توعد وتهديد أميركي أصبح أمراً واقعاً على تركيا، فمع استمرار «المكابرة والتعنت» من قبل نظام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قال مسؤولون أميركيون إن تدريب الطيارين الأتراك على مقاتلات إف-35 توقف على نحو أسرع من المتوقع في قاعدة جوية أميركية بولاية أريزونا. يأتي ذلك في الوقت الذي تنهي فيه الولايات المتحدة مشاركة أنقرة في برنامج الطائرة المقاتلة المتقدمة، بسبب خطط تركيا شراء نظام الدفاع الجوي الروسي «إس 400». وقال اللفتنانت كولونيل مايك آندروز، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون): «الوزارة على علم بأن الطيارين الأتراك في قاعدة لوك الجوية لن يحلقوا». وأضاف: «ما لم يحدث تغيير في السياسة التركية، فسنواصل العمل عن كثب مع حليفنا التركي بشأن إنهاء مشاركته في برنامج المقاتلات إف-35». وصرح مسؤول أميركي ثانٍ لرويترز، شريطة عدم ذكر اسمه، بأن قائداً في قاعدة لوك قرر الأسبوع الماضي وقف تدريب الطيارين الأتراك وطواقم الصيانة، بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة. وقال المسؤول: إن هناك جوانب مستمرة من تدريب طواقم الصيانة التركية في قاعدة إجلين الجوية في فلوريدا. ويقول خبراء: إنه إذا حدث وتم استبعاد تركيا من برنامج مقاتلات الإف-35 فسيكون هذا واحداً من أكبر الشقاقات في العلاقة مع الولايات المتحدة في التاريخ الحديث. ويبدو أن تركيا وروسيا ماضيتان في إتمام صفقة منظومة إس-400، فقد أكد، أمس، مساعد الرئيس الروسي يوري أوشاكوف، أن توريد منظومات «إس 400» إلى تركيا سيجري في يوليو المقبل وفق الخطة الموضوعة. وكان أردوغان أكد الأسبوع الماضي أنه «ما من مجال» لأن تنسحب تركيا من اتفاقها مع موسكو. يذكر أن وزير الدفاع التركي خلوصي أكار التقى خلال اجتماعات حلف الناتو، مؤخراً، القائم بأعمال وزير الدفاع الأميركي باتريك شاناهان، حيث تم بحث هذه الصفقة. وفي هذا الصدد، أكدت مصادر إعلامية أميركية أن أردوغان سيتكبد ثمناً باهظاً لإصراره على إتمام صفقة شراء منظومة «إس 400»، موضحة أن الرئيس التركي حاول رأب الصدوع الآخذة في التفاقم لهذا السبب في العلاقات بين تركيا من جهةٍ، وأميركا وأوروبا من جهةٍ أخرى، من خلال تقديم وعود فضفاضة أو عروض مبهمة للغرب، التي اعتبرها «محاولاتٍ لكسب الوقت». وقال تقريرٍ نشره موقع «أل مونيتور» الإخباري الأميركي - المعني بتناول قضايا منطقة الشرق الأوسط - إن المحاولات المستميتة التي يقوم بها أردوغان في هذا السياق، ناجمةٌ عن إدراكه للعواقب الوخيمة التي ستترتب على أي قطيعةٍ لبلاده، من جانب واشنطن أو حلفائها الأوروبيين، وتزايد تكلفة الثمن السياسي والاقتصادي لذلك. وشدد التقرير - الذي أعده المحلل السياسي التركي المخضرم سميح إديز - على أن من بين المشكلات المعقدة التي تواجه النظام الحاكم في أنقرة ورئيسه في الوقت الحاضر؛ أن التراجع عن الصفقة الروسية سيشكل إهانةً شخصيةً له، وتقويضاً للصورة التي حاول رسمها لنفسه طيلة السنوات الماضية، كزعيمٍ سياسيٍ له مكانته داخلياً وخارجياً. وقال إديز: إن أردوغان يكره أن يبدو كمن خضع للضغط الأميركي، رغم أنه يدرك تماماً أن عدم انصياعه لمطالب