الدوحة - الراية : قالت صحيفة لوموند الفرنسية إن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية ومصر تدعم مناورات جنرالات المجلس العسكري الانتقالي في السودان، المتهمين بترميم النظام القديم، مبدية خشيتها من أن يؤدي الصراع إلى حرب أهلية. وقالت الصحيفة في مقال لمراسلها جان فليب ريمي إن المجلس العسكري الانتقالي سحب قوات الدعم السريع من شوارع الخرطوم، إكراما لزيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد المفوض من الاتحاد الأفريقي لمحاولة إيقاف التطورات التي يمكن أن تقود السودان إلى كارثة. وأعاد تحالف قوى التغيير على مسامع آبي أحمد النقاط أو الشروط التي قدمها للمبعوث الخاص للاتحاد الأفريقي وزير الخارجية الموريتاني السابق محمد الحسن ولد لبات، وهي إنشاء لجنة تحقيق دولية بشأن فض اعتصام القيادة العامة، واستعادة الإنترنت، وسحب قوات الدعم السريع التابعة للجنرال حمدان دغلو (حميدتي) من شوارع المدينة، والإفراج عن ياسر عرمان، وأخيرًا الاعتذار عن كل أعمال العنف التي حدثت في الأيام الأخيرة. إلا أن جلسة آبي أحمد مع المدنيين لم تكد تنتهي حتى ألقت قوات الأمن القبض على محمد عصمت يحيى المسؤول بالبنك المركزي، الذي شاركت مؤسسته في الإضراب العام، والذي كان حاضرًا مع رئيس الوزراء في الاجتماع. ورأى مراسل لوموند في هذا الاعتقال رسالة من المجلس العسكري لإحباط الأمل المتولد عن محاولة آبي أحمد إصلاح العملية الانتقالية التي بدأت بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في 11 أبريل الماضي من أجل إعادة السلطة للمدنيين، والتي أجهضها ما قامت به قوات حميدتي من قتل ونهب وانتهاك في الخرطوم. ويخشى العديد من المراقبين أن تنطلق شرارة المعارك بين مختلف الفصائل المسلحة في البلاد، ما قد يكون مقدمة لنزاع من المستحيل احتواؤه بين قوات الدعم السريع والجيش النظامي الذي عانى فترة طويلة من المحسوبية والتفضيل الذي تمتعت به أجهزة الأمن والجماعات شبه العسكرية مثل تلك التي ينتمي إليها الجنرال حميدتي، وأيضًا مثل المليشيات المجهزة تجهيزًا جيدًا في الأجهزة السرية أو تلك التابعة لحزب المؤتمر الوطني. وأشار المراسل إلى أن ظلال حزب البشير ما زالت تحوم حول مناورات جنرالات المجلس العسكري الانتقالي المتهمين بالتورط في محاولة استعادة النظام القديم دون البشير المسجون نظريًا في الخرطوم. ونبّه الكاتب إلى أن كل هذه المغامرات ما كان المجلس العسكري الانتقالي يستطيع القيام بها دون دعم من الرعاة الإقليميين، كالإمارات والسعودية ومصر، الذين يسعون إلى توسيع نفوذهما ومحاربة أي نموذج للأنظمة الديمقراطية الليبرالية، ولأي نوع من تأثير الإخوان المسلمين. ويقول المراسل قد يتعلق الأمر أيضًا بمحاولة تحكم هذه الدول في بلد غني بالمعادن والمناطق الزراعية الفريدة في أفريقيا، إضافة إلى ضمان تأمين أهداف الحليف الأمريكي البعيدة في محاربة نفوذ الصين وتأثير روسيا، خاصة أن رد فعل الولايات المتحدة على العنف المرافق لفض اعتصام الخرطوم كان ضعيفًا. وتساءل المراسل: هل هناك مخاوف لدى الولايات المتحدة من انزلاق الوضع واحتمال حدوث كارثة كالتي تدور في ليبيا هي التي تمنعها من أن تدين جرائم قوات الدعم السريع؛ ما قد يدفع حلفاءها من بعض الدول الخليجية للعب ضد المدنيين السودانيين. ويقول المراسل إذا استطاعت المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية بسط نفوذهما على السودان، فإن ذلك سيسهم في مد نفوذهما داخل أفريقيا، خاصة أن لهما يدًا في إثيوبيا، ويسعيان لطرد النفوذ المناهض لهما من الصومال. ويقول سيباستيان بوسويس، الباحث في العلاقات الأوروبية العربية في جامعة بروكسل الحرة إن “إعادة صياغة المنطقة يساعد هذه القوى الإقليمية على إقامة أنظمة مواتية لها، أو إيجاد حلفاء يفضل أن يكونوا عسكريين”، مشيرًا إلى أن “هذه الطموحات تمتد إلى أبعد من السودان، إلى الجزائر مثلا” . وأشار مراسل لوموند أيضا إلى أن جعل السودان جزءًا من النظام الإقليمي البادئ في التشكل، قد يكون أيضا وسيلة للضغط على الوضع في ليبيا، من خلال تثبيت حلفاء للواء المتقاعد خليفة حفتر في الخرطوم. وخلف دول المنطقة، هناك قوى أخرى مثل الولايات المتحدة التي هي جزء من منظومة إقليمية متحالفة مع إسرائيل، وتسعى لتشكيل كتلة ضد إيران، ومثل فرنسا التي تسعى للاحتفاظ بعملائها لمبيعات الأسلحة في مصر والخليج، كما يقول المراسل. وخلص المراسل إلى أن هذه الطموحات قد تعرقل كل شيء في السودان بمحاولة فرض حكم الجنرالات عن طريق العنف، وبذلك أيضًا يخاطر الداعمون الإقليميون بإشعال الحرائق في البلد.
مشاركة :