توقعت الأرصاد الجوية العراقية، أن تسجل، الاثنين 10 يونيو الحالي، أعلى درجات الحرارة في الصيف الحالي، وأن تصل إلى ما يعادل نصف درجة الغليان، في الوقت الذي اعتاد فيه العراقيون على أن شهر أغسطس هو الشهر اللاهب. وتأتي هذه الأنباء في ظل معاناة العراقيين من نقص دائم في الكهرباء وانقطاعها المتواصل منذ عقود، إذ يحصل سكان بغداد مثلا على أقل من 10 ساعات من الكهرباء يوميا، ما يعني أن شبكة الكهرباء في البلاد لا يمكنها دعم أنظمة تكييف الهواء لكي يمكن الاعتماد عليها للاحتماء من الحرارة، كما أن انقطاع الكهرباء يتسبب في انقطاع المياه. وقال رئيس هيئة الأرصاد، محمود عبداللطيف، إن “تاريخ المناخ في العراق يؤكد أن موجة الحر هذه الأيام لم يشهدها شهر يونيو على الإطلاق”، مبينا أن “درجات الحرارة في الشهر الحالي هي الأقسى على مر التاريخ”. وأوضح أن “خرائط تحليل الطقس العالمية، تتوقع أن يتم الاثنين 10 يونيو، تسجيل أعلى درجات الحرارة في المنطقتين الوسطى والجنوبية ونتوقع انخفاضا قليلا في درجات الحرارة للمنطقتين الشمالية والوسطى الأربعاء المقبل”. وتابع خبير الأرصاد الجوية، قائلا إن “درجات الحرارة ستستمر بالارتفاع في المنطقة الجنوبية ومن المتوقع أن تصل درجات الحرارة القصوى في خانقين والبصرة والعمارة إلى 51 أو 52 درجة مئوية”. يذكر أن درجات الحرارة وصلت في بغداد الأربعاء الماضي إلى 47 درجة مئوية، فيما سجلت البصرة درجة حرارة وصلت إلى 49 درجة مئوية.ولا يعرف العراقيون كيف سيواجهون موجة الحر هذا الصيف، تقول لجين علي، “نعيش حالة مزرية في ظل ارتفاع درجة الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، ناهيك أن أصحاب المولدات أصبحوا يمثلون مشكلة بالنسبة للمواطن العراقي، بالإضافة إلى غلاء أسعار الأمبير الكهربائي”. ويلجأ العراقيون إلى بدائل الطاقة الكهربائية لسد النقص الحاد، كالمولدات الكهربائية المنزلية الصغيرة، أو المولدات الأهلية التي تزود الأحياء السكنية بالطاقة، مقابل اشتراك شهري، ما يثقل كاهل المواطنين بشكل كبير. وتتساءل لجين ماذا يفعل المواطن العراقي الفقير لمواجهة حرارة الشمس هذه الصائفة؟ وتضيف، “إن وصول درجات الحرارة إلى معدلات غير مسبوقة يترك تأثيرا سلبيا على حياة المواطن العراقي بشكل عام، وقد يتسبب ذلك في النسيان وعدم قدرة الإنسان على التفكير وضبط موازين النفس أو التصرف السليم، مما ينعكس على قدرته على تأدية عمله بالشكل الأمثل”. وقال المواطن عصام البصراوي، “لقد أصبنا بالإحباط الشديد من الحكومات المتعاقبة التي لم تستطع معالجة ملف الكهرباء، بسبب الفساد والسرقات وتسليم الوزارة لأشخاص غير قادرين على إدارتها وتطويرها”. ويضيف، “صرنا نناشد الحكومة ورئيس الوزراء، ووزير الكهرباء أن يجدوا لنا حلولا تساعدنا على عدم انقطاع الكهرباء، على الأقل ألّا تنقطع الكهرباء على مدار 24 ساعة أي تنقطع عشر ساعات وتشتغل نصف ساعة”. تحذيرات وبيانات يبدو أن الحكومة العراقية لا تملك في مثل هذه الظروف المناخية القاسية حلولا جذرية تقي المواطنين من مخاطر الصيف اللاهب الذي انطلق مبكرا، سوى إصدار البيانات وتحذيرات خبرها العراقيون منذ القديم، وهو ما لا يكفي لحماية الأطفال وكبار السن، والعمال الذين يجدون أنفسهم مجبرين على الخروج من البيت للعمل. وأصدرت المديرية العامة للدفاع المدني بيانا قالت فيه، إنه “يجب