واشنطن سيجعله يواجه أزمةً اقتصاديةً واضطراباتٍ سياسيةً ستزيد كثيراً عن تلك التي اجتاحت بلاده العام الماضي، عندما فُرِضَت على أنقرة عقوباتٌ من جانب إدارة الرئيس دونالد ترامب، لإرغامها على إطلاق سراح القس أندرو برونسون، وهو ما حدث في نهاية المطاف. وأشار التقرير إلى أن الكثير من المحللين يرون أن مكمن القلق الأول للرئيس التركي يتمثل في تأثيرات الضائقة الاقتصادية المتفاقمة على الوضع السياسي لحزبه «العدالة والتنمية» على الساحة الداخلية، لا سيما بعدما تذوق مرارة ذلك بالفعل، إثر خسارة الحزب سيطرته على بلديات العديد من المدن الكبرى في البلاد، خلال الانتخابات المحلية التي أُجريت في 31 مارس الماضي. ولفت المقال الانتباه إلى حدوث بوادر تصدع في صفوف الجيش التركي - الذي تجمعه علاقة تحالفٍ تقليدية بالجيوش الغربية - جراء تشبث أردوغان بصفقة بطاريات الصواريخ الروسية المثيرة للجدل. ونقل الموقع عن مصادر قريبةٍ من قطاع التصنيع العسكري في تركيا قولها إن ضباطاً كباراً في الجيش يشعرون بالقلق، من الخسائر التي ستلحق بالأمن القومي للبلاد، إذا مضت إدارة ترامب على طريق فرض عقوباتٍ تطال شركات صناعة الأسلحة، وتشمل حرمانها من مواصلة المشاركة في برنامج تصنيع أجزاء من المقاتلة «إف 35» الأميركية المتطورة. واستعرض الموقع في تقريره - الذي حمل عنوان «هل يستطيع أردوغان رأب الصدع مع الولايات المتحدة وأوروبا مع الحفاظ على ماء وجهه في الوقت نفسه؟»- الخطوات التي قام بها الرئيس التركي خلال الأسبوعين الماضيين، لتهدئة غضب واشنطن وبروكسل حيال نظامه، ومن بينها عرضه تشكيل لجنةٍ مشتركةٍ مع أميركا لبحث الخلاف القائم حول صفقة الـ «إس 400»، والتسريبات التي تغص بها وسائل الإعلام في أنقرة بشأن إرجاءٍ محتملٍ لتسليم روسيا هذه الصواريخ لتركيا. ومن بين المحاولات التي أقْدَمَ عليها أردوغان كذلك لاسترضاء إدارة ترامب؛ التبكير بإطلاق سراح سركان جولج، وهو عالمٌ أميركيٌ من أصلٍ تركيٍ كان يعمل في السابق في إدارة الطيران والفضاء الأميركية (ناسا)، وذلك بعد أن قضى في السجن ثلاث سنوات بزعم تورطه في محاولة الانقلاب التي شهدتها تركيا منتصف عام 2016. ونقل المقال عن دبلوماسيين أتراك بارزين سابقين قولهم إنه من غير المرجح أن تنجح أنقرة في تجنب تقديم تنازلاتٍ جسيمةٍ للغرب للخروج من الأزمة الحالية، وهو ما يشير إلى أن أردوغان سيضطر في كل الأحوال إلى إراقة ماء وجهه لتلافي أي عقوباتٍ أميركيةٍ جديدةٍ على نظامه. وقال هؤلاء: إن هناك أجنحةٍ ذات ثقل في الإدارة الأميركية، ترفض تماماً السماح لنظام أردوغان بتعريض الأمن القومي للولايات المتحدة للخطر عبر نشره صواريخ روسيةً متطورةً على الأراضي التركية، التي تستضيف في الوقت نفسه قاعدة «أنجرليك» ذات الأهمية الاستراتيجية الكبيرة لحلف «الناتو». ورجح الدبلوماسيون الأتراك السابقون أن يتزايد الضغط الأميركي على أنقرة بمرور الوقت، في وقت لا يوجد فيه لدى الأخيرة ما ترد به على أي ضغوطٍ من هذا القبيل، قائلين إن المسألة بالنسبة لأردوغان ستتمثل في كيفية إيجاده طريقةً يقدم بها تنازلاتٍ دون أن يظهر أمام (أعين مواطنيه) أنه يتصرف على هذه الشاكلة.
مشاركة :