديميين متخصصين في العلوم الإسلامية، وذلك في ختام انعقاد المؤتمر الدولي حول قيم الوسطية والاعتدال الذي نظمته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، برعاية كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، مستلهمين الأثر البالغ لـ«وثيقة المدينة المنورة» التي عقدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل(14) قرنًا لحفظ تنوع الدولة الإسلامية وتعايشها باختلاف مكوناتها. تميزت هذه الوثيقة عما كتب سابقا من بيانات ووثائق صدرت عن القمم والاجتماعات الإسلامية بمرئياتها الرشيدة والحكيمة لمختلف القضايا والانشغالات التي تضمنتها، وبأطروحة حضارية عميقة جمعت بين الأصالة والمعاصرة، واستشراف المستقبل، معبرة أصدق تعبير عن احتياجات العصر، وتطلعات الأجيال الراهنة، ومتطلبات النهضة، وضرورات إرساء قيم المواطنة الحقة، وإنجاز التنمية الاجتماعية المستدامة في ظل التنوع الإثني والديني والطائفي في مختلف دول العالم، وبعيدا عن فرض أجندات حزبية أو طائفية أو إثنية معينة على الآخرين، وهي رد حازم وحاسم على أولئك الذين يسعون إلى الربط بين الإسلام والمسلمين، وظواهر التطرف والإرهاب والطائفية من جانب، ومن جانب آخر كبح جماح أولئك الذين يعتاشون على الدين ويستغلون الجهلاء وإنصاف المثقفين، عبر تأكيدها على أنه لا يُبْرِم شــأن الأمة الإسلامية، ويتحدَّث باسمها في أمرها الدينيّ، وكل ذي صلة به إلا علماؤها الراسخون في جمع كجمع مؤتمر هذه الوثيقة، وما امتازت به من بركة رحاب قبلتهم. وقبل أن نبدأ بتحليل تفاصيل وثيقة مكة المكرمة، نقول إن هذه الوثيقة ينبغي أن تضاف إلى مناهج الدراسة في البلاد العربية والإسلامية بمختلف المراحل، وأن توزع على مختلف المؤسسات والمنظمات المعنية بالقضايا الاجتماعية والإنسانية في مختلف دول العالم، فهي وثيقة حضارية تعكس سماحة وإنسانية ورفعة ديننا الإسلامي وقدرته الفائقة على التعامل مع مختلف ظواهر كل العصور بشجاعة فكرية مميزة. تسمو بمبادئ التعايش والعدالة والسلام العالمي ودور الأديان في ذلك، وبما يقود إلى المزيد من الأمن والاستقرار والتنمية في جميع دول العالم. في سلسلة من المقالات سنتعرض إلى تحليل بنود وثيقة مكة المكرمة والبالغ عددها (17) بندا، ومقدمة. والتي وصفها الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين بالقول «إن اجتماع نحو 1200 عالم من علماء الأمة الإسلامية لإصدار هذه الوثيقة الداعية إلى نشر قيم التسامح والوسطية - دليل على تماسك علماء الأمة ووحدتهم في وجه التحديات التي تعترضهم وتسيء إلى الدين الإسلامي ووسطيته»، وقبل ذلك لا بد من التعريف برابطة العالم الإسلامي التي اجتمع هذا العدد الكبير من العلماء والمفكرين تحت خيمتها. فرابطة العالم الإسلامي منظمة إسلامية شعبية عالمية جامعة مقرها مكة المكرمة، تُعنى بإيضاح حقيقة الدعوة الإسلامية، ومد جسور التعاون الإسلامي والإنساني مع جميع الشعوب والأمم، أنشئت بموجب قرار صدر عن المؤتمر الإسلامي العام الذي عقـد بمكة المكرمة في 14 ذي الحجـة1381هـ. الموافق 18 مايو 1962م، وأن من أبرز أهدافها، التعريف بالإسلام وبيان حقائقه وقيمه السمحة وفق ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، وترسيخ مفاهيم الوسطية والاعتدال في وعي الأمة الإسلامية، وبذل الجهود الممكنة في علاج وحل قضاياها، ودفع عوامل النزاع والشقاق، وتعزيز اللحمة بين الشعوب والأمم، والعناية بالتواصل الحضاري ونشر ثقافة الحوار، والاهتمام بالأقليات المسلمة وقضاياها، والتواصل معها لعلاج المشكلات التي تواجهها في حدود دساتير وأنظمة الدول التي يوجدون فيها، والاستفادة من موسم الحج بإتاحة الفرصة لاجتماع العلماء والمثقفين ومسؤولي المنظمات لتقديم الحلول العلمية لرفع مستوى المسلمين في العالم، والسعي للحفاظ على الهوية الإسلامية للأمة وتعزيز مكانتها في العالم وتحقيق وحدتها. وللرابطة عشرات المكاتب حول العالم. تضمنت مقدمة وثيقة مكة المكرمة بعد حمد الله جل في علاه والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين، الإشارة إلى أن كبار علماء الأمة الإسلامية ومفتيها، يستلهمون الأثر البالغ والصدى الكبير لوثيقة المدينة المنورة التي عقدها النبي محمد صلى الله عليه وسلم، قبل أربعة عشر قرنا، لإرساء قيم التعايش وتحقيق السلم بين مكونات المجتمع الإنساني. فما أعظم ذلك الاستلهام، انه يمثل عودة صادقة للنبع الروحي الثر ليس للمسلمين فحسب، بل للإنسانية جمعاء، فضلا عن اثر الرحاب الطاهر «بيت الله الحرام» وأفياء «الكعبة المشرفة» في نفوس المؤتمرين، حيث تعقد جلسات المؤتمر في جوارهما. ثم أوضحت المقدمة أن وثيقة مكة المكرمة التي أجمع عليها كبار علماء الأمة هي هدي إسلامي إلى عالم القرن الخامس عشر الهجري، القرن الحادي والعشرين الميلادي، وهي تأكيد على أن المسلمين جزء فاعل من العالم المعاصر، يسعون إلى التواصل مع مكوناته كافة لتحقيق صالح البشرية، وتعزيز القيم النبيلة وبناء جسور المحبة والوئام الإنساني، والتصدي للظلم والصدام الحضاري والكراهية. ولم تغفل مقدمة الوثيقة التأكيد على أن بلاد الحرمين، حيث فيها قبلة الإسلام والمسلمين، ومصدر إشعاعه للعالم، هي المرجعية الروحية للعالم الإسلامي، مع الإشادة بالدور المهم لقيادة المملكة العربية السعودية في خدمة الإسلام والمسلمين والإنسانية جمعاء. حفظ الله خير أمة أخرجت للناس حيث تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يحفظ قادتها وعلماءها ومفكريها فهم رموز عزها ونهضتها. وللموضوع بقية في مقالات أخرى إن شاء الله. ‭{‬ أكاديمي وخبير اقتصادي

مشاركة :