إخلاء السيارات من المواد الغازية القابلة للانفجار، والقداحات بأنواعها المختلفة، وقوارير المشروبات الغازية، والعطور وبطاريات الأجهزة بشكل عام”. وأضاف البيان انه “يجب فتح نوافذ السيارة قليلا (تنسيم)، وعدم ملء خزان وقود السيارة بالكامل، وتعبئة وقود السيارة في الفترة المسائية إن أمكن ذلك، وعدم السفر بالسيارة في أوقات ذروة الحرارة العالية، وعدم تعبئة إطارات السيارات أكثر من اللازم وخصوصا في السفر”. ودعا البيان إلى ضرورة “الانتباه من العقارب والثعابين فسوف تخرج من جحورها بشكل ملحوظ وقد تدخل المزارع والبيوت للبحث عن الأماكن الباردة”. وأوصى البيان، المواطنين بـ”الإكثار من شرب الماء والسوائل المختلفة لاسيما خلال التعرض لأشعة الشمس، والحرص على عدم تشغيل سخانات الماء، والحرص على عدم وضع أسطوانات الغاز في الأماكن المشمسة، والتأكد من عدم زيادة الأحمال على مفاتيح الكهرباء وعدم تشغيل المكيفات إلا في أماكن تواجد العائلة وخصوصا في أوقات ذروة الحرارة”. ويتساءل العراقيون، هل من الممكن أن نتغافل على مثل هذه الأشياء؟ وتابع البيان محذرا كذلك “تجنب استخدام الأجهزة الكهربائية ذات المنشأ الرديء وكذلك الانتباه من أجهزة الحماية المستخدمة في أجهزة التكييف وغيرها من الأجهزة”. نصيحة حكومية: وضع غطاء على الرأس خلال السير تحت أشعة الشمس بشكل مباشر أو حمل المظلات الشمسية الواقية وهذا الإجراء الأصح وأردف البيان “تجنب التعرض لأشعة الشمس مباشرة وخصوصا خلال الفترة من الساعة 10 صباحا وحتى الساعة 3 ظهرا”. وأوضح أنه على المواطنين “وضع علب ماء في الشبابيك والأحواش والأسوار والمزارع والبلكونات وذلك لري عـطش الطيور والقطط وغيرها من الحيوانات”. ولفت إلى “تجنب السباحة في الأنهر وإن كان لا بد من ذلك فاختيار الأماكن الآمنة والتي سبق وأن تمت السباحة بها، وتوفير كافة مستلزمات السلامة في المسابح وإرشاد رواد المسابح بتعليمات وأعماق المسبح”. وأوصى البيان المواطنين بـ”وضع غطاء على الرأس خلال السير تحت أشعة الشمس بشكل مباشر أو حمل المظلات الشمسية الواقية وهذا الإجراء الأصح”. ودعا إلى “محاولة سقي الحدائق والأشجار للحفاظ عليها فضلا عن تحسين الأجواء المحيطة بها”. وختم البيان مناشدا بأن “تشغيل النافورات المائية والإكثار منها في مختلف الساحات العامة والحدائق لتحسين الأجواء الحارة، والإكثار من زرع الأشجار الدائمة الخضرة لتوفير الظل المناسب فضلا عن تلطيف الأجواء ومـده بالأوكسجين”. وتعليقا على بيان المديرية العامة للدفاع المدني، يقول حسن عبدالسلام، مثل هذه البيانات لا تضيف شيئا للمواطن العراقي الذي خبر موجات الحرارة منذ القديم ويعرف التعامل معها بصفة تلقائية كما يفعل كل صيف، مضيفا، أن الالتزام بهذه التحذيرات سيجبر كل العراقيين بالمكوث في البيت التي تصبح كالجحيم في ظل غياب الكهرباء، وتؤثر على نفسية العراقيين بشكل حاد. ويقول مواطن من سكان بغداد، إن هذا البيان تصدره الحكومة كل صيف ثم تتركنا نواجه اللهيب بمفردنا، ويضيف أن”المكوث في المنزل لم يعد يطاق.. الكهرباء مقطوعة طول الوقت والجو حار جدا بشكل لا يحتمل مع غياب إمكانية تشغيل أي أجهزة.. صار الواحد يكره العودة إلى منزله لأن بعض الأماكن العمومية ألطف جوا من البيت”. وتحذر المصادر الطبية من الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي مع ارتفاع درجات