هل لا تزال هناك أزمة في فنزويلا؟ من وجهة نظر الرئيس ترامب: لا توجد. في يناير الماضي تم احتجاز الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو وكبار مساعديه بهدف الإطاحة بالنظام الفاسد والاستبدادي في كاراكاس. وقدم البيت الأبيض ما اعتقد أنه سيكون ضربة حاسمة عن طريق منع المشتريات الأمريكية من النفط الفنزويلي وألمح إلى أن التدخل العسكري قيد الدراسة. وبعد خمسة أشهر، لا يزال الرئيس مادورو في منصبه، والدبلوماسية الأمريكية تغط في سبات عميق. فلم يكن هناك تدخل من أي نوع من جانب مادورو عن الحكم، وبعد محاولتين فاشلتين لإسقاط النظام، عادت المعارضة الفنزويلية إلى التفاوض مع مادورو بمساعدة حكومات أمريكا اللاتينية وأوروبا. ولا تشارك الولايات المتحدة بأي شيء في الوضع الحالي. وبدلا من ذلك ذكرت صحيفة واشنطن بوست الشهر الماضي أن ترامب قال إنه “ضُلل بشأن مدى سهولة استبدال الرجل الاشتراكي القوي”، في إشارة إلى الرئيس مادورو. وفي هذا الشهر اختار الرئيس ترامب هدفا جديدا وهو المكسيك، حيث أطلق تهديدات كبرى بفرض رسوم جمركية ما لم تقم المكسيك على الفور بإيقاف تدفق المهاجرين والمخدرات عبر الحدود، لكن تم عقد تسوية. وقبل المكسيك كانت إيران، والتي بدا أن ترامب مستعد لخوض حرب معها في أوائل مايو، إذا لم تغير إيران سياستها الخارجية تماما. وقبل ذلك كانت كوريا الشمالية التي هددها ترامب أولا بـ”النار والغضب” وأعقبها بـ”الحب” في محاولة غير فعالة لتفكيك ترسانتها النووية. إذن ثمة نمط معين في سياسات الرئيس الأمريكي، فترامب يستهدف خصما أجنبيا، ودائما ما يطالب بالحد الأقصى مثل: تغيير النظام، ونزع السلاح تماما، والوقف الفوري لتدفق الأفراد والمخدرات. لكنه في نفس الوقت يتجنب التنسيق مع الحلفاء أو الكونجرس ويتبنى تدابير متطرفة، يُفترض أن تؤدي سريعا إلى نتيجة من وجهة نظره مثل حظر النفط والرسوم والتهديدات بالعمل العسكري. بعد ذلك، عندما يتضح له أنه في العالم الواقعي ليس من السهل طرد ديكتاتور من أمريكا اللاتينية أو تجريد كوريا الشمالية من أسلحتها النووية أو إجبار إيران على التخلي عن طموحاتها الإقليمية، فإنه يتراجع أو ببساطة ينتقل إلى الهدف الثاني. السياسة الخارجية لترامب ما هي إلا سلسلة من الإخفاقات. بينما يكافح جيش صغير خاص من مبعوثي وزارة الخارجية لتنظيف الفوضى التي يخلفها ترامب جراء سياسته في كوريا الشمالية وفنزويلا وإيران وحتى أفغانستان وسوريا. وفي الوقت نفسه تعاني السياسة الخارجية لترامب من عدم الاتزان. فعندما عادت كوريا الشمالية لإطلاق الصواريخ، فإن الرئيس “شخصيا” لم يكترث. وقال الشهر الماضي “يعتقد شعبي أن ما حدث يمكن أن يكون انتهاكا، ولكن أنا أرى ما حدث بطريقة مختلفة“. يقول ترامب الآن “لا أفضل العمل العسكري”، وذلك بعد أسابيع من التحرك لمنع جميع مبيعات النفط الإيراني وإرسال قوات عسكرية إلى الخليج وتحذير طهران من “عدم تهديد الولايات المتحدة مرة أخرى أبدا… لأن ذلك سيكون النهاية الرسمية لإيران“. أما بالنسبة لفنزويلا فالتغريدة الأخيرة لترامب تقول “لقد أبلغتنا روسيا أنها أزاحت كل عملائها من فنزويلا”، وهو ادعاء ثبت أنه غير صحيح سريعا. ربما يجب أن نكون جميعا ممتنين لتقلبات ترامب. فبعد كل شيء فإن الغزو الأمريكي لفنزويلا أو الحرب مع كوريا الشمالية أو إيران سيكون كارثة حقيقية. وبدلا من ذلك تعرضت أمريكا لسلسلة من المواقف المحرجة قوضت مصداقيتها، جعلت خصوما أكثر كفاءة مثل روسيا والصين يستخدمونها. إن المعضلة الحقيقية تتمثل في أن سياسة ترامب في العديد من الأزمات الخارجية ابتعدت عن احتواء القنابل الموقوتة. ولا تزال كوريا الشمالية تعاني من العقوبات وتنقصها المواد الغذائية. وصرحت كوريا الشمالية بأنه إذا لم يتم تخفيف تلك العقوبات بحلول نهاية العام فسوف تعبر كل الخطوط الحمراء الأمريكية مثل اختبار الصواريخ العابر للقارات. ومع تراجع عائداتها النفطية بسبب قرارات ترامب، تتجه إيران بالمثل نحو إلغاء القيود المفروضة على برنامجها النووي. وسيستمر مهاجرو أمريكا الوسطى في القدوم إلى الولايات المتحدة عبر المكسيك. وبالنسبة لفنزويلا، لا يستطيع مادورو فعل الكثير لتهديد الولايات المتحدة. لكنه يستطيع أن يستمر في اضطهاد شعبه. ويمكنه أن يقف مكتوف الأيدي في الوقت الذي فرض فيه ترامب عقوبة النفط الصارمة والتي تسببت في انخفاض عائدات فنزويلا المنهكة اقتصاديا في الأساس، مما تسبب في كارثة إنسانية كبرى، وهنا تقع المسؤولية على عاتق الولايات المتحدة بشكل متزايد. ربما يكون ترامب محظوظا ويتم نزع فتيل تلك القنابل من تلقاء نفسها. فقد يمكن طرد مادورو على أيدي جنرالاته أو إنهاء الأزمة في فنزويلا عبر دبلوماسيين من أمريكا اللاتينية وأوروبا. وبدلا من إثارة الأزمة، قد تقرر إيران وكوريا الشمالية الانتظار لمعرفة ما إذا كان ترامب سيخسر محاولته لإعادة انتخابه. ما لن يتحقق بالتأكيد هو بلوغ ترامب لأهدافه بعيدة المدى من خلال معادلته الحالية في السياسة الخارجية، والتي ترتكز في أساسها من خطب عصماء وصياح وتنمر سياسي ونسيان. فمعالجة الأزمات الحادة في كوريا الشمالية وإيران أو حتى فنزويلا والحدود المكسيكية تتطلب وضع استراتيجية معقدة ونهجا صبورا، إلا أن ترامب لا يملك أي منهما
مشاركة :