الحرارة وتأثيراتها على نفسية المواطنين، يقول طبيب بأحد المستشفيات الحكومية في بغداد، إن “ارتفاع درجات الحرارة بشكل كبير في فصل الصيف، وما يرافقه مع الأسف من انقطاع مستمر للكهرباء، يؤثر نفسيا على حياة العراقيين”. مضيفا، أن استمرار هذه الحالة سوف يؤدي إلى الإصابة بارتفاع ضغط الدم وهذا شائع بشكل كبير في العراق. ويضيف، أن “ارتفاع درجة الحرارة وزيادة نسبة الرطوبة ينعكسان سلبا على نفسية المواطن، ويسببان قلقا وإرهاقا خاصة بالنسبة إلى أولئك الذين اضطرتهم الظروف إلى العمل تحت أشعة الشمس”. ويؤكد أن “اشتداد الحر يولد حالة من العصبية وعدم تحمل الآخرين، وينعكس ذلك سلبا أيضا على التعامل سواء مع الأسرة أو مع الأصدقاء والزملاء في العمل، مما قد يؤدي إلى حدوث مشكلات لأسباب بسيطة من الممكن تجاوزها في الحالات الطبيعية”. وبيّن، أن ارتفاع درجات الحرارة يؤدي إلى فقدان الجسم لكميات كبيرة من السوائل نتيجة التعرض إلى أشعة الشمس، مما يؤدي إلى الإصابة بالإعياء الحراري وضربة الشمس والتي إذا لم يتم علاجها قد تشكل خطورة على حياة المصاب. موسم باعة الثلجأمام موجة الحرارة والانقطاع المتواصل للكهرباء يصبح بائعو الثلج سادة المدن في العراق إلى درجة أن معامل إنتاج الثلج بدأت بطرح نوع من الثلج يسمّى “البوري” وهو طبقة خفيفة جدا من الثلج تطرح عادة في الأسواق أيام الأزمات الشديدة، والسبب في ذلك أن جشع أصحاب معامل الثلج يدفعهم إلى إنتاج الثلج دون انتظاره حتى يكتمل تجمّده. في بغداد مثلا هناك أكثر من ألف بائع متجول، يشترون من المعامل المتخصصة التي تقع عادة خارج المدن، لذلك يضطر الباعة إلى الذهاب إليها في الساعة الـ5 أو الـ6 صباحا لكي يتجنبوا ذوبان مخزونهم في الطريق بسبب الحرارة. يقول جاسم عمر وهو أحد باعة الثلج في بغداد، “كلما ارتفعت موجة الحرارة كلما ازداد دخلي خاصة مع استمرار انقطاع التيار الكهربائي، ويصل إجمالي ما أبيعه من قوالب الثلج يوميا أكثر من 250 قالبا، فدرجة الحرارة عالية جدا ولا يمكن للمواطن الاستغناء عن الثلج كحل بديل”. وتحتاج أسرة متوسطة إلى نصف مكعب كبير من الثلج يوميا، فيما تحتاج الأسر المكونة من أكثر من عشرة أفراد إلى مكعب كبير أو مكعب ونصف يوميا. ولشراء مكعب كبير من الثلج ينبغي أن يكون لدى المرء دخل يضاهي دخل الموظف الرفيع المستوى لأن هذه المكعبات غالية الثمن بالنسبة لأسرة متوسطة ومضطرة لتلبية كل الاحتياجات اليومية الأخرى.ومع بداية فصل الصيف الذي ينطلق مبكرا كل عام في العراق تنتعش مهن عديدة، منها تجارة أحواض السباحة البلاستيكية، والمراوح الكهربائية، وبعض الأواني الفخارية لحفظ الماء باردا، ويزداد الطلب عليها في الأسواق العراقية. ولكي لا تتعطل الحركة التجارية في الأسواق وخاصة في المدن الكبرى يلتجئ التجار إلى نصب مرشات مياه عمودية تشبه “الدش”، وهي متاحة مجانا لأي شخص يريد أن يبلل جسمه بالماء وإطفاء لهيب الحر؛ خاصة في فترة الظهيرة؛ كما يضع بعضهم مبردات ماء مجانية، كما تلجأ بعض المطاعم والمقاهي إلى نصب مراوح ضخمة تنفث الماء والهواء معا. وتبقى السباحة في نهري دجلة والفرات هي الحل الأمثل، خاصة في المدن المطلة على هذه الأنهار، وعموما فإن المتجول في بغداد وبقية المحافظات، لا بد أن يصادف في طريقه باعة العصير والمياه المبردة والمشروبات الغازية، وينتشرون بشكل كبير في كل سوق.
مشاركة :